الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
الافتتاحية
 يحلّ علينا في هذا الشهر عيد جديد وهذه المرّة أيضا، تختلط فيه الفرحة بالحزن والأمل بالحيرة، كيف لا والأحداث تتوالى على الرقعة الجغرافيّة العربيّة، أغلبها مأساوي وباعث على الإحباط خاصّة في المشرق العربي أين يقتل البشر بدم بارد بتعلّة محاربة الإرهاب. تتداعى الأمم علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها وما نحن بقلّة بل كثرة أصابها الوهن وتحكّم في رقابها سلطان جائر لا يتوانى عن قتل الأبرياء حتّى يحافظ على حكمه وسلطانه. إنّ ما يحدث في سوريا والعراق واليمن ليس بالأمر الهيّن، إنّه تعبير عن درجة من الانحطاط الأخلاقي والإنساني بلغته الأنظمة والجماعات السّياسيّة في المنطقة حيث يقتل النّاس على أسمائهم وانتمائهم الطّائفي. يقتلون أفرادا وجماعات بسلاح أمريكي أو روسي أو فرنسي لا فرق بينها، فالهدف واحد والنتيجة واحدة: تدمير ما تبقّى من مدن عربيّة وقتلّ أكبر عدد من الأطفال والنساء، وقتل هؤلاء مقصود أفليست النساء من يلد ويبعث الأمل في الحياة من جديد، أوليس الأطفال هم رجال الغد؟ فربّما يكبرون فيتمرّدون على الطغاة من حكّام ومستعمرين؟ 
في هذا الوضع الكارثي لا معنى للعيد عند الصغار كما عند الكبار إذ يستسلم بعض الناس إلى أحزانهم وقدرهم فيجمدون في أماكنهم ينتظرون قرار ترامب أو بوتين أو من يخدمهم في المنطقة ليطلق رصاصة الرحمة عليهم، فيما يختار البعض الآخر ترك منازلهم والفرار بما تبقّى من فلذات أكبادهم إلى خارج البلاد حتّى وإن علموا أن لا أحد يرغب في استقبالهم . فالهجرة خير من انتظار الموت. فلعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا.
أمّا في المناطق الأخرى من الوطن العربي التي لا قتال فيها ولا دمار ، فإن الحرب فيها من نوع آخر لا تقلّ دمارا عن الأول لكنّه دمار ناعم لا أكثر ولا أقلّ. حرب ممنهجة،  السلاح فيها ثقافي، يعمل فيها العدوّ - والذي عادة ما يكون من بني جلدتنا- على تدمير ما تبقّى من شخصيّة الإنسان العربي المسلم عبر إفساد ذوقه وتخريب قيمه وتشويه تاريخه وذلك بقصفه بكلّ أنواع  الإبتذال و التفاهة و التفسّخ الأخلاقي وإلهائه عن قضاياه الحقيقيّة وشواغله وتسليط الضوء على كلّ ماهو تهريج واثارة خاصّة في شهر رمضان المعظّم، بالإعتماد المركّز على وسائل الإعلام وتأجير أشباه المثقفين والفنّانين المرتزقة.
ورغم فضاعة ما يحدث هناك وهنا، ورغم صعوبة المرحلة فإنّ الأمل يبقى قائما مادام هناك دعاة للإصلاح برغم قلّتهم مرابطون في السّاحات المختلفة للدفاع عن إنسانيّة الإنسان العربي وهويّته. وهم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بأن يشمّروا عن سواعدهم ويتوكلوا على ربّهم، فما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم .