القلم الشاب

بقلم
يحي بن عبدالله
الديمقراطيات الناشئة ... تونس نموذجا
 تحمل الإنتخابات التشريعية والرئاسية التونسية القادمة عديد التحديات لمجموعة من الأطراف والأطياف لعلّ أهمّها تحدّي الشعب التونسي ومسار الحفاظ على ثورته التي قدّم لها الغالي والنفيس كما تحمل معها تحدّي أخر للنّخب السّياسية والمثقفين في تونس والتي ستضعهم أمام إشكال حقيقي وفاصل بين أن يكونوا في مستوى إرادة وتطلعات هذا الشعب أو يواصلوا سلك الطريق الخاطئ الذي إتخذه الكثيرون منهم على مدار الثلاث سنوات الماضية. 
إنّ وصول الشّعب التونسي بمختلف مكوناته السّياسية والمدنية إلى الإنتخابات التشريعية والرئاسية في مرحلة ثانية هو خطوة ناجحة في طريق تثبيت الإنتقال الديمقراطي والخروج بالبلاد من العدميّة إلى المؤسسات، من الطبيعة إلى القانون ومن التشرذم إلى الإلتئام. هو إنتصار جزئي على الثورة المضادّة التي أرادت الذّهاب بالبلاد  إلى أتون الإقتتال والحروب الأهلية والصّراعات الوهمية، كما هو إنتصار على المسار الشرق أوسطي الحالي الذي نشاهده منذ ثلاث سنوات .. هذا الإنتصار أكّد أن المدنية والسلمية وأليات العمل الديمقراطي السّلمي من انتخابات واستفتاءات وحوارات وتضحيات هي السّبيل الأنجع والوحيد للتّداول على السلطة وهي السّبيل الأمثل للتغيير والبناء والتقدم والرقى على عكس ما تشهده بعض التّجارب المجاورة من إنقلاب في مصر واغتصاب لحقّ الشعب في تقرير مصيره ومن إقتتال لأبناء البلد الواحد في ليبيا وسوريا واليمن وغيرهم . 
لقد أثبت الشّعب التونسي للعالم بأكمله بدخوله هذه الإنتخابات بكل سلميّة أنّ الشّعوب العربيّة قادرة على أن تقدّم النّموذج وقادرة على تقرير مصيرها .. قادرة على البناء بسلمية وبتنوع، كما أنّ التّجربة التّونسية الرّائدة تقدّم نموذجا مخالفا تماما لنموذج يراد له أن يكون هو النموذج الأوحد لشعوب الدول العريبة، نموذج الإقتتال الأهلي والانقلابات والحروب والتشرذم والتخلف . 
إن الشعب التونسي اليوم يقدّم رسالة واضحة لكل شعوب العالم بأنه أهل للتّداول السّلمي على السلطة .. بأنّ التونسيين قادرون على البناء .. قادرون على الحفاظ على ثورتهم ومكتسباتهم وهو بذلك يرسم مرحلة تاريخية فاصلة ومهمة في تاريخ الشعوب العربية وشعوب العالم جمعاء.
أتت اللحظة التي يرى فيها العالم عالما أخر مغاير لعالم ما بعد 1919، مغاير لعالم ما بعد 1948 ، مغاير لعالم ما بعد 1967، مغاير لعالم ما بعد 11 سبتمبر 2001، مغاير لعالم ما بعد 2003 وهو بالفعل عالم ما بعد 26 أكتوبر 2014، عالم تحرّر الشّعوب العربيّة ليس فقط بالثورة والشهداء والدماء إنّما بالإنتخابات .. بالمؤسسات بتطلعات وتصورات جديدة مغايرة لما وجد في دول العبودية والبوتقة المقيتة التي عاشت فيها الشعوب العربية منذ أكثر من 100 سنة  .
إن الصراع الحقيقي اليوم في تونس هو صراع ثنائي و كل طرح أخر لطبيعة المرحلة هو خيار خاطئ و حيان عن المسار الحقيقي للثورة هي بالفعل ثنائية الثورة والثورة المضادة ... 
على الشعب التونسي أن يعي جيدا حقيقة الصراع حتى يحسن الإختيار ومن هنا يبدأ النجاح والإنتصار،  كما انتصر على الانقصام و التشرذم الذي رسم له على مدى 60 عام في ثورة 14 جانفي 2011 وهو قادر اليوم أن ينتصر على قوى الرّدة  والجذب إلى الوراء بخياراته الإنتخابية المتنوعة نعم ولكن الداعمة للخطّ الوطني الثوري فقط دون غيره ويعيد دعوة النّخب  السّياسية التونسية إلى الوعي بأهمية المرحلة ويضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية في المضي قدما مع خيارات الشعب وليس مع الخيارات السياسوّية الحزبية الضيقة وإن كان ذلك على حساب بنيوية الفكر الذي يتبناه كل منهم .
فعلا على النخب المثقفة والمفكرين والسياسيين والإعلاميين وكل رجالات هذا البلد الفاعلة في الحقل السياسي والثقافي والمدني، أن تعيد النظر في حقيقية الشعب التونسي لتفهم أن من تغلّب على سياسة «فرّق تسد» في غفلة من أكبر مراكز الدراسات الإستراتيجية العالمية وأكبر المحللين والسياسيين والمفكرين وهو فعلا شعب عظيم قادر على قيادة مسار التّحرر العربي  ولتدرك أن من إحتضن عشرات الألاف من اللّيبيين أثناء الثّورة اللّيبية بالرّغم من الظرف الحسّاس الذي يمرّ به هو شعب يرسم ملحمة تاريخية ومعجزة في الكرم وحسن الضيافة، ويستحق من نخبه أن تقدر له ذلك لتتواضع بالقول والفعل بأنها طوع هذا الشعب وخياراته وقد أثبتت كل تجارب الشعوب الحرّة في العالم ذلك . 
في النهاية  كان الشعب التونسي نموذجا في ثورته وعليه أن يكون نموذجا في خياراته ومساراته الإنتخابية القادمة، وعليه أيضا أن يعي فعلا أن ما يقوم به في هذه المرحلة التاريخية هو بداية تأسيس لتصورات وخيارات وسياقات مغايرة لما كان في الماضي. والأهم على الشعب التونسي أن يستوعب دوره الحاسم في دعم ثورات الشّعوب العربية في مصر وليبيا واليمن وسوريا التي تخوض ملحمتها بكل إحتدام وهي في حاجة إلى بصيص من الأمل حتى تزداد قوة وتنتصر على الجهل والتخلف وقوى الجذب إلى الوراء . 
ختاما على الشعب التونسي أن يعي ويوقن جيدا أن الثورات لا تكتمل وتتحول إلى محرك حقيقي للبناء والتقدم والرقي إلا بثورة ثقافية فكرية حقيقية  .
-------
-  طالب