الأولى

بقلم
فيصل العش
التلفزيون ... «المثقف» الجديد
  مقدمة
رأينا في المقال السابق كيف تسببت الثورة الرقميّة والتقنية الهائلة خلال العقدين الأخيرين في تغيير شامل لآليات التواصل والتفاعل بين النّاس وفي وسائل التّثقيف والمثاقفة ممّا أدّى إلى تدمير البنى التّقليديّة وتغيير الآليات التي تتحكّم في العمليّة الثقافيّة حيث أضافت إلى قاموس الثّقافة مفاهيم جديدة وأصبحت مخرجاتها من المكوّنات العضويّة للثّقافة وبديلا عن بعضها.
ورأينا نتيجة لذلك كيف أصبح المثقف عاجزا عن القيام بدوره التوعوي في المجتمع ولم يعد بالتالي ذلك «العنصر الاجتماعي» المهمّ الذي يمتلك المعرفة وينشرها بين النّاس كيف ما شاء عبر الصّحف أو من خلال الكتب، لا ينافسه في ذلك إلاّ السياسي صاحب السّلطة الذي يمتلك القرار والقدرة على تنفيذه. لقد غيّرت الثورة الرقميّة كلّ شيء وتغيّرت معها موازين القوى ونظام إنتاج وتوزيع الثقافة. فبابتكارها وإنشائها للنظم المعلوماتيّة الواسعة وشبكة الانترنات الرّهيبة أصبحت المعلومة في متناول الجميع ولم يعد الباحث عنها في حاجة إلى الالتجاء إلى المثقف لكي يحصل عليها. وبالتالي لم تعد المعرفة إنتاجا وامتلاكا وابداعا حكرا على النخبة.
ولقد خصصنا الجزء الكبير من المقال السابق للحديث عن «الصورة» باعتبارها من أهمّ مخرجات الثورة الرقميّة وتطرقنا إلى تأثيراتها في المجال الثقافي ومدى حضورها ضمن عناصر ثقافة العولمة من جهة والثّقافة العربيّة الإسلاميّة من جهة أخرى وإلى علاقة المثقّف العربي بها وكيفيّة الاستفادة منها في التّخطيط للإصلاح الثّقافي المنشود.ونخصّص هذا المقال للحديث عن النّظام الإعلامي السمعي البصري بوصفه أحد مخرجات الثورة الرقميّة والتكنولوجيّة وعلاقة المثقف العربيّ به. 
النّظام الإعلامي السمعي البصري هو نظام معقّد لم يحدث فجأة وإنّما عبر تراكمات تقنيّة وفنيّة متعدّدة وقد شهد في السّنوات الأخيرة تطورات سريعة مذهلة نتيجة مساهمات التكنولوجيّات الرقميّة الحديثة ممّا أدّى إلى تضخّم دوره وأصبح يؤثّر بشكل واضح في مختلف جوانب حياة البشر بجميع أصنافهم وأوطانهم. لقد انتج هذا النظام ثقافة جديدة هي ثقافة «الميلتيميديا» التي ترتكز أساسا على المزج بين الصورة والصوت والمؤثرات التقنيّة. واعتمد وسائل جديدة للتأثير في البشر لعلّ أهمّها التلفزيون.
 التلفزيون «المثقف» الجديد 
منذ ظهور «الصورة» المتحركة كوسيلة للتعبير في السينما أولا ثمّ في التلفزيون، ومع انتشار البث التلفزيوني الفضائي التناظري ثمّ الرقمي وانتشار الحواسيب والهواتف المحمولة، لم تعد السوق الثقافيّة تطلب المادّة المكتوبة بالقدر الذي تطلب به المادّة السمعيّة البصريّة. وقد جعل هذا التغيير الوسائط السمعية البصريّة وخاصّة القنوات التلفزيّة تتحكّم في جزء كبير من العمليّة الثقافيّة إذ تؤثّر كيفما تشاء وتتدخّل في تشكيل الذهنية والحالة النفسية التي ترسم الواقع والمستقبل للمتلقي والمشاهد. 
أصبح التلفاز الفاعل الثقافي الرئيسي حيث فرض نفسه في كل مكان ودخل على الناس في بيوتهم التي كانت فيما مضى قلعة مغلقة يتربّى فيها الأبناء بعيدا عن المؤثرات الخارجيّة. لقد حوّل التلفاز هذه المؤثرات إلى جزء من البيت ولم تعد بذلك العائلة مقياسا اجتماعيّا وتربويّا. كان التلفاز في بداياته خيارا ولكنّه أصبح اليوم ضرورة حتميّة لا سبيل إلى الاستغناء عنها، فمن النادر أن تجد بيتا بدون تلفاز حتّى وإن كان على شكل كوخ من القشّ أو الطوب.
جاء التلفزيون ليقرّر إذن مرحلة جديدة في الثقافة البشرية تتغيّر فيها الوسائل والرسائل حيث تفوّقت الصّورة التلفزيّة على كل الوسائل الأخرى لتقلب بعد ذلك معادلات الذوق والمضمون وتتحول معها صيغ الإرسال والاستقبال. وبتعاضدها مع مبتكرات الموضة والتجميل تحقّقت منظومة التأثير الحديث بصيغه الخاصّة حتى زال معها شرط الصوت في الغناء مثلا وحلّ شكل الوجه والجسم محلّ أي شرط آخر(1).
«إنّ شدّة التغيير في الوسيلة لابدّ أن تتبعها شدّة مماثلة في تغيير الرّسالة نفسها وفي تغيير شروط الاستقبال (...) وهو تغيير ستتغيّر معه قوى التأثير الاجتماعية وسيتغيّر قادة الفكر تبعا لذلك.»(2).
كما تسببت «الثقافة السمعية البصرية» في تحقيق ثورة «طبقيّة» داخل النسيج الثقافي حيث فتحت مجالا تعبيريّا عريضا لفئات بشريّة واسعة لكي تفصح عن نفسها وهو ما لم يحدث من قبل حيث كانت «ثقافة المكتوب» تسمح للمثقف احتكار حقوق التعبير باعتباره قادرا - عكس غيره - على الكتابة.
 التلفزيون يبنى ويهدّم 
للوسائل السمعيّة البصرية وعلى رأسها التلفزيون سحر نافذ وهي مثلما تبني فإنّها تهدّم.
أ) فكاميرا التلفزيون التي صنعت الطغاة والمستكبرين وقوى الهيمنة هي نفسها التي حطّمت شخصية الطاغية وألّبت الرأي العام على قوى الاستكبار بالتقاطها وبثّها للصورة المضادة التي تعرّي وتكشف عنف هذه القوى وممارساتها اللاإنسانية وتنقل للعالم ثورة الشعوب ونهاية الطغاة. فبقدر ما تكون صور التلفزة لازمة إستبداديّة وأداة هيمنة بقدر ما تتحوّل إلى أداة فضح وثورة. لهذا نلاحظ أنه بقدر استغلال قوى الاستبداد والهيمنة لمخرجات التلفزة ودعمها إذا ما خدمتها بقدر خشيتها منها ومحاربتها عندما تتحوّل في يد مناوئيها ويكفي أن نستدل هنا بما فعلته أمريكا عند غزوها للعراق وما فعله الكيان الصهيوني أثناء عدوانه على غزّة. فهاتان القوتان الاستكباريتان لم تمنعا الكتب والصحف المناهضة لسياساتيهما ولكنهما منعتا المحطات التلفزية من العمل (3) وحاصرتا المصوّرين والمراسلين التلفزيين وتعمّدت قتل بعضهم(4) 
ب) وظيفة الترفيه والتسلية من الوظائف الأساسيّة للتلفزيون وهي وظيفة بناء لأنّ الانسان في حاجة إلى الاستمتاع والتخلّص من الملل. وقد وفّق التلفزيون في إشباع هذه الحاجات الإنسانية عبر برامج لاقت إستحسان المشاهدين. لكن مع ازدهار الاتجاه التجاري في صناعة التلفزيون وتعزّز عدد القنوات الفضائية التجاريّة المرتبطة بأصحاب الإعلانات الباحثين عن أكبر نسبة مشاهدة وعن مضمون إعلامي يدعم القيم الاستهلاكية، اتجه أغلب هذه القنوات إلى التسطيح والهشاشة وتكريس النزعة الاستهلاكية وتزاحمت لتقديم مادّة مثيرة خارجة عن المألوف لكنّها في أغلب الأحيان هابطة وسلبية ممّا أدى إلى اختراق قيم المجتمعات، وذبح أخلاقيات مهنة الإعلام، وانتهاك معاييرها مع التّجاهل التّام للمسؤولية الاجتماعية للتلفزيون وهنا تتجسّد وظيفة الهدم فيه.
ج) بقدر مساهمة بعض مؤسسات التلفزيون في رداءة الذوق العام ونشر الميوعة والفساد الأخلاقي بقدر مساهمة مؤسّسات تلفزيونية أخرى في بناء الذّات وتثقيفها. ولهذا نرى العديد من القنوات الجادّة تستفيد من الإنتاج العلمي في المجالات المختلفة وتعيد تقديمه بشكل سمعي بصري والنتيجة خلق نظرة جديدة لوعي الإنسان بالأشياء(5). 
التلفزيون في العالم العربي 
ما يمّيز العالم العربي استنساخه المشوّه لكل ما ينتجه الغرب وهذه طبيعة كلّ مجتمع تابع، فبالرغم من كثرة القنوات التلفزيّة الفضائيّة العربيّة فإنّ أغلبها توظف لشيئين، نشر ثقافة سطحيّة وانتاجات فنّية هابطة ومائعة، أونشر فكر متزمّت متطرّف وكلاهما يخدم مصالح قوى الهيمنة العالميّة ويجعل مجتمعاتنا العربية تنقسم إلى اتجاهين متناقضين تحكمهما الصراعات والحروب وهو ما يقدم فرصة سانحة للآخر لإحكام السيطرة على مقوماتنا وقدراتنا أو ما تبقى منها.
إنّ المتتبع لتاريخ التلفزيون في العالم العربي يكتشف مدى استغلاله من طرف الأنظمة لتسويق صورة «الزعيم» ومحاربة كل نفس معارض من جهة ونشر ثقافة سطحيّة وموجّهة من جهة أخرى.
فقد حلّت «كاميرا التلفزيون» محلّ القصيدة في صناعة الطاغية إعلاميّا وتسويقه بالصورة التي يحددها هو وتحقق له نزواته في المجد والعظمة.   كما تعتمد الكاميرا لتزييف الواقع فتظهر ما هو جميل فيه وإنّ قلّ وتخفي ما هو سلبي وإن كثر. 
وبعد انتشار البثّ التلفزي عبر الأقمار الاصطناعيّة تطورت شبكات التلفزيون غير الرسميّة وانتشرت  في المجال السمعي البصري العربي كما تنتشر النار في الهشيم بالرغم من محاولات الأنظمة منع ذلك عبر اصدار القوانين المنظمة أو المانعة لوسائل التقاط تلك القنوات(6). غير أنّ أغلب تلك القنوات كانت إمّا صنيعة بعض الأنظمة لتشويه خصومها من الأنظمة العربيّة الأخرى فكانت أداة لإذكاء الصراع بين العرب أنفسهم. أو تجاريّة ربحيّة والمعروف أن المنطق التجاري يفرض على القنوات التلفزية تقديم برامج ذات محتوى معيّن بطرق معيّنة تضمن أكبر عدد ممكن من المشاهدين والنتيجة إثارة بلا محتوى، وعري بلا حياء وأخلاقية بلا أخلاق.
حيرة المثقف العربي 
 يقف المثقفون العرب في حيرة من الثقافة السمعية البصرية أو الثقافة التلفزيونية تحديدا. ثمّة موقف رافض لهذه الثقافة متأصّل لدى جزء منهم. وهؤلاء لا ينكرون انتشارها وشعبيتها، لكنّهم لا يحبّونها ويتجنّبون القرب منها. هم يرون أنفسهم بعيدين عن صنعة التلفزيون وهو بالنسبة إليهم لا يخرج عن كونه إعلاما وترفيها وبالتالي لا مكان للفكر والثقافة فيه وبهذه الطريقة فقدوا كلّ إشعاع جماهيري وانحصر إشعاعهم في الجانب الأكاديمي أو عند نخبة صغيرة مازالت تعتبر الكتاب الوسيط الأوحد للتثقيف. وهناك ثلّة أخرى من المثقفين حاولوا الانخراط في النظام الإعلامي السمعي البصري لكنّهم فشلوا لأنهم حاولوا استغلال هذه الوسائل والوسائط بعقلية قديمة لم تستوعب خصائص وشروط هذا النظام، إذ نرى العديد من وسائل الاعلام عندنا مازالت تقدّم برامج حوارية فكرية أو علميّة يكون فيها الكلام أكثر من الصورة وهي برامج فاشلة جماهيريا ولا أمل في أن تحقق أهدافها.
هناك صنف آخر من المثقفين يتمسّحون بأعتاب القنوات التلفزيّة ليظهروا في برامجها أو يستجيبون بسرعة إلى دعوات معدّي البرامج التنشيطيّة والنتيجة الإساءة إلى وضعهم كمثقفين لأنّهم حينما يتمّ استدعاؤهم إلى حصّة تلفزيونيّة، فليس الغرض أن يقولوا ما يريدون، بل أن يؤدّوا دورا ما، يحدّده المنتج والمقدم، ويكونون بذلك عرضة إلى مقاطعات مستفزّة من المنشّط لا تسمح لهم بإبلاغ ما يريدون تبليغه للمشاهد. 
التحدّي 
في عالم مثل عالمنا يتحكّم فيه نظام إعلامي سمعي بصري جعل التلفزيون في صدارة وسائل التثقيف ورمى بالكتاب والمجلّة إلى خلفيّة المشهد، فإنّ المثقف الذي لا يتمكّن من إنتاج صور ثقافيّة جديدة بالاعتماد على الآليات والوسائل الجديدة لن يكون بمقدوره إيجاد موقع له في ساحة الفعل والتواصل.
لم يعد منطق المثقفين القديم ولا آليات فعلهم كافيا للمواجهة ولتمثيل الذّات والمحافظة على كيانها ولم يعد مبدأ التحصّن كاف لآداء دور حضاري وتحقيق موقع متقدّم إنسانيّا. وما نسمعه من أصوات لنفر من هؤلاء المثقفين تطالب بوضع القيود على الوسائط الجديدة والحدّ ممّا توفّر من منتوج سمعي بصري بتعلّة المحافظة على الأخلاق وحماية الجيل الجديد من الغزو الثقافي ما هو إلاّ إعلان عن فشل هؤلاء بالإضافة إلى أنّ ذلك يتعارض تماما مع وظيفة النخبة الثقافية تحديدا. 
إن المثقفين الذين يتمسّكون بتقاليدهم في العمل الثقافي وبأدوات فعلهم القديمة المتمثّلة في الكتابة والخطابة ويرفضون ولوج عالم الثقافة السمعية البصرية ويتعاملون باحتشام شديد مع النظم المعلوماتيّة المتطورة وشبكات الانترنات والتواصل الاجتماعي سيخسرون حتما مواقعهم في المجتمع ويتحوّلون إلى «تراث ثقافي». 
لقد أفقدت التطورات المذهلة في النظام الاعلامي السمعي البصري المثقفين سلطتهم وأدخلت دورهم ووظيفتهم الاجتماعيّة إلى قاعة الانعاش في انتظار الإعلان النهائي على وفاتهما وزوالهما.
يقول الدكتور عبدالإله بلقزيز: «ماذا يستطيع المثقفون أن يفعلوا اليوم  أمام الزلزال الذي ضرب أركان ممالكهم غير أن يعيدوا قراءة وظيفتهم من جديد، غير أن يتساءلوا عما تبقى لهم من دور اجتماعي وتاريخي ... والأهم في الموضوع أن يتقنوا طرح الأسئلة الحقيقية على أنفسهم وممارسة الاعتراف بأخطائهم والقطع مع أوهامها توصّلا الى بناء دور جديد» (7)
إنّ امتلاك المعرفة الدقيقة لآليات ووسائل النظام السمعي البصري، ليس من باب الاستهلاك فحسب بل من باب الابداع والخلق أيضا، هو إحدى أدوات بناء الدور الجديد للمثقف وهو وحده القادر على  فرض الذّات ودحر محاولات التدجين الثقافي التي تمارسها القوى المهيمنة على هذا النظام.
المثقفون الذين سيتمكنون من انتاج ثقافة جديدة بصيغة جديدة مدعومة بقدرات معرفية وابداعيّة في المجال السمعي البصري سيكون باستطاعتهم إيصال أفكارهم إلى أبناء أمّتهم ونشر القيم التي تميّز مخزونها الثقافي مع مقاومة الرداءة والسذاجة التي تسعى ثقافة العولمة الاستهلاكيّة لفرضها على الجميع.   
الخاتمة  
المشهد الثقافي العربي ليس قاتما لدرجة الاستسلام والاعتراف بالهزيمة وانتظار الفناء وليس الهدف من المقال تعميم الصورة السلبية عن علاقة المثقف العربي بوسائط التثقيف الحديثة فهناك من المثقفين من استوعب الدّرس وعرف أنه لا بدّ من تغيير حصان المعركة فقاموا بمحاولات عديدة في الاتجاه الصحيح خاصّة اؤلئك الشباب الذين نشؤوا منذ صغرهم مع وسائل النظام السمعي البصري وتعوّدوا على الأجهزة التي تحملها وتعاملوا معها. لكن «خيوطا مبعثرة هنا وهناك لا تصنع شبكة» وكذلك فإن مبادرات بعض المثقفين من هنا وهناك لا تستطيع أن تغيّر في الواقع الكثير، فالمبادرات الفرديّة لا تصنع مشروعا متكاملا للإصلاح قادرا على الصمود أمام الغزو العنيف لثقافة لا تهدف إلى أنسنة الإنسان وإنّما إلى تكريس تبعيّته وترسيخ ثقافة التقليد الأعمى فيه.
إنّ المثقفين الذين يأملون إنجاز إصلاح ثقافي لتجاوز واقع التخلّف الذي ترزح تحته الأمّة منذ أمد بعيد والذّين استوعبوا الدّرس جيّدا وحاولوا ركوب قطار التكنولوجيا الحديثة وهو يسير، مهما صغر عددهم أو تواضع دورهم مطالبون بتوحيد الجهود ضمن استراتيجيّة واحدة وأهداف واضحة ولا يتمّ لهم ذلك إلاّ إذا آمنوا بالعمل المؤسّساتي، فهم في حاجة ماسّة إلى التكتّل وغرس الثقافة المؤسّساتيّة في كلّ منشط أو تحرّك في هذا الاتجاه أو ذاك. 
ولعلّه مِنْ نافِلة القول أنّ الثورة الرقميّة الهائلة والتطوّرات المتتالية في ميدان التكنولوجيا وفي مختلف الميادين الأخرى من المستحيل فهمها واستيعابها خارج العمل المؤسّساتي الذي بإمكانه نتيجة طبيعته جمع الطّاقات والكفاءات وتنظيم أنشطتها ضمن ديناميكيّة متواصلة لفهم التطورات الحاصلة والاستفادة منها والمساهمة الفعالة فيها لننتقل من واقع الاتباع إلى واقع الإبداع.
فهل يقدر هؤلاء على تحقيق شيء من ذلك في مجتمع تنعدم فيه تقاليد العمل المؤسساتي؟
للحديث بقيّة
الهوامش  
(1) انظر ما فعلته الفنانات في أجسادهن من إجراء عمليات تجميل حتى تكون بالشكل المطلوب لتعديل أشكال الوجه والجسد لخلق شكل نموذجي يتطلبه سوق الفن
(2) الثقافة التلفزيونية سقوط النخبة وبروز الشعبي - د.عبدالله الغذامي - المركز الثقافي العربي الطبعة الثانية 2005 -  ص 25  .
(3) نذكّر بمنع القوات الامريكيّة أثناء غزوها للعراق قناة العربيّة من العمل هناك وجرى حبس مصور قناة الجزيرة في بغداد في العديد من المرات.
(4) نذكّر بقتل الصحفي الفرنسي المعروف (باتريك بورا) من القناة الأولى سنة 2003 ونذكّر باستشهاد 17 صحفيًا وإصابة 19 آخرين، من بينهم صحفيان من قناة الأقصى والرّسالة، فضلا عن تدمير 11 مؤسّسة إعلامية في العدوان الإسرائيلي سنة 2014.
(5) نذكر على سبيل المثال ما تقدّمه قناة ناشيونال جيوغرافيك أو الجزيرة الوثائقيّة من برامج تصوّر العالم المحيط بنا. فتساهم في إيصال المعلومة للإنسان حتّى وإن كان لا يعرف القراءة فهو على سبيل المثال غير مطالب لقراءة كتب عن الحيوانات في أذغال إفريقا لأن مختلف المعلومات العامّة والدقيقة ستصله من خلال برنامج تلفزي يطارد تلك الحيوانات بكاميرا عالية الدقة وبمايكروفونات تلتقط أضعف الأصوات.
(6) نذكر على سبيل المثال ما فعله نظام بن علي في التسعينات من اصدار قوانين حول أطباق التقاط الشبكات التلفزيّة عبر الأقمار الاصطناعيّة.
(7) عبد الإله بلقزيز - نهاية الدّاعية - الممكن الممتنع في أدوار المثقفين - الشبكة العربية للأبحاث والنشر - ط.2 بيروت 2010 - ص 119.