الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد الرابع

 بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله...

 

كان تمرد الشعوب على الأنظمة الحاكمة في الدول العربية لحظة تاريخية فاصلة وحدثا جللا جلب اهتمام العالم بأسره. ويمكن اعتبار الثورات العربية الجديدة نهاية مرحلة ”الدولة الوطنية الأولى“ التي أرست دعائمها طبقة سياسية متعالية عن شعوبها مبهورة بما وصل إليه الغرب من تقدّم وازدهار فحاولت، دون نجاح، نسخ تجارب الآخرين  واعتمدت في ذلك على أجهزتها الدعائية والإيديولوجية والقمعية لإحداث التغيير الثقافي و الاجتماعي، في سياق متوتر وصراعي، مبني على القطيعة مع الماضي. واعتبار تلك الثورات تدشينا لمرحلة ”الدولة الوطنية الثانية “ التي ستبنيها الشعوب من خلال ممارسة حقّها في اختيار من ينوبها في تأثيث أجهزة الدولة المعبّرة عن هويّة هذه الشعوب  وتطلعاتها. و من أبرز ما أظهرته إلى حد الآن هذه الثورات، تراجع نفوذ التيارات الحداثية العلمانية في المجتمعات العربية والإسلامية، وارتفاع أسهم الذين يعتمدون شعار التمسك بالهوية منطلقا للبناء. ويشترك في هذا التيار العريض سياسيون ومثقفون وقاعدة شعبية واسعة من تجارب وأيديولوجيات متعددة. وهذا ما يعيد موضوع التفاعل مع التراث إلى سطح الاهتمامات الفكرية ويطرح السؤال عن مدى قدرة تيار  الهوية العربية الإسلامية  على الانتقال من مهام الدفاع في المرحلة السابقة إلى توفير متطلبات البناء  في المرحلة الجديدة، وعلى رأسها مشروع ثقافي ينشد التغيير "من الشعور بالدونية إلى الثقة بالنفس، ومن الفردية إلى الجماعية، ومن اللامبالاة إلى المسؤولية،  ومن الازدواجية إلى التوازن، ومن الانسحاق والتهميش إلى تحقيق الذات وإعلاء حقوق الإنسان، ومن الاستبداد إلى الديمقراطية، ومن التشتت إلى الوحدة، ومن ثقافة الغلبة إلى ثقافة المواطنة، ومن الإتباع إلى الإبداع ".

في هذه الموضوع كتب الأستاذ محمد القوماني في هذا العــــدد مقالا بعنوان ”تيار الهوية العربية الإسلامية ، من مهام الدفـــاع إلى متطلبات البناء“ وفي محاولة لتوحيد جناحي تيار الهوية العروبي والإسلامي ، كتب الباحث الاجتماعي الأستاذ مصباح الشيباني مقالا بعنوان ” بحث سوسيولوجي في العلاقة بين العروبة والإسلام“ فيما خصص لنا الباحث في الشؤون التربوية والثقافي محرز الدريسي مقالا حول ” النخبة في تونس: المتاهة وقلق الإصلاح“ تحدث فيه عن مجتمع الدولة ونخبة الدولة في العهد البورقيبـــي ( الدولة الوطنيـــة الأولى) ودور البورقيبيـــة في ترسيخ الثنائيات الانشطارية  في الفضاء السياسي والثقافي واستمرار احتكار الحداثة والهوية في تمزيق "الشخصية التونسية".

ولأن مشروع الدولة الوطنية الثانية مشروع الجميع بلا إقصاء، فإن ذلك  يتطلب خطابا يوحّد الصفوف ولا يفرّق، ويساهم في بناء مجتمع يعتز بهويته ، وينطلق منها لإنجاز رؤية مشتركة للنفع العام، و في هذا السياق كتب لنا السيد رضا السمين مقاله بعنوان ”نريد بلادا يحيا فيها الحب وتقام الصلاة“ يتحدث فيه عن ”مشروع اليسار الإسلامي“  كتيار يتصدّى للثنائيّات المتناحرة وينظّر لخط ثالث يوحّد الجميــــع ويقـــود المعركـــة ضد الخوف من الديمقراطية والحرّية والمسؤولية.

ولأن القضيـــة الفلسطينيــــة تبقـــى قلــــب الرحـــى كما يقولون في ”ماكينة“ بناء هذه الأمة وتفوّقها، ولأن الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني هم طليعة مناضلي هذه الأمة، فقد خصصنا مقالا بعنوان ”الأسرى الفلسطينيون وسلاح الإضراب عن الطعام“ وتوّجنا هذا العدد بهدية لهؤلاء الأسرى ولكل قرائنا الأعـــــزاء تتمثل في كلمــــــات أغنيــــــة الفنان الفلسطينــــي أحمد قعبور ” يا نبض الضفّة“.

هكذا إذن أثثنا العـــــدد الرابـــــع من مجلّة ”الإصلاح“ التي نرجو أن تكون خطاها ثابتة في عالم السياسة والثقافة، وأن تكون شجرة مثمرة في بستان الفكر، أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بمشيئة الله تعالى.