الإفتتاحية

بقلم
فيصل العش
الإفتتاحية
 تقوم ثقافة الحوار على التسامح والتعايش وهي مفتاح للتخلّص من الخلافات، وركيزة أساسيّة لأي مشروع مجتمعي ديمقراطي وشرط ضروري للسّلام والتقدم الاجتماعي وبواسطتها نستطيع القضاء على التعصب والتمييز والكراهية ونقطع بذلك الطريق أمام الاستبداد والدكتاتوريّة لأنهما لا ينبتان في مجتمع شعاره الحوار والتسامح. لهذا عمل الاستبداد طيلة هيمنته على تدمير ثقافة الحوار وبث ثقافة الاستبداد وغرسها في العقول منذ الصغر عبر جميع الوسائل المتاحة، فلم يترك مجالا من المجالات إلاّ وصبغها بهذه الثقافة، فأفسد بذلك صفاء النّفوس وعطّل آداء العقول وشوّش أجهزة السّمع والبصر فأصبح النّاس يعيشون في حالة من الفوضى والتناحر والضعف والتبعيّة للمستبد.
 إن غياب ثقافة الحوار هي أحد الثمار المرّة للاستبداد، ويتجلّى غياب هذه الثقافة في ما رأيناه بعد الثورة ومازلنا نراه من محاولات فرض كلّ طرف لرأيه على الآخر . فمنهم من يحاول فرض موقفه بحجة «الشرعية الانتخابية» وآخر بحجة «الشرعية الدينيّة» وثالث بحجّة «حداثته وفكره التنويري» وهو ما نراه بالعين المجردة على شاشات التلفاز وفي مجلس الشّعب وفي الطّريق العام وفي المساجد والصّحف والإذاعات وصفحات التّواصل الاجتماعي... ويعتمد الجميع سلاح التشويش ومحاولة طمس الحقائق وتحريف الكلم عن مواضعه ورفع الأصوات بكافة أنواع اللّغو حتّى تضيع الحقيقة. ومن مظاهر غياب ثقافة الحوار سعي البعض إلى تخويف النّاس من خطورة الاستماع الى الرّأي الآخر بتعلّة عدائه للثورة تارة أو معاداته للدّين تارة أخرى أو بتعلّة رجعيّته ورفضه للحداثة والتّقدم، مستعملين بدون خجل،ما جادت عليهم قريحتهم من عبارات الاستخفاف والتّهكم وهتك الأعراض.
غدا غياب «ثقافة الحوار» في أوساط العمل السّياسي والاجتماعي والدّيني في تونس، ظاهرة سلبيّة حيث بات إلغاء الآخر ومحاربته عنوان التّعامل بين مكوّنات المجتمع. وقد تفنّنت أطراف عديدة في استغلال وسائل التّواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام لشنّ الحملات على «الأعداء» والتنكيل بهم كأنّهم لا ينتمون إلى هذا الوطن. حتّى أنّ العاقل منّا لم يعد قادرا على متابعة الحوارات التلفزيّة ولا مداولات مجلس الشّعب  ولا حتّى تصفح صفحات الفايس بوك.
ونتيجة الخشية من عودة ثقافة الاستبداد والإيمان بأهمية الحوار في عمليّة «الإصلاح» وبناء مجتمع يسوده السّلم، فإنّنا سعينا جاهدين من خلال منبر«الإصلاح» إلى العمل على ترسيخ ثقافة تبدأ بالإعتراف بوجود الآخر وحقّه في امتلاك رأي مخالف يعبّر عنه بكل حرية، رافعين شعار الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» لعلّنا بذلك نضع لبنة في بناء وطن يتعايش فيه أبناء تونس بمختلف أطيافهم الفكريّة ويتحاورون فيتقاربون ثمّ يتوافقون على خدمة البلاد والعباد. 
«يا أيّها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافّة»