الكلمة الحرّة

بقلم
شكري سلطاني
حكّم ضميرك ولا تهتّم ليسعد مصيرك
 مرّة أخرى تدور عجلات زمن الوطن لتبلغ محطة جديدة في يوم موعود من تاريخ تونس المعاصرة، إنها زهرة التحرّكات والهبّة الشعبية التي أسقطت رأس الديكتاتورية لشعب تائق للعدالة والكرامة والحريّة الحقّة، حتى يحين قطف ثمرة الثورة المجيدة بتغيير الأحوال إلى أحسن حال .
بدماء شهدائنا العطرة وبالأرواح الزكيّة وبعبقريّة وذكاء المخلصين الصادقين من أبناء الوطن نكتب على صفحات تاريخ بلادنا بأنّنا كنّا جديرين بهاته المنّة والهبّة الشعبيّة لتغيير ما بأنفسنا وتغيير واقعنا نحو الأفضل لنبني سويّا تونس الجديدة تونس مبادئ وقيّم، علم وعمل .
التّاريخ بسننه وقوانينه الساريّة المفعول، نافذة الفعل، سيفا قاطعا ومحك وفيصل لإختبار النفوس والضمائر والحكم على التوجّه والأداء ( فالتاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق ) لمن ألقى السمع وهو شهيد ومن أيقن الأمر فهو المتبصّر الرشيد .
لقد تجرّع الشعب مرّ المصائب والبلايا واكتوى بسياط  الحوادث والعوارض وخضع لسندان الضغوطات والآلام حتى ملّت النفوس وكادت تفقد الأمل وتوجسنا كلنا خيفة من المستقبل المجهول ولكن يبقى الأمل قائما والحلم جائزا لإنجاح مسار المرحلة الانتقالية التي شابها الكثير من الشوائب والشواغل فأضحت كابوسا .
فهل من منفذ وسبيل قويم يفرح القلوب ويعيد للنفوس  البهجة والأمل فكيف السبيل إذن  ؟؟؟
إن أحسنا الاختيار وتيقّظنا وعملنا بما تعلمنا وعلمنا من تجاربنا وخبرات السّنين وساهم كل من موقعه في نحت ملامح الغد ومعالم مشهد المستقبل من خلال عمل وجهد  اليوم  فعجز المرء أسباب البلاء.
الوطن يبنى بالأفكار النيّرة البنّاءة وبسواعد الأحرار وبالتضحيات الجسام وبنكران الذّات وبالمعالجة الصحيحة فمع العلم فقه المنازلات حتّى لا نخسر وتذهب ريح ثورتنا سدى فينعطف مسارها إلى ما لا يحمد عقباه .
فلنحفظ دماء شهدائنا وتضحيات الشرفاء المناضلين وآمال ورجاء أحرار الوطن الصادقين، فتونس أمانة في أعناقنا جميعا، كما ورثناها من أجدادنا سوف نورّثها لأحفادنا فالحفاظ عليها والذّود عنها في جميع الميادين وساحات الوغى  واجب مقدّس .
كما ردّد عامة الشعب المنتفض  وقواه الطلائعيّة  الثوريّة نشيد الثّورة الملهبة للمشاعر الملهمة للوجدان والعقول ( إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر) وكما أراد الشعب ذات يوم بعزيمة وهمّة وعمل فاستجاب القدر بإنجاز الموعود في انتظار التحقيق لموعد الانبلاج، فليواصل الشعب وقواه الحيّة نفس الإيقاع حتّى يكمل المشوار. فمن حقنا وحقّ كل وطني غيور أن يرى بنيان وطنه يعلو وأساسه يقام ومصالحه تحفظ ومناعته تقوى والسّلوك يهذّب والطبائع تصقل والمسار القويم يستقر، فلقد ثبت أن من لا أسّ له ينهدم ومن لا حارس له يضيع .
وما المحطة الانتخابيّة إلاّ علامة دالّة ومنارة بارزة في تاريخ تونس المعاصر، فإن تمسّكنا بدواعي النّجاح وشروط الإنجاز القويم فأحسنا الاختيار دون عاطفة جيّاشة ووهم دفين وجهل مقيت، فأمام غزارة المترشحين وفيض الطامعين الراغبين لنيل المكانة والتشريف ولكن مع نعيم المنصب والقيادة هناك لهيب الأمانة والمسؤولية الكبرى أمام الله والوطن والشعب .
فليست العبرة بغرور الكلام  فلا تغترّ يا شعبي بظاهر الكلام وتغفل عن باطنه وجوهره فلا تنسى ويفلّ عزمك فتتهافت إالى من يخطب ودّك فيعاد إنتاج زمان كنت أنت فيه الغائب  وسجّانك الحاضر بالقوانين الزاجرة والتوجيهات والتوجّهات الضامنة لحقوقه الهاضمة لحقك .
اجهل جهلك يا شعبي في كل وصاية ودعاية وزعامة فأنت لست بالصبيّ ولا الغبيّ حتى تقاد وتسلب إرادتك.  إجهل جهلك في هذه الشهوات الخسيسة فإنّها العلم الخبيث الذي يفسد روح توهجك وإشعاعك.
ولتحذر من ذوي الملق اللئام مرضى النفوس، مشوّهي الفطرة، فاسدي الطباع، معقّدي الشخصيّة (واحذرذوي الملق اللئام فإنّهم عليك في النائبات ممن يخطب يسعون حول المرء ما طمعوا به وإذا نبا دهر تغيّبوا وجفوا ) كما قال أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب كرّم الله وجهه .
أيها الشعب الكريم صوتك أمانة فلتحسن الاختيار واختيارك إرادة  ومسؤولية فلتجسّد قناعتك العميقة بمستقبل وطنك الحرّ فلا تغترّ لا بشكل و لا بلون ولا براية ولا بجذبة المتنافسين لقيادتك وحكمك ونيابتك بل سائل نفسك وحكّم ضميرك ليسعد مصيرك واستخر واستشر ولكن ليكن قرارك الذاتيّ نابع من إيمانك الرّاسخ بحبّ الوطن الغالي.
فيا شعبي كن صحيحا في الحكم وحسن الاختيار تكن صحيحا في نيل حريتك وكرامتك حتّى لا تمتهن من جديد كل تطلعاتك وطموحاتك للإنعتاق ونيل كرامة لا تداس وإنسانية لا تهان وبشريّة لا تحتقر.
الأجدى أن تنتخب من تثق فيهم وتستأنس فيهم الكفاءة والنزاهة، يكون العلم معينهم والحكمة ديدنهم وأن تحسّ بذكائك العاطفي أنهم يحترمونك وسوف يخدمونك ويذودون عن مصالحك وهم صوتك كما ستكون صوتا لهم  فما جزاء الإحسان إلا الإحسان .
فمن هم الأهل للإدارة الشأن العام ونيابة الشعب؟ من يجعل بوصلة النظام المنشود هو الاستجابة لمصالح الشعب وشؤونه وتحقيق سيادته الحقيقية  ؟؟؟
ألا فاعزل كل التنبيهات والمثيرات الموجّهة لسلوكك للتأثير على إرادتك وقرارك فأنت حرّ حكّم ضميرك ولا تهتم.
وإلى الطبقة الواعية والنخبة المثقفة وجب الفعل المتناغم فكما كانت خزّان الثورة ورافدها فلتكن الحارس الأمين على إنجاح مسارها يقظة وانتباه ومشاركة متواصلة متّصلة بالفعل الواعي وبالعزم الثابت واليقين المستبصر حتى ننتقل وعيّا وممارسة وتجاوزا من واقع الاستبداد والفساد  حيث الجسم المريض والأجهزة الفاسدة والآليات المعطّبة والمعطّلة إلى واقع العلم والعمل الإيداع والإنجاز.
إذا إتحدت الضمائر وتعاضدت النفوس وتضافرت الجهود للعمل وحسن الأداء قطعا مع العادة وارتقاء إلى رحاب الإبداع تحفّزت النفوس وانخرط المواطن باعتزاز فاعلا إيجابيا مساهما واعيا مؤديا واجبه نائلا حقّه .
فرفقا بتونس رفقا بأهلها.
-------
-   أستاذ أول  المروج
chokrisoltani@gmail.com