الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
الافتتاحية
 أعادت الاحتجاجات الأخيرة الصادرة عن الشباب المهمّش والعاطل عن العمل التي انتشرت في عدة مدن تونسية ورافقتها أعمال عنف ونهب، المسألة الإجتماعية إلى صدارة الأحداث لتطرح على أذهاننا أسئلة عديدة تتعلّق بما تمّ إنجازه لفائدة الفئات المحرومة خلال السنوات السبع التي تلت إسقاط بن علي ومدى قدرة الحكومة على القطع مع سياسة تصريف الأعمال التي دأبت على تنفيذها الحكومات السابقة المتداولة على السلطة منذ 14 جانفي 2011. كما يخامرنا سؤال آخر  - وهو الأهمّ بالنسبة إلينا - عن مدى حضور المسألة الاجتماعيّة في أذهان الإسلاميين وأطروحاتهم والدّور الذي يمكن أن يلعبوه، برغم هزالة تمثيليتهم في الحكومة، في ايجاد حلول جذرية لهذه المسألة بعيدا عن الشعارات البراقة والعناوين الفضفاضة التي لا تحلّ المشكل بل تزيده تعقيدا.
ولعلّ طرحنا لسؤال مدى حضور المسألة الاجتماعية في أذهان الإسلاميين وجاهزيتهم للفعل الميداني ومدى قدرتهم على تحمّل عبئها  يندرج ضمن اعتبارنا لهم الجهة الأكثر نضجا وقوّة وجدّية في السّاحة الوطنيّة حيث أكّدوا بنجاحهم في حلّ تعقيدات المسألة السّياسية أنّه بإمكانهم قيادة البلاد إلى برّ الأمان ومساعدتها على التماس طريقها نحو التقدم والازدهار ولو بعد حين.
إنّ المساهمة في الرّد على الأسئلة المتعلّقة بحلّ المسألة الإجتماعيّة هي من أبرز الأدوار التي يمكن للإسلاميين تولّيها، مستفيدين في ذلك من تاريخهم النضالي الطويل في مقارعة الاستبداد والحيف الاجتماعي، وامتلاكهم حضورا شعبيا ومؤسساتيا كبيرا بالإضافة ، وهذا الأهم، إلى مخزونهم الثقافي والفكري الناتج عن القراءات المتعددة لرسالة الإسلام المتفقة بلا اختلاف على أنّها رسالة قوامها التوحيد والعدل وأنّ هدفها الرئيسي هو تحقيق السعادة للبشر في الدنيا والآخرة.
حلّ المسألة الاجتماعيّة يعني القيام بأعمال نظرية وميدانية ترتكز على قراءة موضوعيّة دقيقة للواقع وتهدف إلى دفع حركة التحول الاجتماعي نحو القضاء على معيقات التقدّم كالفقر والبطالة والفوارق المادّية والمعنويّة بين مكونات المجتمع وتحقيق الانسجام والتصالح والتكافل بين مختلف الشرائح الاجتماعية بما يعزز قدرات المجتمع على تحسين انتاجه ورصّ صفوفه وتحقيق تنمية  شاملة مستدامة. فهل نحن بصدد التفكير في ذلك والعمل على تحقيقه؟.
إنّ حلّ المسألة الاجتماعيّة لا يمكن أن يتحقق في ظل غياب مشروع وطنّي يقطع مع منظومة الفساد والمحسوبية ويضع على السكّة منوالا تنمويا يأخذ بعين الاعتبار امكانات البلاد وقدراتها ويرسم أهدافا واضحة تؤدّي إلى تحقيق تنمية حقيقية مع توزيع عادل للخيرات بين الجهات. وفي غياب ذلك سيبقى الغليان ميزة الوضع الاجتماعي وستنجرّ عنه فوضى قد تجهز  - لاقدّر الله- على ما تحقّق من مكتسبات على المستوى السّياسي والتشريعي... ألا هل بلّغت... اللهم فاشهد...