الأولى

بقلم
فيصل العش
الصورة والأمن الثقافي
 مقدّمة 
يعتبر «الأمن الثّقافي» من أعظم التّحدّيات التي تعترض المرابطين في الحقل الثّقافي، الطّامحين إلى التّغيير والإصلاح ولهذا أطلقنا عليه في مقال سابق مصطلح «أمّ التحدّيات». ونقصد بالأمن الثّقافي حماية «الثّقافة» من مخاطر الاستباحة الخارجيّة التي تهدف فرض ثقافة معولمة لا تعترف بالخصوصيات وتحويل المجتمع إلى سوق استهلاكيّة لمختلف البضائع والمنتوجات الغربيّة بما في ذلك الفكريّة والثّقافيّة. 
لقد فرضت العولمة نفسها بفضل استفادتها الكبيرة من الثّورة الرقميّة الهائلة والتّطور التكنولوجي من ناحية وبفضل هشاشة القدرة الدّفاعية الثّقافية والعلميّة لمجتمعاتنا العربيّة ونخبها من ناحية أخرى، فاستطاعت في وقت وجيز أن تغيّر معالم هذه المجتمعات وتهيمن عليها ثقافيّا لتصبح مظاهرها الثّقافية والفكريّة منمّطة تنصبّ جميعها في قالب «الاستهلاكي» وتتّجه نحو التّبعيّة والتّطبيع مع منظومة قيم تتعارض بشكل صارخ مع تقاليدها ومورثاتها وعقيدتها. وهي بذلك تحقّق هدفها في انهيارالخصوصيّة الثّقافية الإسلاميّة لمجتمعاتنا الذي باتت تجلياته ملموسة بشكل واضح في أوساط الجيل الجديد وخاصّة الشّباب منه.
إن إدراك المثقّف لتحدّيات العولمة وقدرتــه على التّمييز بين جوانبها السلبيّــة والايجابيّة وعدم ابتعاده عن محور التّأثر والتّأثير المتبادل معها، سيحدّد موقعه ومصيره وبالتّالي نجاحه من عدمه في مهامه المتعلّقة بالإصلاح وتحقيق الأمن الثّقافي بالرّغم من أنّ الطّفرة التكنولوجيّة التي يعيشها العالم قد قلّصت من دوره التّوعـوي الرّيادي المباشر الذي كان يمارسه في مجتمعه بصفته الصانــع الوحيد للأفكار ومالكها.
وليس بالإمكان مقارعة تيار العولمة الجارف إلآّ إذا امتلك المثقّف ما يكفي من الأسلحة التي تجعله قادرا على المقاومة والصّمود وفي مرحلة متقدّمة على فرض أسلوبه وأفكاره. ومن بين هذه الأسلحة إلمامه بما يحدث حوله في العالم وامتلاكه ومعرفته الدّقيقة للمعطيات والمفاهيم المستجدّة في المرحلة الرّاهنة. ولن يتحقّق ذلك إلاّ بتحكّمه في نفس الوسائل التي تستخدمها الرّأسمالية العالميّة لبلوغ أهدافها من ناحية فهمها واستغلالها على الوجه الأفضل. ونعني بها الثّورة الرّقميّة وما نتج عنها من تطوّر مذهل في وسائل الاتّصال والإعلام.
فهل بمقدور المثقّف أن يلعب هذا الدّور البطولي في مقارعة العولمة؟ وهل يمتلك الأسلحة المناسبة لتحقيق ذلك؟ وإلى أيّ حدّ يستطيع المثقّف العربي أن يستفيد من الطّفرة التّكنولوجيّة والعلميّة التي يشهدها العالم؟ أمّ أنّه سيجبر على الخروج من دائرة الفعل ليبقى إمّا تابعا أو مدّعيا الممانعة لتيار العولمة الجارف؟
لقد أفسحت الثّورة الرّقميّة المجال لتغيير آليات التّواصل والتّفاعل بين البشر ممّا أحدث نقلة نوعيّة في الوعي والمعرفة لدى النّخب وسائر شرائح المجتمع، ومن ثمّ التّأثير في البنى الثّقافيّة للشّعوب وفي مختلف مجالات الحياة لديها. فقد نجحت هذه الثّورة من خلال مخرجاتها في هدم التّصورات القديمة لدى المثقّفين، وتدمير عالمهم الكلاسيكي المحافظ. ولم تعد وسائل وأدوات الاتّصال والتّأثير التّقليدية تملك نفس الزّخم التّفاعلي الذي كانت تملكه قبل قرن من الزّمن، وهو ما يؤكّد أن وسائل التّثقيف والمثافقة قد تغيّرت وتغيّرت معها الآليات التي تتحكّم في العمليّة الثقافيّة حيث أصبحت مخرجات الثّورة الرّقمية من المكوّنات العضويّة للثّقافة وبديلا عن بعضها. فقد أضافت التّكنولوجيات المتطوّرة إلى قاموس الثّقافة مفاهيم جديدة وأثّرت بقوّة على الصّور الثقافية كاللّغة والتّواصل الشّفاهي والأدب والشّعر والفنّ التّشكيلي والموسيقى والمسرح والسّينما.
سنحاول تباعا تسليط الأضواء على أهمّ مخرجات هذا العصر الرّقمي لنبيّن مدى حضورها ضمن عناصر ثقافة العولمة من جهة والثّقافة العربيّة الإسلاميّة من جهة أخرى ونبحث في علاقة المثقّف العربي بها وكيفيّة الاستفادة منها في التّخطيط للإصلاح الثّقافي المنشود. وستكون البداية مع «الصّورة» إحدى أبرز هذه المخرجات (1).
ثقافة الصّورة 
تؤكّد الشّواهد التّاريخية أنّ «ثقافة الصّورة» متجذّرة في تاريخ البشر، حيث لجأ الإنسان القديم من خلال الرّسم على جدران الكهوف وعلى جلود الحيوانات للتّعبير عن أفكاره وتأريخ حياته ونمط عيشه وتقاليده وطقوس عبادته وعلاقاته بمحيطه. وقد تطوّرت «ثقافة الصّورة» مع تطوّر المجتمعات الإنسانيّة وتمدّنها ونالت فيها المكانة والاهتمام حتّى أصبحت من أبرز الوسائل تأثيرا في البشريّة. 
وتستمدّ الصّورة هذا التأثير من كونها تخاطب أبرز حواس الإنسان وهي «البصر»(2) وهي أكثر قدرة على الإقناع والاستحواذ على الانتباه وملامسة المشاعر والأحاسيس والأفكار وترجمتها.
شهدت «ثقافة الصّورة» تحوّلات جذريّة عديدة  كلّما تغيّر شكل الصّورة وتطوّرت تقنيات إنتاجها. فبعد أن كانت في بداياتها محدودة الهدف تنقل الواقع كما هو، وكان مجال تأثيرها ضيّق، لا يملكها أو يتعامل معها سوى الفنّان المنتج أو الغنيّ القادر على اقتنائها حيث تمثّل عملاً فريدًا لا يمكن تزييفه أو تغييره، أصبحت بفضل آلات التّصوير والطّباعة أكثر جماهريّة نتيجة إمكانيّة نسخها. ثمّ ازدادت أهمّيتها وتوسّع مجال تأثيرها مع ظهور السّنيما وصناعة الكاميرا لتتحوّل الصّورة من الجمود إلى الحركة وتضيف للثّقافة البصريّة بعدا جديدا. ومع التّكنولوجيا الرّقميّة حصلت طفرة هائلة في عالم إنتاج الصّورة وتوزيعها وتوظيفها، فبفضل اعتمادها على اللّغة الرّقميّة ازدادت جودتها وقدرتها على التّشكّل بسهولة في بيئات ووسائط إعلاميّة متعدّدة، وأصبحت بذلك صناعة كاملة وازدادت أهمّيتها وسطوتها على المتلقّي لما لها من وظائف إعلاميّة وتثقيفيّة وتربويّة وأصبحت لغة في حدّ ذاتها معبّرة بنفسهـــا وأداة اتّصــال وتواصـــل لا مثيـــل لهـــا، بل أصبحت تحكم حيــــاة الإنسان بالكامـــــل فتؤثـــر في سلوكه وعواطفه ومعتقداته ونمط عيشه.
 لقد أضحت الصّورة اليوم مقوما أساسيّا لكلّ المجتمعات المعاصرة، فهي أداة أساسيّة في الإعلام والاتّصال والعلوم حيث تستخدم لشرح النّظريات العلميّة وتساعد على استيعابها وتوفّر لمنتجها ومستعملها أبعادا جديدة في رؤيته لما يحيط به (3) 
الصّورة في خدمة صانعها  
إذا كان الهدف النّبيل من كلّ اختراع هو إسعاد النّاس وتحقيق رفاهيتهم، فإنّ الاستفادة منه وتسخيره لتحقيق مآرب أخرى أمر مؤكّد لا ريب. ولأنّ الذي يصنع التّقنية يتحكّم فيها، فقد استغلّ الغرب «الصّورة» بشكل ملفت للنّظر في التّسويق لثقافته وفرضها على المجتمعات الضعيفة والمتخلّفة واعتمد على التّكنولوجيّات الحديثة ليدخل على الصّورة ما شاء من تغييرات حتّى تكون له عونا في هيمنته وأداة لتغطية وحشيته وسطوته على الآخرين:
- استخدمت الصّورة كأداة لصنع الرّأي العام وكسب تعاطفه أو نقمته حسب الحاجة واعتمدت لتشويه الخصوم وخلق الحجّة لإعلان الحرب عليه أو محاصرته اقتصاديّا وسياسيّا (4). 
- اعتمدت لبثّ الإشاعات عند وقوع المعارك ونشر المعلومات المغلوطة لتخويف العدوّ وإظهار القوّة أوالتّغطية على جرائمه الحربيّة.
- استخدمت الصّورة بشكل مكثّف لتزييف الوعي وإخفاء الحقيقة، عبر الإعلاء من قيمة السّطحي والمؤقّت والعابر على حساب الحقيقي والجوهري، ممّا ساهم في تحويل الإنسان إلى كائن سلبي.
- اعتمدت الصورة لزيادة هيمنة ثقافة المظهر والشّكل والإبهار على حساب ثقافة الجوهر والقيمة والعمق، وخلق ما يعرف بثقافة التّكرار، والتّركيز على التّرفيه والمتعة، وتعميق الصّور النّمطية.
-اعتماد الصّورة لصناعة وتقديم واقع مشروط باعتبارات أيديولوجيّة وسياسيّة واقتصاديّة معينة. حيث تتمّ عملية انتقاء واختيار مكوّنات هذا الواقع بدقّة ومهارة من المنظور الغربي، ولخدمة مصالحه. بطريقة تنقل صورة إيجابيّة عن حضارته وعن طرق عيش الانسان الغربي في مقابل ترسيخ صورة جدّ سلبيّة عن طرق وظروف عيش العرب والمسلمين وغيرهم ومن ثمّ استخدام كلّ الوسائل لدفع المتلقّي عبر التّدفق البصري الغزير والمتنوّع والجذّاب للاستغراق في الواقع «المصنوع» والتّماهي مع قيمه. 
الصّورة في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة 
إذا كان الغرب الرّأسمالي قد نجح في استثمار الصّورة كحامل مؤثّر لنشر ثقافته وعولمتها، فما مدى حضور«الصّورة» في الثّقافة العربيّة الاسلاميّة وأيّة علاقة تربطها بالمثقّف العربي وأيّ فوائد يمكن أن يجنيها من هذه العلاقة؟
كانت الثّقافة العربيّة في الجاهليّة شفويّة، تعتمد على جهاز «الأذن» وعلى حاسّة «السّمع»، وكانت بالأساس ثقافة شعريّة وبلاغيّة فجاء الإسلام ليعيد الإعتبار لحاسّة «البصر»،ولجهاز«العين» ويقوم بنقلة حضاريّة هامّة في «الحواس» لصالح «العيـن»، وبالتالي لصالح «الصّورة» ولصالح «الثّقافة البصرية»  قياسا الى تلك الثّقافة الشّفاهيّة – السّمعيّة التي كانت سائدة في الجاهليّة (5) ولهذا لم يكن هناك تنافر أو تضارب بين «الصّورة» في شكلها الأول (الرّسم) والثّقافة الإسلاميّة منذ العهد الأمويّ إلى سقوط الخلافة ودخول العالم الإسلامي في ظلمة التّخلف والتّبعيّة. 
وقد تطوّر مفهوم «الصّـورة» في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة الجديدة، مع انتشار الإسلام وتوسّعه الجغرافي حيث لم يفرض على الشّعوب غير العربيّة التّخلّي عن ذاكرتها التّصويريّة عند دخولها الإسلام، فكان تكييفها لهذه الذّاكرة مع مقتضياته كدين(6) إثراءا لثقافة الصّورة في الحضارة العربيّة الإسلاميّة. ولهذا تطوّر «التّصوير» وبرزت «الصّورة» في المدن والحواضر الإسلاميّة غير العربيّة (7). ولعلّ «النّمنمات» تلك الرّسوم والأشكال التّصويرية الدّقيقة التي عكف المسلمون على الاستعانة بها في تزيين مخطوطاتهم العلميّة والأدبيّة والتي اشتهرت في فترة مبكّرة من تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة، لدليل كاف لتأكيد أهميّة الصّورة وحضورها في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة.(8) 
لكنّ العرب تخلّفوا عن مسايرة تطوّر عالم الصّورة في مراحله كلّها وأعادوا ترتيب الحواس إلى ما كانت عليه في الجاهليّة. فمنذ محاولات ابن الهيثم خلال القرن الحادي عشر ميلادي، وتجاربه مع الغرف المظلمة، لم يقدّم العرب والمسلمون اختراعا بصريّا واحدا، فأجهزة التّصوير الفوتوغرافي والسنيما والتّلفزيون والكمبيوتر وغيرها من الوسائل كلّها نتاجات العقل الغربي. واكتفى العرب والمسلمون بالمتابعة والاقتفاء والاستهلاك حيث لم يختلف تفاعلهم مع الصّورة عن تفاعلهم مع مختلف منتجات العصر الحديث، فكما يستورد العرب الكثير من غذائهم وسلاحهم، فهم يستوردون الصّور بكافة أنواعها وأشكالها.
الصّورة والمثقف العربي 
لا تزال الثّقافة العربيّة ثقافة نصّ، ولا تزال اللّغة والموروث اللّغوي منبع إبداعها ومجال إنتاجها. حيث يكاد يكون الخطاب الثّقافي العربي كلّه خطاباً باللّفظ ولهذا فإنّ تعامل المثقّفين العرب مع الصّورة لم يتجاوز اعتبارها عنصرًا تيبوغرافيًا يستخدم في تصميم وإخراج الصّفحات، ويساعد على جذب الانتباه إلى النّصوص كتبا كانت أو مجلاّت أو صحف. وما نراه من انتاج للصّورة في عالمنا العربي (9) هو في الحقيقة استنساخ قبيح لما ينتج عند الآخرين.
إنّ الأجيال الجديدة التي نشأت وترعرعت في عهد التّلفزيون والحاسوب والشّبكة العنكبوتيّة التي تعتمد الصّورة كأداة أساسيّة للتّعبير، مختلفة عن الأجيال التي نشأت في عهد المطبوع (الكتاب)، أو تلك التي تثقّفت عبر الخطاب أو التّلقين الشّفوي لأنّ توازن الحواس عند الجيل الأول يختلف عمّا هو عليه بالنّسبة للجيل الثّاني. فقد فعلت الصّورة فعلتها في سلوك الإنسان وطريقة استيعابه، ولهذا لم يعد من الممكن القيام بعمليّة التّثقيف المطلوبة في الظّروف الجديدة المحيطة بأدوات أو وسائل الظّروف القديمة(10)
لقد أصبحت ثقافة الصّورة في عصرنا من أهم المجالات التي يجب على المثقّف العربي أن يهتم بها إذا ما أراد عدم التّخلف عن ركب الحضارة ومقارعة الثّقافات الوافدة والتّصدّي لما لا ينفع النّاس. 
إنّ من أهمّ المسائل التي يجب على المثقّف المصلح(11)  الإشتغال بها هو البحث في سبل الارتقاء بثقافة الصّورة ضمن البنية الثّقافيّة للإنسان العربي ولا يمكنه فعل ذلك إلاّ إذا حقّق ما يلي:
- التّحرّر من ثقافـــة نبذ الصّورة باســـم النّص خاصّة وأنّ الفكـــر الدّينـــي المهيمن ثقافيّــــا يحرّم الصّورة والتّصوير، فالسّاحـــة الدّينيّة تعجّ بالفقهاء الذين يعتبـــرون الصـّــورة وما تابعهـــــا رجزا من عمـــــل الشيطان(12). وهذا يتطلّب قراءة عميقة بعيون معاصرة لموروثنـــا الدّيني في هذه المسألة تقوم علــى استحضار فلسفـــة القرآن للحواس ورؤيته للصــّــورة من خـــلال الرّسالة التي تحملهــــا وليس من خلال الصّورة ذاتها. 
- الدّفع نحو ثقافة تركّز على الصّورة بجميع أنواعها، صورة تنتجها بنفسها وتصنعها مستعينة بما توصّل إليه علم النّفس والإجتماع والاتصال مع التّوظيف المتقن للتّكنولوجيات الحديثة، صورة تخاطب الحسّ (العاطفة) والبصر (البصيرة) في آن.  وبهذه الطّريقة يمكن مقارعة الثّقافات الواردة لأنّ ثقافة تعتمد الصّورة لا يمكن مقارعتها بثقافة الكلمة لا غير، فالصورة الواحـدة كما يُقال أبلـــغ من ألف كلمة.
- إبراز الجوانب الإيجابيّة للصّورة والاستفادة منها في تسجيل الأحداث والوقائع، وحفظ التاريخ وأرشفته بشكل مرئي ورقمي، لأنّ حفظ الذّاكرة جزء لا يتجزأ من عمليّة الأمن الثّقافي.
-  العمل على توظيف الصّورة على نحو يجعلها ثوريّة بمعنى مساعدة الإنسان على إدراكه للعالم وإبراز قدراته في البناء والتّصدّي لثقافة الاستحمار والهيمنة وتبضيع الإنسان. فالصّورة يمكن أن تكون أداة للمقاومة والبناء وأداة لأنسنة الإنسان عكس ما يُراد من توظيفها لدى قوى الاستكبار الرّأسمالية. إنّ المثقّف المصلح مطالب بأن يجعل من شيوع الصّورة واستهلاكها على نطاق واسع مقدّمة لتثوير الواقع وذلك عبر مساعدة المتعامل معها للتحوّل من المشاهدة السلبيّة إلى التّفاعل والآداء الإيجابي. إنّ تثقيف المجتمع ورفع قدرته على قراءة الصّورة وما وراء الصّورة بعين واعية من شأنه المساعدة في تحقيق الأمن الثّقافي.
- تشجيع الجيل الجديد على تعلّم فنّ الصّورة والتّخصّص في مجال إبداعها حتّى إذا ما تمكّن منها أصبح قادرا على مضاهاة أمثاله في الغرب والشّرق وإنتاجها بالشّكل الذي يساهم في اعتمادها كأداة للارتقاء بالذّوق العام وتحقيق الإصلاح الثّقافي الذي يحتاج إلى مصورٍ يعكس ثقافة أمّته وأصالتها.
- الدّعوة إلى تمتين العلاقة بالتّكنولوجيّات الحديثة حتّى تتحوّل من علاقة استهلاك إلى علاقة إنتاج وابتكار.
الخاتمة
من المجحف أن ننفي حضور الصّورة في الثّقافة العربيّة الاسلاميّة في وقتنا الحاضر غير أنّ وجودها لا يخرج عن كونه استنساخا مشوّها (وهكذا أريد له) لثقافة الصّورة لدى الغرب. ولهذا فإنّ حضور الصّورة في السّاحة الثّقافيّة العربيّة لم يرتق إلى مستوى الإبداع وبالتّالي فهو تكريس للتّبعيّة وليس مقاومة لها.  
الهوامش
(1) من بين هذه المخرجات «الصّورة» و«التّلفزيون» و«الهواتف الذكيّة» و«الانترنات» وما تابعها من شبكات التّواصل الاجتماعي.
(2) تزوّد حاسّة البصر الإنسان بأكثر من 3/4 من المعارف التي يتحصّل عليها، بينما تتشارك الحواس الأخرى في النّسبة المتبقيّة.
(3) من أنواع الصّور التي تستعمل في العلوم نذكر الخريطة الجغرافيّة الدّقيقة، والمخطّط الهندسي الدّقيق، وصورة القمر الصّناعي الطيفيّة، وصورة المرنان المغناطيسي، والصّورة الطبقيّة المحوريّة، والصّورة الهولوغرافيّة ثلاثيّة الأبعاد. 
(4) نذكر على سبيل المثال استعمال الصّورة في أحداث 11 سبتمبر لجلب عطف الرّأي العام الأمريكي والعالمي واستعمالها كذلك لخلق حجّة إعلان الحرب على العراق.
(5) جاء ذكر «العين»، كوسيلة  للإبصـار، في القرآن الكريم 30 مرّة، مقابل 16 مرّة لذكر«الأذن» ووردت مفردة «البصـر» ومشتقّاتها في القرآن الكريم 140 مرّة .
(6) يحارب الإسلام تحديدا، «الرّمزيّة الدّينية» التي تركّز على فكرة الألوهيّة من خلال «الصّورة»، فالألوهيّة في الإسلام منزّهة عن التّجسـيد. 
(7) كانت فارس قد تولّت ريادة فنّ التّصوير الإسلامي إبان العصر السّلجوقي ونهض نهضة كبيرة في عصر المغول في أواخر القرن السّابع حتّى منتصف القرن الثّامن الهجري.
(8) تعدّ مخطوطة «مقامات الحريري» التي قام الفنّان المسلم «يحيى بن محمود الواسطي» برسمها عام 1237م، والتي تضمّ نحو مائة منمنمة، من روائع التّصوير الإسلامي من جهة تنوّع موضوعاتها، وتعبيرها بواقعيّة ملموسة عن عادات وتقاليد المجتمع الإسلامي في تلك الحقبة من الزّمن.
(9) لا نقصد التّعميم لأنّ هناك بعض المحاولات في اتجاه التّحرر من سلطة ثقافة الصّورة الغربيّة ولكن عصفور واحد لا يصنع الرّبيع كما يقال.
(10) نلاحظ حاليّا أنّ نسبة كبيرة من الأطفال الذين نشؤوا في عهد التّلفاز والحاسوب يتركون المدارس في سنّ مبكرة أو يفشلون في امتلاك مستوى جيّد من التّعليم، والسّبب ليس الظّروف الاقتصاديّة أو الظّروف الاجتماعيّة السيئة، ولكن السّبب هو أن التّلفاز والحاسوب قدّما لهؤلاء ظروفا جديدة لتكييف بصري منخفض Low Visual Orientation واشتراك مرتفع، الأمر الذي يجعل قبولهم لأسلوب التّعليم القديم صعباً (لمزيد من التّوسّع في هذا المجال يمكن مطالعة كتاب «صناعة العقل في عصر الشّاشة» للدّكتور محمد فلحي (كاتب عراقي) - إصدار: دار الثّقافة للنّشر والتّوزيع/عمان2003 وكتاب «مارشال ماكلوهان» أستاذ الإنجليزية بجامعة تورنتو بكندا
The Medium is The Message: An Inventory of Effects (1967)
(11) نذكّر بأنّ مصطلح «المثقّف المصلح» اعتمدناه كتعبير عن المثقّف المطلوب إيجاده ليكون قاطرة التّغيير الثّقافي وهو يشمل كلّ المبدعين في مختلف المجالات التي لها علاقة بالثّقافة ومنتجاتها. 
(12) انظر على سبيل المثال  لا الحصر فتاوى اللّجنة الدّائمة بالسّعودية - المجلد الرّابع عشر ومجموع فتاوى ورسائل الشّيخ محمد صالح العثيمين المجلّد الحادي عشر.