الأولى

بقلم
فيصل العش
شجرةٍطَيبة أَصلُها ثَابِتٌ وَفَرْعها في السماء
 عندما فكّرت بعد الثورة في بعث مجلّة الكترونيّة وأخترت لها تسمية «الإصلاح» قدوة بشعار الأنبياء «إنْ أُرِيدُ إِلاّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ»، كنت أعلم صعوبة المهمّة وتوقّعت على غير ما حدث عدم صمودها طويلا نظرا لغياب عناصر القوّة في باعثها، فهو ليس مختصّا في ميدان الصّحافة ولا في الكتابة الفكريّة أو الأدبيّة وهو في نفس الوقت ليس معروفا في أوساط العالم الافتراضي الذي لم يكن يلجه إلاّ عبر اسم مستعار و«بروكسي» أسرّ له به أحد أبنائه المغرميـــن بكسر الحواجز التي كان يتفنّــــن في وضعها خادم الدكتاتور «عمّار 404».
لكنّني مقابل ذلك كنت متحمّسا للفكرة وكنت أرى فيها واسطة أعبّر عبرها للعالم عن أفكاري ومواقفي بكل حريّة و«أكتب فيها خواطري من دون رقابة ولا موافقة السيد رئيس التحرير وأفتح صفحاتها لكل من يريد التعبير عن رأيه بكل حريّة ومن دون تشغيل «المقص»، فلم يكن الهدف من إصدار «الإصلاح» في البداية سوى تمكين نفسي ومن يشاركني الكتابة فيها من التعبير بحرّية وتبادل الأفكار والآراء، والتدرّب على «كتابة المواطنة» لتحقيق جزء من مواطنتنا التي حُرمنا منها طيلة عقود ونعمل على بنائها خطوة خطوة. 
ولقد وجدت في صديقي وأخي محمد القوماني خير سند في تنفيذ فكرتي ومصاحبتي في بدايات مشواري في إدارة المجلّة ثمّ التفّ حولي العديد من الأصدقاء ممّن يحملون هموم الوطن ويرنون إلى «الإصلاح»، فكانت المجلّة مجالا لتبادل الأفكار و«المشاركة في بلورة فكرة وسطيّة  تتفاعل مع محيطها وتقترح عليه الحلول لمختلف مشاكله الفكرية والسياسية والاجتماعية».
لقد تحوّلت «الإصلاح» بسرعة من ردّة فعل على الوضع الرديئ للسّاحة الصحفيّة الذي لم يتغير بعد الثورة إلآّ شكلا، إلى مشروع لتأسيس دوريّة فكريّة سياسيّة ذات منحى إصلاحي تكون«حاضنة لأفكـار ورؤى تناضل من أجل بناء دولة فلسفتها خدمة المواطن، ومجتمع يبنى علــى التعاون والتآزر والعيش المشترك في كنف الحريّـة والمساواة». 
ولا أفشي سرّا إذا ذكرت أنّ «الإصلاح» تصدر عن خلفيّة عروبيّة إسلاميّة تجديدية وتنويريّة، ترى أنّ بناء الإنسان الحرّ القادر على الابداع لا يكون بالتنكّر لهويّته والانسلاخ عنها وإنّما بالانطلاق منها والاستفادة من مخزونها الثقافي والفكري الغني بقيم الإسلام الخالدة وتعاليمه السّمحة باعتبارها القاعـدة الأساسية للصمود ومواجهة التحديات.
ولأنّنا واعون بما تتعرّض إليه الأمّة العربيّة الإسلاميّة من غزو شامل عسكري وثقافي وإعلاميّ لتدمير ما تبقّى من مقوماتها من أجل منع أيّة محاولة للنّهوض وتكريس واقع التبعيّة، فقد تبنّينا في «الإصلاح» خطّا تحريريا يؤكّد على  الهويّة ويبرز الخصوصية الثقافيّة لأمّتنا التي وازنت بين العقل والوجدان وارتبطت ارتباطا وثيقا بالدّين الاسلامي الحنيف. ودعونا إلى الغوص عميقا في تراثنا للاستفادة من كنوزه التي  أخفتها قرون التخلّف والانحطاط  وفتحنا المجال لطرح التساؤلات حول المعوقات التي حالت دون الانطلاقة الحقيقية للانسان العربي نحو التقدّم والازدهار والتي نرى أن جزءا كبيرا منها هو نتاج لقراءات خاطئة للتراث وتأويلات مغلوطة لنصوصنا الدينيّة التي ترتكز عليها ثقافتنا العربية الاسلاميّة.
ولم تكن «الإصلاح» في يوم من الأيام لسان حزب أو مجموعة إيديولوجيّة بعينها بالرّغم من أنّ مؤسسها ومديرها كان قياديّا في حزب سياسي، بل كانت طيلة ثلاث سنوات وعلى امتداد 78 عددا منبرا حرّا يستقطب الجميع من مختلف التّيارات الفكريّة والسّياسية إلاّ من أخذ عهدا على نفسه بمقاطعتها منذ البداية. كما أنّها استطاعت في فترة وجيزة نسبيّا أن تجمع حولها كتّابا وشعراء متطوّعين من عدّة دول عربيّة من بينها العراق وسوريا ومصر والجزائر والمغرب واليمن وآخرين من العرب والتونسيين المهاجرين في كندا وفرنسا وألمانيا والنرويج وإيطاليا .. 
لقد بلغ عدد المساهمين في تأثيث أعداد «الإصلاح» مائة وعشرين كاتبا وكاتبة، من بينهم تسعون من داخل الوطن وحملت هذه الأعداد بين جنباتها أكثر من 850 مقالا وعددا غير قليل من التّحقيقات والحوارات بالإضافة إلى 56 قصيدة شعريّة وأكثر من مائة كاريكاتور وكلمات 78 أغنية ملتزمة.
وبعد عام من تاريخ صدور عددها الأول، أصبح للإصلاح موقعا الكترونيّا تفاعليّا يقترح على القرّاء والمتصفّحين أبوابا متعدّدة تعرّف بمحتوى العدد الجديد وتضمن إمكانية تحميل الأعداد السّابقة أو الاطلاع على المقالات حسب الكتّاب وتمكّن القائمين على المجلّة من معرفة عدد القرّاء الذين قاموا بتحميلها وبالتالي معرفة نسبة اهتمام النّاس بها. 
لقد حاولنا طيلة ثلاث سنوات الاستفادة من التكنولوجيّات الحديثة وخاصّة في مجال الاتّصال لتصل المجلّة إلى أكبر عدد ممكن من القراء، لكنّ الطريق مازال طويلا ولم يصلب عود «الإصلاح» بعد، ومازالت رائحة أزهارها العطرة ضعيفة حتّى تسيطر على الروائح النتنة التي تزكم الأنوف الصّادرة عن الرّداءة المهيمنة على السّاحة الثقافيّة والفكريّة في وطننا ومازال أمامنا عمل كبير وعلينا بذل جهد أكبر من أجل توفير المضمون الجيّد المفيد وتحقيق ما نحلم به وأهمّه إرضاء قرائنا الأعزّاء. 
ولأنّ هذا العمل صعبٌ ويتطلّب مجهودات إضافيّة، فإنّنا ندعو كل من يطمح إلى المساهمة في هذا المشروع، أن يساندنا بالقراءة أو بالكتابة، أو بالتّوزيع عبر الوسائل الالكترونية المتاحة في مجال الاتّصال، لنواصل معا ما بدأه المصلحون، دون تقديس لهم أو اجتـرار لأفكارهم من أجل تحقيق أحلامهم وأحلامنا وأحلام هذه الأمّة في التنمية الشّاملة والازدهار حتّى تحتلّ الموقع الذي يليق بها بين الأمم.
إذا، بهذا العدد نطفئ الشّمعة الثّالثة ونودّع سنة ونستقبل سنة أخرى في حياة «الإصلاح» لتستمرّ المسيرة بحول الله بمزيد من الحماس والإصرار، آملين أن تكون مجلّة الإصلاح «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا» ولا تكون «كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ». 
--------
  مدير المجلّة .
 faycalelleuch@gmail.com