الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد الثالث والعشرين

بسم الله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى

 

يصدر العدد 23 من مجلة الإصلاح  بعد يومين من اغتيال الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ”شكري بلعيد“ في سابقة هي الأخطر من نوعها في الحياة السياسية التونسية منذ إسقاط بن علي  وهو حدث جلل لا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام لما يحمله من دلالات ومؤشرات تجعل ثورة التونسيين في نفق مظلم وتدعو الجميع إلى البحث في عمقها لتجاوز مرحلة الخطر قبل أن تتوسع دائرة الإرهاب والعنف وتأتي على الأخضر واليابس وتفتح باب الموت على مصراعيه .

إن الاغتيال لا علاقة له بالعمل الثوري لأنه لا يؤسس إلا لثقافة الموت. وما  حصل للمناضل شكري بلعيد ، وإن اختلفنا مع أطروحاته الفكرية والإيديولوجية ومنهجه في التعامل السياسي، جريمة مرفوضة ومدانة بجميع المقاييس. فمهما كان مستوى الخصومـة السياسيــــة والإيديولوجيــــة بين الأطـــراف السياسية في تونس، فلا يجب أن تصل إلى القتل والاغتيال. لأن القتل والاغتيال لن يكونا إلا لصالح أعداء الشعب والمتربصين بثورته. 

لم تستهدف هذه العملية ”شكري بلعيد“ كشخصية سياسية معارضة بل استهدفت تونس وثورتها .إنها جريمة نكراء تريد أن تفتكّ من التونسيين حلمهم بغد أفضل عماده الحرية والتعايش السلمي وتأخذ البلاد إلى المجهول .. إنها تستهدف الاستقرار الذي بدونه لا يمكن للديمقراطية الناشئة أن تنمو وتصلب عودها. إنها خدمة جليلة تقدّم لدعاة الردّة الذين يعملون ليلا نهارا على إعادة تونس إلى مربع الهيمنة والاستعمار وكل القوى المتربصة بالثورة التي تريد أن تسترجع أمجادها عبر بوابة فشل الحكومة الشرعية والتبكّي على عهد المخلوع.

من قتل بلعيد بتلك الدقّة والجرأة لا يمكن أن يكون سوى قاتل محترف ينتمي لجهة مخابراتية محترفة تريد لتونس السوء والشرّ . قد يكون أجنبيا وقد يكون تونسيا، لكن المؤكد أنه يعمل لصالح جهة أرادت خلط الأوراق وإرباك من بيده دواليب الحكم قصد تنفيذ أجندة محددة ومدروسة تهدف في النهاية إلى إسقاط الشرعية والعودة بالبلاد إلى أحضان الحكّام السابقين أو من ينوبهم.
توجد أطراف عديدة مستفيدة من تنفيذ هذه الجريمة النكراء. وهي التي سارعت منذ الإعلان عنها بتحميل المسؤولية للحكومة الحالية وحركة النهضة ورئيس الجمهورية ودعت إلى إسقاط النظام. لقد أصدرت حكمها وحددت القاتل حتّى قبل بدء التحقيق ثم رفعت القميـــص الملطخ بدمـــاء شكري بلعيد كما رفع معاوية بن أبي سفيان من قبل قميص عثمان بن عفان.
لقد نجحت قوى الردّة في مؤامرتها إلى حدّ الآن، وحققت مكاسب أهمّها :
· عدم تمرير قانون تحصيـــن الثــــورة في المجلس التأسيسي الذي كان مقررا يوم نفذت عملية الاغتيال.
·  قبر الشعار الذي طالما رفعه  المرحـــــوم شكري بلعيد مع رفاقـه في الجبهة الشعبية ” أوفياء أوفياء لدماء الشهداء ... لا نهضة لا نداء“ و"جبهة شعبيـــة لا دساتـــرة ولا خوانجية". فسرعان ما التقى ممثلو الجبهة الشعبية بنداء تونس في تنسيق غير مسبوق من اجل استغلال حادثة الاغتيال لإنهاء مشروعية الحكم الحالي وربط الجريمة بالنهضة والحكومة ورابطات حماية الثورة.
· تحقيق انقلاب سياسي على المسار الشرعي الذي أنتجته انتخابات 23 أكتوبر 2011  وعلى محاولات بناء المؤسسات الدّستورية لضمان الانتقال الدّيمقراطي وتحقيق التّداول السلمي على السّلطة. ويتجسّد هذا الانقلاب في القرارات التي أعلنها حمّة الهمّامي المتمثلة في تعليق عضويّة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي عن المعارضة وإنشاء تنسيقية تضم الجبهة الشعبيّة وجبهة ”من  اجل تونس“ و اتحاد الشغل لتقرّر شأن البلد!!!. كما يعبّر عنه مطلب ”السبسي“ بحلّ المجلس التأسيسي وعدم الاكتفاء بتنازل الجبالي عن حكومة ”الترويكا“ لصالح حكومة تكنوقراط.

لقد خرجت الأفعى من جحرها والذئاب من أوكارها لتعلن نهاية سريعة لفصل الربيع والانقضاض على فريستها الحائرة فهي ترى أن الوقت مناسب ولا لزوم للانتظار. فهل يعيد التاريخ نفسه وينجح أصحاب قميص ”شكري“ في الانقضاض على الحكم كما فعل معاوية بقميص عثمان. أم أن للقدر وللشعب رأي آخر.