الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد الثالث

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله...

نشكر في بداية  افتتاحية العدد الثالث جميع الأخوة القراء الذين أبلغونا مقترحاتهم وآراءهم حول مضمون المجلّة وشكلها ونعدهم بأخذها بعين الاعتبار في الأعداد القادمة. كما نشكر كل من ساهم  بكتابة  المقالات أو بالتوزيع الالكتروني للمجلة ونشدّ على أياديهم.

وأتوقف عند تعليق أحد القراء الذي استغرب من تسمية المجلة بالإصلاح في حين يعيش الشعب التونسي على وقع الثورة، واقترح من ثمّة تغيير اسم المجلّة حتّى يعبّر عن الواقع المعيش. وأقول لصديقنا أن الشعب التونسي  عاش لحظة ثورية تاريخية أسقط خلالها الطاغية، لكنّ  أحسب أن الثورة لم تكن غاية في حدّ ذاتها،  بل كانت وسيلة لتحقيق هدفه في الكرامة والحرية، وسائر أهداف الثورة التي لن تتحقق إلا عبر عملية إصلاح شامل. وبهذا المعنى فإن الإصلاح ثورة متواصلة تهدف إلى تغيير الباطل بالحق والاستبداد بالحرية وثقافة الخنوع والاستسلام بثقافة المواطنة والاحتجاج عندما يتطلب الأمر احتجاجا قصد تقويم اعوجاج أو من أجل إعادة القاطرة إلى مسارها الصحيح .

 وعندما نتحدث عن الإصلاح في زمن ما بعد سقوط الطاغية فإننا نتحدث عن عملية ثورية متواصلة لا تتوقف عند تأسيس نظام اجتماعي وسياسي وثقافي جديد. ف«المهمة الثورية» الحقيقية هي إعادة بناء مؤسسات الدولة بإصلاحها وفق رؤية تعتبر على سبيل المثال أن إصلاح القضاء وضمان استقلاليته أهم بكثير من المحاكمات العلنية لبعض رموز النظام السابق، و تضع برامج واضحة لإعادة هيكلة وزارة الداخلية وتحويلها من أداة قمعية في يد السلطة إلى أداة توفّر الأمن والاستقرار، و تضع خططاً لتحويل الإعلام العمومى من «مؤسسات» هدفها تلميع صورة الحاكم إلى مؤسسات مستقلة تقدم خدمة عامة للمواطنين. .

 وتعدّ المرحليّة ركناً أساسياً في منهج الإصلاح أثناء عملية مواجهة الواقع السيء، لأن التدرّج والمرحليّة يكفلان بناءً تراكمياً طبيعياً تتدرّج به عملية الإصلاح بالانتقال من خطوةٍ إلى أخرى بشكلٍ يضمن اللاعودة إلى حالة الاستبداد والفساد، ويتم ذلك من خلال عملية هدمٍ وبناءٍ متعاقبين.

ولنجاح عملية الإصلاح، نحن في حاجة خلال هذه المرحلة الانتقالية الحالية إلى  إجراءات ”ثوريّة“ ترفع بها القيود التي تمنع حرية حركة المواطن التونسي وتتيح من خلال حرية التفكير وحرية التعبير وحرية الإعلام، تعدد الخطابات السياسية الزاخرة بالاجتهادات المبدعة، والرؤى المتكاملة التي تهدف لصياغة رؤية إستراتيجية للمجتمع التونسي تضعه على سكّة التنمية العادلة والشاملة والمستدامة.

 وضمن هذا الإطار يتنزل إصدار مجلّة ”الإصلاح“ لتتيح الفرصة لحاملي الفكر الوسطي من سياسيين وثقافيين ومفكرين حتّى يعبّروا عن آرائهم ويطرحوا رؤاهم ويقدّموا مقترحاتهم لإنجاح الفترة الانتقالية التي نعيشها وليضعوا مع بقية التونسيين اللّبنات الأولى في عملية الإصلاح المنشود وتحقيق أهداف الثورة المجيدة.

وأعود لأذكر ان مجلّة ”الإصلاح“ لا تتحدث باسم حزب سياسي وإنما تحاول أن تكون منبرا لبلورة الأفكار الوسطيّة وحاضنة لها. وهي لا تدّعي امتلاك الحقيقة بل تبحث عنها من خلال الحوار وتبادل الآراء، هدفها الأساسي المساهمة في الإصلاح ..

إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت... وما توفيقي إلاّ بالله“