الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد الثامن عشر

 بسم الله مفرج الكرب والصلاة والسلام على سيد العرب

اليوم ازداد يقيني بأن جورج بوش الابن قد نجح في تحقيق شعاره التاريخي الذي رفعه بُعَيْدَ أحداث 11 سبتمبر 2001 عندما خرج على شاشات التلفاز وأعلن أنه ”إذا لم تكن  معي فأنت ضدّي“. واليوم أيضا تأكد لديّ أن السّاسة الأمريكيين بصفة خاصّة والغربيين بصفة عامّة نجحوا في تصدير ثقافة الكيل بمكيالين . لم يعد لدي شكّ في أن جزءا كبيرا من الطبقة السياسية لدينا تطبّعوا بطبائع الغرب وتلقّفوا شعار بوش ليجعلوه شعارا وديدنا في الحياة. فحالة الاحتراب التي تميّز الصراع بين القوى السياسية أصبحت تنذر بالخطر وتتلاشى معها شيئا فشيئا إمكانية الحوار والوفاق وأصبح العنف اللفظي الذي تحول في حالات عديدة إلى عنف مادّي ، الخبز اليومي الذي تتغذى منه وسائل الإعلام من صحف وإذاعات وتلفزات وطنية وأجنبية وصار الإقصاء من مبادئ بعض السياسيين وسيف يرفعونه في وجه خصومهم.  فهل انتقل الحوار إلى جوار ربّه وأصبح في خبر كان؟ .

أمّا أمثلة الكيل بمكيالين فهي كثيرة وعديدة لكنني سأكتفي بمثال أخير يشفي الغليل ويكون الدليل . فعندما أضرب صحافيو دار الصباح على سبيل المثال، وأعلن بعضهم أنهم دخلوا في إضراب جوع من أجل تحقيق مطالبهم ، قامت الدنيا ولم تقعد وهبّت قوى المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان الوطنية والدولية  لمساندتهم وتجنّدت للدفاع عنهم والذود عن مطالبهم. لكنّ نفس القوى والجمعيات لم تحرّك ساكنا عندما أعلن اثنان من الشباب السلفي الدخول في إضراب عن الطعام للتعبير عن رفضهما لطريقة اعتقالهما والمطالبة بمحاكمتهما أو إطلاق سراحهما ونفّذا إضرابهما لمدّة أكثر من خمسين يوما حتّى وافتهما المنيّة وهما على تلك الحالة. فهل أن هذين الشابين من جنس غير البشر وبالتالي لا يدخلان تحت غطاء حقوق الإنسان ؟ أم أن هذه المنظمات الحقوقية وبعض جمعيات ما يسمى بالمجتمع المدني تعتمد مبدأ الكيل بمكيالين وتعامل التونسيين بطريقة ”واحد فرض وواحد سنّة“. فهذه الجمعيات وهذه الشخصيات الحقوقية لم تتحرك إلا بعد وفاة الشابين ولا أشك أن ذلك ليس تحسرا على موتهما وإنما محاولة جديدة لإحراج حكومة ”الترويكا“ فالفرصة مواتية لإضعافها.

قد يقول البعض : ”تلك هي السياسة. والسياسة لا تعرف أخلاقا ولا عاطفة “. وأقول هي السياسة في أسوإ مظاهرها وهي كما قلت سياسة بوش الإبن وأمثاله. سياسة لا تبني حضارة ولا تحترم حقوق الإنسان . نحن لسنا في حاجة إلى مثل هذه السياسة ولا خير في من يتبنّاها .. إننا نريد سياسة الأخلاق ... سياسة ممزوجة بثقافة تكرّس حقوق الإنسان وكرامته، مهما كانت أفكاره وشكله ولباسه .. سياسة تبني ولا تهدّم . نريد سياسيين يلتزمون بما يقولون ويجمعون ولا يفرقون ، يؤمنون بالديمقراطية في جوهرها سواء كانوا في السلطة أو خارجها ويرضخون لإرادة الشعب ويؤمنون بالحوار وبسنّة التداول ... نريد سياسيين يخدمون الشعب ولا يماطلون ... إنهم قليلون ، لكنّهم أملنا الوحيد للخروج من المأزق الذي أردانا فيه أشباه السياسيين والمتطبعين بطبائع بوش ومن شابهه ...