الأولى

بقلم
فيصل العش
سبع سنوات على الثورة... وبعد؟
 توطئة
يعيش العالم العربي حالة من الإحباط الشّديد والحيرة والضّياع نتيجة ما يحدث في أغلب أرجائه من صراعات وتناحر ودمار بعد أن عاش منذ سبع سنوات فترة من الأمل والإنتشاء نتيجة حدوث تغييرات سياسيّة هامّة إثر انتفاضات شعبية سلمية اندلعت شرارتها الأولى من تونس لتعمّ مصر وليبيا واليمن وسوريا وحطّمت حاجز الخوف لدى شعوب المنطقة وأسقطت رؤوسا لم يكن في تقدير أفضل المحللين السّياسيين توقّع الإطاحة بها بتلك السّرعة.
لن نحشر أنفسنا في الجدل الدّائر حول الثّورة وماهيتها وهل ما حدث في تونس بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 ومن بعده في العديد من الدول العربية هو ثورة أم انتفاضة أم مؤامرة، فقد أُسيل من أجل هذا الأمر حبر كثير. فلا داعي لخوض جدال قد يطول ويأخذ منّا جهدا نحن في حاجة ماسّة إليه حتّى نغوص في أمور أكثر أهمّية.
لن نخوض أيضا في التّسميات التي أطلقت على ما حدث، فقد حسم الأمر لدينا على الأقل، فنحن نؤمن يقينا أنّ ما حصل ثورة ولكنّها مازالت في أشواطها الأولى وكلّ التسميات التي أطلقت عليها هي تسميات نعتزّ بها. هي ثورة الربيع العربي وإن كان ما نراه اليوم يوحي بأننا نعيش شتاء قاسيا وهل بعد الشتاء إلاّ الربيع؟ وهي ثورة الياسمين وإن سالت فيها دماء كثيرة، أوليست تونس بلاد الياسمين وهي التي اندلعت منها أولى شرارات الثورات العربيّة؟ وهي ثورة «البرويطة» كما سمّاها البعض (وإن كان يريد التهكم على هذا الإنجاز وتحقيره) أوليست «البرويطة» رمز العمل والكدّ ورمز المستضعفين قادة هذه الثّورة؟. وهي ثورة الحرّية والكرامة ولا أحد ينكر أنّ الحرّية والكرامة هي مطلب كلّ العرب والمسلمين.
صحيح أنّ أغلب الشّعارات التي رفعها الثّائرون لم تتحقّق بل ربّما ازداد الوضع سوءًا من هذه النّاحية ممّا شجّع أعداء الثّورة وأصحاب القلوب المريضة على ترويج أقاويل تهدف إلى التّنقيص من أهمية الانجاز العظيم الذي حصل في البلاد العربية ومن ثمّ بثّ الإحباط وغرس النّدم في نفوس الجماهير الثّائرة والتّباكي على أيام ما قبل الثّورة. وصحيح أنّ ما يحدث في سوريا ومصر وبقيّة الدّول العربيّة من قتل ودمار أمر مفزع لا تتحمّله النّفس البشرية. إلاّ أنّ ما تحقّق برغم التّضييق والمحاصرة ومحاولات أهل الردّة يجعلنا نتفاءل بالمستقبل إذا ما نظرنا إلى ما حدث في أفقه العربي والعالمي بعيدا عن القطريّة والمكاسب الآنيّة الضيّقة. 
ما نهدف إليه من خلال هذا المقال هو الوقوف عند أسباب الانتكاسات الحاصلة وإن تنوعت من دولة إلى أخرى لعلّنا بذلك نعرف مكامن الخلل فنعمل جميعا على القضاء عليها وإعادة قطار الثورة إلى سكّته ليسير في اتجاهه الصحيح نحو تحقيق مجد هذه الأمّة وعزّتها. فما هي العوائق التي وقفت حاجزا أمام تحقيق أهداف الثورة؟ وما هي طبيعتها؟ هل هي داخليّة مرتبطة بالانسان العربي نفسه أم هي خارجيّة مرتبطة بموازين القوى الإقليميّة والدولية؟ أم هي من هذا وذاك؟ 
حسّ ثوري لا وعي ثوري
من العوائق الرئيسيّة التي عطّلت وصول الثورات العربية إلى منتهاها وتحقيق مبتغاها غياب الوعي الثوري بما هو إدراك للمعنى الحقيقي للثورة وتبنّي أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة نقيضة لما كانت عليه قبل الثورة مع امتلاك القدرة على الحفاظ على ما تنتجه هذه القناعات والرؤى والتصوّرات من سلوك وقيم وعلاقات بالإضافة إلى إدراك المخاطر التي تهدّد الإنجاز الثوري لمنع أي قابلية للارتداد. 
لا يتأتّى الوعي الثوري من فراغ بل هو نتاج تراكمات لنضالات فكريّة وميدانيّة ضدّ العدوّ ويقاس بقدرة الشعوب على حماية حراكها وتطويره إلى عمل يومي مستمر لتحقيق التغيير وابتكار الوسائل والطرق لتحقيق تحوّل جذري للواقع بالإضافة إلى تحمّل الصعوبات المصاحبة للحالة الثوريّة من أزمات اقتصاديّة واجتماعية واضطرابات في نسق عيش النّاس نتيجة تصادم تصوّرين للمجتمع، يقوم الأول على الاستبداد والقهر والظلم والتفرقة والخنوع والخوف ويقوم الثاني على الحرية والكرامة والعدالة  الاجتماعيّة. 
وما شاهدناه في دول الربيع العربي لم يرتق إلى وعي ثوري بل كان حسّا ثوريّا قادته عاطفة الناس الذين أحسّوا بالحقرة والتهميش وخافوا على لقمة عيشهم فانتفضوا منجزين ثورة تفتقد إلى تنظيم محكم ووضوح للأهداف، وخارطة طريق متماسكة تمكنهم من الوصول الى تلك الاهداف. لم يكن هذا الحسّ الثوري كافيا لاستمرار توهّج الثورة وبلوغها مرحلة النضج والبناء، فسرعان ما دبّ الخوف من التغيير والثورة في نفوس جزء كبير من النّاس وتحرّك فيهم الحنين إلى «الاستقرار المغشوش» الذي كان يوحي به الاستبداد، نتيجة الجهل والتغييب والتّضليل والتخدير الذي مارسته الأنظمة المستبدّة عليهم طيلة عقود. 
شباب مُغيّب
 قبل سبع سنوات من الآن كان الشارع العربي في أقصى حالات غليانه وكان الشّباب يواجه بصدر عارٍ نيران قوى القمع والاستبداد في الميادين العامّة وفي القرى والأرياف، هاتفا بإسقاط النظام ومطالبا بالحق في العيش الكريم والحرية والتشغيل. وقد أظهرت تلك الأحداث جدارة الشباب وقدراته العالية في التعامل مع الواقع والاستجابة لحاجياته وفرض مسار جديد يقطع مع الماضي بجميع جوانبه مستعينا بالتكنلوجيات الحديثة (شبكات التواصل الإجتماعي والهواتف النقالة ) والتحرك الميداني. وبالرغم من القتل المتعمّد للعديد من الشباب، فقد استطاع هؤلاء في «السنة الدولية للشباب» أن يسقطوا عددا من رؤوس الأنظمة الاستبدادية الفاسدة. والآن بعد سبع سنوات من تلك الملحمة الشبابية نلاحظ أنّ وضع الشباب ازداد سوءا فأغلبه لم يعد يثق في الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء فخيّر الانسحاب نهائيّا من السّاحة تعبيرا عن رفضه لما آلت إليه الأمور في حين خيّر البعض الآخر الالتحاق بصفوف التنظيمات الراديكاليّة المتطرفة التي لديها من الأساليب الخبيثة الكثير لجلب وتأطير الشّباب والاستفادة من حماسه ورباطة جأشه واختار شقّ آخر الارتماء في أحضان المتوسّط ليموت غرقا أو يتحوّل إلى سجين بأحد المعتقلات في أوروبا.
لم يكن تعامل حكومات ما بعد الثورة مع ملف الشّباب سليما ولم تقدّم لمشاغله حلولا جدّية. في حين فشلت الأحزاب السياسيّة قديمها وجديدها والتي يفوق معدل أعمار قادتها الخمسين سنة، في استيعاب متطلبات هذا الشباب واستقطابه ليكون أحد أعمدة البناء الجديد ولم توله المكانة التي يستحقّها التي تتماشى مع دوره المحوري والأساسي في نجاح الثورة، فالقائمون على هذه الأحزاب لم يقدروا على تجاوز عقلياتهم القديمة التي تتعامل مع الشباب كمعطى كمّي يُستنجد به في حملاتهم الانتخابية ومواعيدهم الحزبية أوتجييش الشوارع للضغط على الخصوم. 
إن الشباب هو عماد الوطن وهو القوّة الضّاربة التي باستطاعتها بناء الدّولة وصناعة المستقبل ولهذا فإنّ إبعاده عن المشاركة في القضايا المصيريّة وعدم الاستجابة لمطالبه كانت له تأثيرات وخيمة على الاستقرار ونجاح الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطيّة وسيبقى عائقا مهمّا أمام نجاح الثورة وتحقيق أهدافها. 
طبقة سياسية فاشلة
إن نجاح الثّورة لا يتمّ إلا عبر النّجاح في تغيير مضمون العمل السّياسي، فالعمل السّياسي في مرحلة ما بعد الثّورة مختلف كلّيا عن مثله أثناء الثّورة وما قبلها. لكنّ النّخب التي احتلت السّاحة السّياسية بعد الإطاحة بالطّغاة لم تسع إلى تغيير مفهوم العمل السّياسي وانخرطت في معارك طاحنة فيما بينها للوصول إلى السّلطة فانقسم مناضلو الأمس إلى حكّام ومعارضة وخاضوا صراعات مستمرّة فيما بيمهم بسبب ذاتيّة البعض وانتهازيّته وضيق أفق البعض الآخر وضعف بصيرته، فانحرفوا بالمسار وكادوا يعصفون به.  
يتميز أغلب متصدّري السّاحة السّياسية بجهل مع كثير من العقد النّفسية والفكريّة نتيجة لما تعرّض إليه جزء منهم من قمع وتنكيل جرّاء دكتاتوريّة العهدين السّابقين وتمسّك بعضها الآخر بإيديولوجيّات تجاوزها الزّمان ولفضها أصحابها. وقد أدّى تصدّر هؤلاء للمشهد السّياسي إلى الانحراف عن مسار تحقيق أهداف الثّورة ودفع البلاد إلى احتقان اجتماعي خطير، فجزء كبير منهم لم يفهم أنّ البلاد خرجت من الاستبداد لكنّها لم تدخل عالم الدّيمقراطية بعد وأنّه لابدّ من المرور بمرحلة انتقاليّة قد تقصر أو تطول حسب جهد وذكاء الفاعلين ولا يمكن لهذه المرحلة أن تمرّ بسلام مادام الصّراع الإيديولوجي والطّائفي والحزبي يتصدّر الحراك بدل التّنافس. ولعلّ المتتبع للسّاحة التّونسية مثلا يلاحظ بوضوح أنّ وتيرة الأزمات أصبحت في ارتفاع ومبدأ «التّوافق» قد يلفظ أنفاسه بين لحظة وأخرى. وقد تسبّب هذا التّمشّي خلال السّنوات السبع الماضية في خلق قناعة لدى غالبيّة المواطنين بفساد السّياسة والسّياسيين بمختلف أنواعهم ومشاربهم ممّا جعلهم ينفرون من الاهتمام بالشّأن السّياسي، بل عاد حنين بعضهم إلى نظام الاستبداد الذي ثاروا من أجل تغييره والقضاء عليه. وهذا من شأنه أن يضرّ بالديمقراطية النّاشئة ويعطّل المسار الثّوري والقضاء عليه.
تغييب المسار الثقافي
تسير الثّورات العربيّة بخطى بطيئة متعثّرة، لأنّها عرجاء ويعود عرجها إلى الاهتمام الكبير بالمسار السّياسي وتغييب المسار الثّقافي. فسيطرة رجال السّياسة على المشهد العام وتحكّمهم في مواقع القرار واهتمامهم بتصفية حساباتهم القديمة جعل من التّغيير الثّقافي مسألة ثانويّة.والكلّ يعلم أنّ نجاح أيّ مشروع للتّغيير مرتبط بتلازم المسارات الثّلاثة السّياسي والثّقافي والاقتصادي.
لقد عاشت الشّعوب العربيّة الاسلاميّة قرونا طوالا تحت وطأة الاستبداد والحكم الفردي تارة بغطاء ديني وطورا بغطاء وطني تحرّري، ولم تعرف هذه الشّعوب في تاريخها منذ قيام الدولة الأمويّة تداولا على السّلطة السّياسيّة إلاّ بالوراثة أو بحدّ السّيف ولم تتعوّد على الاختيار الحرّ بل تمّت تربيتها على السّمع والطّاعة والإذعان لولي الأمر أومن ينوبه، لهذا لا يمكن بمجرّد تغيير الدّستور أو إصدار القوانين أو تنظيم انتخابات أن نغيّر الواقع وسيبقى تحوّل الشّعوب العربية من واقع الاستبداد والتّهميش إلى واقع السّيادة والمواطنة أعرجَ ما لم تصاحبه ثورة ثقافيّة شاملة تنسف ثقافة الاستبداد والأنانية والفوضى وتكرّس بديلا وطنيّا قائما على حبّ العمل والاستثمار في الوطن ومن أجل الوطن والاحترام المتبادل بين الدّولة والمواطن وبين المواطنين أنفسهم وهو عمل صعب وشاق لا نرى مكونات المجتمع المدني من جمعيّات ومفكّرين ومثقّفين قد انطلقوا في انجازه بعد. 
مكر الثورة المضادّة
من العوائق الرئيسيّة أمام نجاح الثّورات العربيّة بصفة عامّة إعادة التشكّل السّريع للمنظومة القديمة المعادية للثّورة فكرا وممارسة، ذلك أنّ النّخب السّياسيّة التي تسلّمت السّلطة بعد سقوط الطّغاة لم تسع إلى محاسبتها وتعطيل الآليات القادرة على إعادة تشكّلها ولم تقم مبكّرا بالقضاء على الشّبكات والدّوائر التي دافعت إلى آخر لحظة عن دولة الفساد واكتفت بقرارات محتشمة لم تغيّر في واقع الأمر شيئا بتعلّة التدرّج في المحاسبة، بل ذهب البعض منها إلى مغازلة «ركائز الأنظمة القديمة» من سياسيين وإعلاميين ورؤوس أموال لاستمالتها إلى صفّها، فحافظت المنظومة القديمة على أغلب مواقعها في مفاصل الدّولة وخاصّة في القطاعات الرئيسيّة كالإعلام والقضاء والأمن والجيش، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لقوى الثّورة المضادّة لتعيد ترتيب بيتها بطريقة ماكرة حيث استفادت من أخطاء الحكّام الجدد وجمعت حولها كلّ المتضرّرين والخائفين من الثّورة وحرّكت أهمّ آلياتها  (الجيش في مصر والطّائفيّة في اليمن وسورية والقبليّة في ليبيا ونقابات العمال في تونس) مستعينة بماكينة إعلاميّة ضخمة حتّى خيّل للدّاخل والخارج أنّها أصبحت مطلبا شعبيّا وأنّها المنقذ الوحيد من الوضع الذي آلت إليه بلدانها، فكان الانقلاب العسكري في مصر إنقاذا وطنيّا واعتبر سقوط حكومة التّرويكا في تونس ملحمة نضاليّة وطنيّة وغدا «حفتر» قائدا وطنيّا للجيش الليبي وصارت براميل النّظام السّوري المتّفجرة فوق رؤوس السّوريين سلاحَ مقاومةٍ وتحوّلت ثورة اليمن إلى صراع طائفي بين الحوثيين وبقية اليمنيين.
مصيبة التّدخّل الخارجي
عملت القوى الإقليميّة والدّول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكيّة وروسيا والكيان الصهيوني  على وأد الثّورات العربيّة بجميع الطّرق أو على الأقل تغيير مسارها وتوجيهه إلى ما يخدم مصالحها وذلك عبر تدخّلها المباشر والخفيّ الذي أخذ أشكالا متنوّعة حسب خصوصيّات القطر وطبيعة الصّراع فيه، فكان تارة عسكريّا مباشرا بتعلّة مقاومة الإرهاب (الحالة العراقية والسّورية) أو المحافظة على حياة النّاس (الحالة اللّيبية) وتارة أخرى عبر غضّ الطّرف عن ممارسات قوى الثورة المضادّة والاعتراف بانجازاتها (الحالة المصريّة) وطورا بتعطيل الاستثمار وقطع الدّعم المالي عبر فرض شروط قاسية وضغوطات من خلال المؤسّسات المالية الدّولية لخلق وضع اقتصادي صعب يستحال معه الاستمرار في التّغيير ويمنع كلّ محاولة لاستقلال القرار الوطني (الحالة التّونسية). 
ولا يستبعد أن تكون للدّول الكبرى والكيان الصهيوني ومن يتبعهما من قوى إقليميّة اليد الطولى في انتاج الإرهاب وتحريكه في المنطقة سواء بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء مستعدّين لفعل كلّ شيء من أجل القضاء على الحراك الثّوري بالمنطقة. 
خاتمة
بالرغم من العوائق الكثيرة التي منها ما ذكرنا ومنها ما لم يسعفنا المجال لذكرها، فإنّ الأمور في المنطقة لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الثّورة مهما تآمر أعداء الدّاخل والخارج وحاولوا فرضه بقوّة السّلاح والمال والمغالطات الإعلاميّة. ويكفي ما حقّقته انتفاضات الرّبيع العربي من مكتسبات للوعي الجمعي العربي لعلّ أهمّها تحطيم جدار الخوف والتّردد واللّامبالاة، ورفض التّسلط والتّهميش والتّشبث بالقيم الانسانيّة الخالدة كالحرّية والعدالة. بالإضافة إلى تعريتها لجميع النّخب السّياسيّة وابراز مدى انتهازيّة البعض وضحالة امكانيّات البعض الآخر. 
إنّ ما حدث في عالمنا العربي ليس ثورة فحسب بل هو بداية «انبعاث حضاري جديد للأمّة» وأنّ القادم بالرّغم ممّا حدث خلال هذه السنين السبع والذي يبدو تعثّرا سيكون لفائدة الأمّة التي استأنفت دورها وانطلقت في مخاض - وإن كان عسيرا- سيؤدّي لا محالة إلى تموقعها من جديد ضمن الأمم الفاعلة وليس المفعول بها. 
إنّ الثّورة ليست عملا محدودا في الزّمان والمكان وإنّما هي عمل معقّد من حيث تداخل عناصره وارتباطه بالواقع الجيو- سياسي والاجتماعي وهو أيضا شاقّ ومضنٍ يتطلّب الكثير من التّضحيات والصبر والعمل واليقظة، فلا يمكن حرق مراحل الثّورة أو استعجال قطاف ثمارها وليس من السّهل تحطيم الأغلال التي تكبّل عقول السّواد الأعظم من الشّعوب العربيّة نتيجة ثقافة الاستبداد التي عاشت فيها هذه الشعوب طويلا ومن الصّعب أن يتحقّق تحوّل جذري في العلاقة بين السّلطة والمواطن وتزول الحواجز والمطبّات عن طريق الانعتاق والحريّة بمجرّد تغيير النظام، فالثّورة ليست حراكا شعبيّا ينتهي بمجرد إزالة رأس السّلطة بل هي صراع متواصل وحركة مستمرّة في التّاريخ تتخلّلها أزمات وعوائق قد تعيقها أو تغيّر مسارها لكنّها لا تعطلها وتلك سنّة من سنن الله في الكون.