الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد 146
 يصدر العدد 146 من مجلّة الإصلاح ونحن نعيش على وقع ثلاثة أحداث هامّة،  أوّلها حلول السنة الهجريّة الجديدة، فبالرغم من عدم اعتمادنا رسميّا التقويم الهجري في نشاط مؤسّسات الدّولة، فإنّ لهذا الحدث وقع خاص على التونسيين خصوصا والمسلمين عموما لارتباطه بأعظم هجرة في التاريخ  لأعظم رجل في البشريّة. 
مضى 1440 عاما على حدث هجرة الرّسول صلى الله عليه وسلّم وها نحن نستقبل عاما جديدا ونحن في ما نحن عليه من تخلّف وتأخر وضياع للبوصلة ... تداعت علينا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، ولسنا بالقليل، غير أننّا غثاء كغثاء السّيل... لم يعد عدوّنا يهابنا... وكيف يهابنا ونحن لا نفكّر إلا في بطوننا وفروجنا وسفك دماء بعضنا البعض وتدمير ما بناه آباؤنا بجهد جهيد وتضحيات جسام...
غير أنّ المؤمن لا يفقد الأمل، لأن الخير باق في أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم إلى يوم القيامة «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» «رواه مسلم والبخاري ». وسيأتي أمر الله لا ريب ...لكنّ أمر الله لن يأتي إلاّ إذا غيرنا ما بأنفسنا. ولن يتحقق ذلك إلاّ إذا هاجرنا كما هاجر نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم. نهاجر أولا إلى مبادئ الإسلام السّمحة والقيم الإنسانية الخالدة، نغرسها في أنفسنا وفي الأجيال التي تتربىّ في أحضاننا ونستميت في الدفاع عنها ونؤسس بها ثقافتنا ونبني على أساسها علاقاتنا مع من يحبّنا أومن يكرهنا أومن يساندنا أو من يخالفنا. ونهاجر ثانيا إلى علوم العصر، نبحر فيها ونجعلها أساس تعليم أبنائنا، وإلى التكنولوجيا نفهمها ونستفيد منها ونساهم في تطويرها . ونهاجر ثالثا إلى العمل والانتاج فلا خير في أمّة تستهلك إنتاج غيرها.
الحدث الثاني هو العودة المدرسية، وهو حدث يفرض علينا الانتباه إلى حال منظومتنا التربويّة ويدعونا إلى رفع شعار « الإصلاح التربوي» من جديد والبحث الجدّي والعميق مع مختلف مكونات المنظومة والمتفاعلين معها في حلّ جذريّ لبناء أسس جديدة لها وتحديد أهدافها. فبقاء المنظومة على حالها خطر له عواقبه الوخيمة على الأجيال القادمة وعلى البلاد بصفة عامّة وتجاهل هذه المسألة يعدّ خيانة للوطن والمواطنين الذين هم بصدد التّضحية  بكلّ ما يملكون من أجل نجاح أبنائهم  وتربيتهم.
لن يكون إصلاح المنظومة التربويّة سهلا، لكن علينا أن نترك خلافاتنا جانبا ونبدأ ولو بالتفكير والنّقاش فالأمر لا يقبل التأخير والتسويف. 
الحدث الثالث هو الانتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها وهي حدث ستكون له انعكاسات جدّ هامّة على الوضع في البلاد وتأثيرٍ على العلاقات التونسيّة مع جيرانها والقوى الإقليميّة والدوليّة . هي التجربة الثانية للتونسيين في اختيار رئيس لبلادهم بصفة مباشرة وبحرّية تامّة من دون أيّ ضغط أو تزوير لإرادتهم، وهي الأولى بصفتها انتخابات سابقة لأوانها فرضها فراغ منصب الرّئاسة بعد أن انتقل السّبسي إلى جوار ربّه. والحدث في هذه الانتخابات هو ترشّح  أحد الوجوه الإسلاميّة ودخوله في السّباق نحو قصر قرطاج لأوّل مرّة في تاريخ البلاد. حدث ما كان ليحصل لولا قدر الله المتمثّل في وفاة الرئيس القائد السّبسي، فحزب حركة النّهضة الذي يعتبر أكبر حزب في البلاد نأى بنفسه عن الخوض في معركة الرّئاسة في انتخابات 2014 وعبّر عن عدم تحمّسه لخوض منافسات 2019 داعيا إلى ترشيح شخصيّة توافقيّة تجتمع حولها أغلب الأحزاب. لكنّ تقديم الانتخابات الرئاسيّة على الانتخابات التّشريعيّة قلب كلّ المعادلات وفرضت على «النهضويين» اختيار مرشح منهم لخوض غمار هذه الانتخابات.