بحوث ودراسات

بقلم
د.مصدق الجليدي
أسئلة الدين والثورة
 علاقة الدين بالثورة علاقة إشكالية وذات مستويات عدّة.
وها هي طائفة من الأسئلة المعبرة عن هذه العلاقة الإشكالية:
- سؤال مباشر راهن: أي دور للدين في الثورة؟
- أي دين؟ وأي فهم للدين؟ الدين/الرسالة أم الدين/التجربة التاريخية؟ 
- الدين ثورة أم الدين أفيون الشعوب؟
- في الثورة التونسية؟ في ثورات الربيع العربي؟ 
- في الثورة الفرنسية (1789 - 1799)؟ 
- في الثورة البلشفية (1917)؟ 
- في الثورة الإيرانية؟ 
- في ثورات أمريكا اللاتينية؟
- في إيطاليا إبان بناء الجمهورية؟
- في علم الكلام الجديد؟
- السلفية والثورة؟ السلفية العلمية/ السلفية الجهادية؟
- الإخوان المسلمون والثورة (تونس- مصر- ليبيا- سوريا)؟
- أي مستقبل للدين بعد الثورة؟ 
لنشرع في تقديم إجابات على هذه الأسئلة  أو على الأقل على أغلبها:
 أولا: الثورة في الدين/الرسالة وفي الدين
/التجربة التاريخية:
(1) في الدين الرسالة: جاء حثُّ القرآن الكريم على الثورة المسلحة من أجل المستضعفين في الأرض: قال تعالى «وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا» (النساء: 75). وفي الحديث النبوي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر»رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن. وصورة الحديث كاملة أن رجلا قال : يا رسول الله ، أي الجهاد أفضل ؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة الأولى ، فأعرض عنه ، ثم قال له عند الجمرة الوسطى ، فأعرض عنه ، فلما رمى جمرة العقبة ووضع رجله في الغرز قال : «أين السائل» ؟ قال : أنا ذا يا رسول الله ، قال: « أفضل الجهاد: كلمة حق عند سلطان جائر». أخرجه أبو عبد الله بن ماجه القزويني في كتابه. 
(1) في التجربة التاريخية: شاهدنا مقاومة للظلم والفساد والاستبداد الذي ساد خاصة في عهد الدولة الأموية والذي اتخذت لها إيديولوجية رسمية مذهب الجبر الذي يسلب الإرادة الحرة من المكلَّف ومذهب الإرجاء الذي يفتي بالقعود عن مقاومة المنكر حيث أنه بحسب زعم أصحابه « لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة»:
- يمكن أن نتوقف في ذلك عند عينات وردت في كتاب «مسلمون وثوار: للكاتب المصري محمد عمارة. وقد ذكر فيه:
عمر بن الخطاب (ثورة العدل على الظلم والاستعباد: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!)، وأبا ذر الغفاري (انتفاضة العدالة الاجتماعية: بشّر الذين يكنزون الذهب والفضة بالنار يوم القيامة، لاتخاذه شعارا قوله تعالى: «الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم»(التوبة: 34)). كما ذكر محمد عمارة عليّا بن أبي طالب ثائر الفكر الاجتماعي وأسماء بنت أبي بكر أو أم الفدى ذات النطاقين وغيلان الدمشقي والحسن البصري، وعمرو بن عبيد الفيلسوف المعتزلي الزاهد الثائر ضد استبداد وفساد بني أمية، وعلي بن محمد قائد «ثورة الزنج» العربية، والماوردي الذي اعتبره مجددا في الفكر السياسي، وأبا الوليد بن رشد صاحب الثورة الفلسفية الكونية، والعز بن عبد السلام الثائر ضد الخرافة والظلم والجمود، والشيخ عمر مكرم، والطهطاوي رائد التنوير في العصر الحديث، والأفغاني قائد ثورة البعث والإحياء وخير الدين التونسي رائد ثورة الإصلاحات السياسية والإدارية.
ونتوقف هنا قليلا عند مثال واحد من كوكبة المسلمين الثوار الذين أرّخ لهم محمد عمارة، وهو أحد آباء الاعتزال ومذهب العدل الشهيد غيلان الدمشقي الذي صلبه الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بدمشق على باب «كيسان» بفتوى من الفقيه «الأوزاعي»، وذلك بعد أن قاد أكبر عملية مقاومة فساد في الدولة الأموية عندما استجاب الخليفة عمر بن العزيز لطلبه بتوليته مهمة «بيع الخزائن ورد المظالم» أي خزائن الخلفاء والأمراء الأمويين، فحول عمله ذاك إلى «مظاهرة سياسية واجتماعية تعرّي نظام الحكم الأموي من ثيابه الزائفة...فكان ينادي الناس ويقول: «تعالوا إلى متاع الخونة...تعالوا إلى متاع الظلمة..تعالوا إلى متاع من خلف رسول الله في أمته بغير سنته وسيرته..». ولقد نجحت كلمات غيلان البليغة في أن تجعل من رد المظالم الأموية إلى بيت مال المسلمين عملا سياسيا واجتماعيا ثوريا من الدرجة الأولى..» (ط1، 1974، ص. 63-64). وقد حقد أمراء الأسرة الأموية على غيلان ولم تفلح محاولاتهم في ثني عمر بن عبد العزيز عن دعمه لغيلان في تمشيه الثوري هذا وأسروا الأمر في أنفسهم إلى أن انتقم لهم منه هشام بن عبد الملك لما آل الأمر إليه بعد ابن عبد العزيز فصلبه هو ورفيقه «صالح» بعد أن قطعت أيديهما وأرجلهما وقطع لسان غيلان الذي ظل ينافح به عن دعوة الحق إلى آخر رمق، رحمة الله الواسعة عليهما.
ثانيا: موقع الدين في ثورات العالم الحديث والمعاصر:
(1) في الثورة الفرنسية: (التي اندلعت في الرابع عشر من يوليو (تموز) عام 1789 وامتدت حتى 1799) الدين كان مُثارا عليه: شعار «اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قديس».
(2) في الثورة البلشفية (1917): الدين أفيون الشعوب وزفرة العقول البائسة عبارة كارل ماركس (83-1818)الشائعة التي صاغها في مقدمته عن فلسفة الحق الهيغلية ( 44- 1843).
(3) في ثورات أمريكا اللاتينية (لاهوت التحرير): يعتقد لاهوت التحرير بأن الله يتحدث للبشرية بشكل خاص عن طريق المعدمين وبأن الكتاب المقدس لا يمكن فهمه إلا من منظور الفقراء. وترى هذه المدرسة بأن الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا الجنوبية تختلف بشكل جوهري عن نظيرتها في أوروبا، لأن كنيسة أمريكا اللاتينية كانت دائماً من ولأجل الطبقة الفقيرة.
- تاريخ ولادة لاهوت التحرير يؤرخ عادة مع بداية المؤتمر العام لأساقفة أمريكا اللاتينية في كولومبيا عام 1968، حيث أصدر الأساقفة في هذا المؤتمر وثيقة تؤكد على حقوق الفقراء وتقول بأن الدول الصناعية الكبرى قد اغتنت على حساب دول العالم الثالث. وقد كُتب النص الأساسي لهذه الحركة لاهوت التحرير عام 1971، بيد غوستاف غيتييرز وهو قسيس ولاهوتي من البيرو. وكان من أبرز وجوه الحركة رئيس أساقفة السلفادور أوسكار أونولفو روميرو(اغتيل عام 1980) واللاهوتي البرازيلي ليوناردو بوف والأب اليسوعي جون سوبرينو ورئيس الأساقفة هيلدر كامارا من البرازيل.
وعموما يمكن تعريف لاهوت التحرير بكونه هو تيارا لاهوتيا كاثوليكيا ولد في نهايات الستينات وبداية السبعينات من القرن العشرين في أمريكا الجنوبية المسماة باللاتينية، اختلط في هذا التيار الفكر المسيحي مع الفكر الماركسي لينتج مدرسة لاهوتية انحازت إلى طبقة الفقراء والمظلومين في سعيها للتحرر من وطأة الظلم والديكتاتوريات المحلية والامبريالية وتبنت فكرة مركزية تقول بأن السيد المسيح لم يكن مخلصا فقط إنما محررا للشعوب أيضا.
(4)علم الكلام الجديد(فريد إسحاق):
يمكننا تقديم مثال المفكر والمناضل الجنوب إفريقي من الأقلية الهندية-الباكستانية فريق إسحاق، الذي يعدّ واحدا من أبرز مفكري الإسلام الجدد . 
فبتأثر بتجربته الشخصية في مجتمع متعدد الأعراق والاثنيات يواجه نفس مشاكل الفقر والاستبداد والتمييز العنصري (وإن بدرجات متفاوتة)، وبتأثير من ثقافته العالية وتكوينه الجامعي الراقي،  عمل فريد إسحاق في كتابه الرائد «القرآن، تحرر وتعددية: مقاربة إسلامية للتضامن البين-ديني ضد الاستبداد» على تحقق الأهداف التالية:
«- البرهنة على أنه من الممكن أن يبقى المرء وفيا للقرآن وهو يعمل لبناء مجتمع أكثر عدالة وأكثر إنسانية مع رجال ونساء ينتمون إلى تقاليد دينية أخرى.
- تحديد المعالم لتفسير للقرآن يسير في منحى قبول التعددية اللاهوتية داخل الإسلام.
- مراجعة الطريقة التي يحدد القرآن وفقها العلاقة مع غير المسلمين، مؤمنين أو غير مؤمنين،
- تعميق وتبيان العلاقة التي توجد بين التشبث الديني والمحافظة السياسية، أو بين الانفتاح الديني والتقدمية السياسية» .
وبهذه الفكرة الأخيرة سعى فريد إسحاق إلى الإسهام في بناء لاهوت إسلامي للتحرّر على غرار لاهوت التحرر المسيحي في بلدان أمريكا اللاتينية. 
(5) في الثورة الإيرانية: 
هنالك تداخل بين الدين والإيديولوجية الدينية والزعامة الدينية في قيادة وإنجاح الثورة الإيرانية. يقول زيبا كلام مستشهدا به من قبل الدكتور السيد صادق حقيقت في مقاله دور القيادة الدينية في الثورة الإسلامية الإيرانية (موقع قناة العالم، 2 فبراير 2012): «إن الأمام كان قائداً وطنياً وضد الامبريالية ولم يكن زعيماً للقوى السياسية الدينية وحسب. انه قائد ضد الدكتاتورية بالنسبة للمثقفين، وقائد جماهيري محبوب للملايين من عموم الإيرانيين رجالاً ونساءً ووفقاً للصورة التي كانت مرسومة في أذهانهم عن الشاه ونظامه». 
ما نستنتجه من هذا هو أن الدين لمّا يتحول إلى إيديولوجيا ثورية تتبنى قضايا الجماهير فإنه يصبح طاقة محركة جبارة لهذه الجماهير وقيادتها لتحقيق مطالبها المشروعة.
(6) في إيطاليا: التسوية التاريخية بين الماركسيين والكنيسة المسيحية 
لا يتعلق الأمر هنا بالكلام عن ثورة بالمعنى الحدَثي للكلمة وإنما عن التقاء الدين مع الإيديولوجيا الثورية اليسارية في بناء الدولة الحديثة في إيطاليا ابتداء من منتصف السبعينات.
مصطلح التسوية التاريخية  أو الكتلة التاريخية  يشير إلى تسوية الخلافات بين الحزب الديمقراطي المسيحي الإيطالي و الحزب الشيوعي الإيطالي في السبعينات، بعد أن اعتنق الأخير الشيوعية الأوروبية بقيادة إنريكو برلنغوير.
طرح إنريكو برلنغوير الذي انتخب سكرتيراً للحزب الشيوعي الإيطالي في عام 1972، مواصلة طريق تولياتي في التسوية أو الصفقة التاريخية أو التنازل مع الديمقراطيين المسيحيين الكاثوليكيين، فما يدل عليه مصطلح  مفهوم التسوية أو الصفقة التاريخية لم يكن مبنياً على حساباتٍ تكتيكيةٍ مؤقتة، بل على تصور منظومي لكيفية بناء الدولة الإيطالية الممزقة بالصراعات السياسية، وضغوطات الحرب الباردة على قاعدةٍ أكثر اتساعاً. كان الحزب الشيوعي بقيادة برلنغوير يطرح دعم الديموقراطيين المسيحيين، الذين فهموا التسوية في إطار بناء الدولة الإيطالية وليس في إطار اقتسام كعكة السلطة.
وقد ورد مفهوم التسوية التاريخية لدى غرامشي تحت مسمى»الكتلة التاريخية»: بناء كتلة تاريخية من أجل إنجاز تسوية تاريخية. كان هذا المفكر الإيطالي والمناضل السياسي اليساري (1891-1937) يفكر في طريق للتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي يناسب معطيات المجتمع الإيطالي في زمنه. وكان المشكل الذي يعترض الإصلاح آنذاك في هذا البلد، هو ذلك التفاوت الكبير بين شمال إيطاليا، الذي كان قد بلغ درجة متقدمة على مستوى التصنيع والتحديث، وبين جنوبها الذي كان يحمل سمات المجتمع المتخلف الخاضع لسلطة الكنيسة. ومن أجل الحفاظ على وحدة الأمة الإيطالية والقيام بنهضة شاملة اقترح فكرة الكتلة التاريخية، وهي تضم إلى جانب قوى التغيير والإصلاح في الشمال، من ماركسيين وشيوعيين وليبراليين، القوى المهيمنة في الجنوب بما فيها الكنيسة.
ثالثا
موقع الدين ودور المتدينين في ثورات الربيع العربي:
سنتعرض هنا إلى موقف الحركات الإسلامية الإخوانية والسلفية من الثورة بحسب الحالات.
(1) الإخوان المسلمون والثورة المصرية
في مقال لها بعنوان «الإخوان والثورة المصرية أيّ مستقبل؟ (في موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتاريخ 3 مارس  2011)، لاحظت الدكتورة أمانى الطويل أن جماعة الإخوان المسلمين المصريّة «احتلّت وزناً نسبياً أعلى من باقي القوى السياسية خلال الثورة المصرية، رَغْم أنها لم تخطّط لاندلاعها، أو للمساهمة فيها منذ اللّحظات الأولى.
وتتابع أنه «يمكن القول إنّ المتابعة الدقيقة للإخوان المسلمين وخطابهم السياسي خلال الأسبوع الأوّل من أيام الثورة المصرية لا تستطيع أن تنكر مستوى من الوعي والنّضج، إذ اعتمد خطابهم العام على أنهم مكوّن من مكونات الشّعب الثائر لكنهم ليسوا التعبير الوحيد عنه. فالشعارات التي رفعوها كانت منحازة إلى التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية، ولم تسلك طرائقهم المعروفة في رفع المصاحف أو رفع شعارات، مثل «الإسلام هو الحلّ». وقد كان هذا الأداء مرتبطاً بعدم وجودهم في التّظاهرات باعتبارهم تيارا سياسيا واضحا إلاّ يوم جمعة الغضب في 28 كانون الثاني/يناير، بينما كان وجودهم السابق خجلاً ومتوارياً. منذ هذا التاريخ ظهرت لدى الإخوان نزعات لتحركات منفصلة عادت فيها إلى طرقها القديمة في التظاهر ورفع الشعارات الدينية والتكتيك مع النظام لانتزاع مكاسب لهم على حساب ثورة الشباب المصري، مثل غيابهم النسبي عن جمعة التشديد على المطالب يوم 25-02-2011، ومثل إقدام الجماعة على صوْغ تفاهمات خاصة مع اللواء عمر سليمان بمعزل عن باقي القوى الوطنية في مراحل ما قبل تنحّي مبارك، وتنصّلهم من التحالف مع محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية وصاحب المطالب السبعة للتغيير وقد صِيغت التفاهمات في نقاط عدة منها: تعهّد الجماعة بتقليص مشاركة أنصارها في الثورة بالتدريج، شرط عدم حدوث هجوم جديد على المتظاهرين، وهو ما وعدت المؤسّسة الرّسمية بعدم تكراره. ولم تشمل الصّفقة تقنين عمل الجماعة بل شملت السماح لبعض أعضائها بإنشاء حزب سياسي (جريدة « الشروق»، 7 شباط/ فبراير 2011). وقد جاءت هذه الخطوة مخالفة لتوجهات شباب الإخوان الذين رفضوها، كما اعتبرتها القوى والنخب السياسية محض خيانة لثوار التحرير بكل فصائلــهم بمن فيهم شباب الإخوان، فقد سأل مثلا الكاتب المرموق فهمي هويدي الإخوان: هل أنتم مع لاظو علي (مبنى وزارة الداخلية) أم مع التحرير (مقر الثوار) (انظر صحيفة «السفير» اللبنانية، 11/2/2011.). كما كانت لحظة كاشفة لطبيعة الانقسامات في صفوف الإخوان، في الوقت الذي تطالب القوى السياسية المصرية كلها بإعطاء الفرص لقوى الثورة لتأسيس أحزابها السياسية، أو التمتع بمناخ الحريات». 
وتنهي د. أماني الطويل مقالها بقولها: «ربما يكون من الأمور الأساسية في هذه المرحلة التخلّي الفوري للإخوان عن الأساليب التاريخية في عقد الصفقات المنفصلة مع السلطة أيا تكن هذه الصفقات، والسير نحو تبني أمل الشعب المصري في تحقيق الحرية والديمقراطية بديلاً عن الاستقواء على القوى السياسية الأخرى بالمرجعية الدينية للإخوان المسلمين، والحصول على الوزن السياسي بناءً على هذه المرجعية.
وتضيف الدكتورة أماني الطويل ( في مقالها المنشور منذ 3 مارس 2011): «في الإجمال، يبدو لنا، أن عدم تغيير السلوك السياسي للإخوان المسلمين في هذه المرحلة الحسّاسة سوف يتيح لقوى الثورة المضادة توظيفهم بهدف تعطيل عجلة التقدم نحو الديمقراطية الحقة، والمساهمة في إضعاف القوى الثورية، وخصوصاً أن الثورة المصرية على مفترق الطرق، فإمّا أن تنطلق نحو إنجاز أهدافها في إسقاط توجّهات نظام مبارك ورجاله، وإمّا الانتكاس نحو تغيير شكلي يطال بعض الأشخاص وليس مجمل السياسات، أي أن الخلاصة ستكون منتجا بائسا لا يليق بدماء الشّهداء، ولا بمحاولة استعادة أرصدة القوّة المبدّدة للدّولة المصرية.»
وكما هو معلوم أزيح مبارك عن الحكم بمشاركة الإخوان رغم ما شاب أداءهم من حسابات تمت على الأرجح بتأثير تاريخ معاناتهم الطويلة مع النظام ورغبتهم في الحد من خسائرهم في هذه المعركة الشعبية معه. أما بقية القصة، التي اتخذت عنوان الرئيس مرسي والجنرال السيسي ومأساة الإخوان المسلمين ومذبحة رابعة ومصلّي الفجر تعرفونها من دون شك...
(2) الإخوان المسلمون في سوريا والخيار الثوري المسلّح: 
في مقال تحليلي نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية على موقعها على الإنترنت  (13 مارس 2013) ،قال الكاتب الصحفي حسن حسن، وفقاً لشخصية كانت حاضرة في المؤتمر الأول لتنظيم المعارضة السورية، الذي عُقد في أنطاكيا بتركيا في مايو (أيار) 2011: «كان الإخوان في البداية مترددين من الانضمام إلى كيان سياسي مناهض للأسد. وكانت الجماعة قد علقت معارضتها لنظام البعث رسميّاً في أعقاب الهجوم الاسرائيلي على غزة عام2009، وانسحبت من التحالف مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق الذي انشق في عام 2005. ومع ذلك أرسلت جماعة الإخوان أعضاءً منها للمشاركة في المؤتمر، منهم مُلهَم الدروبي، الذي أصبح عضواً في المكتب التنفيذي للمؤتمر. وفي الوقت نفسه، اتخذت خطوات لتشكيل مجموعات قتال داخل سوريا، وتجنيد مقاتلين محتملين، واستغلال اتصالاتها التي كانت في البداية محدودة نسبيا على الأرض في كل من حمص وحماة وإدلب وحلب...
وبحسب الكاتب، فإنه عند تبلور فكرة توحد كتلة المعارضة لقيادة ثورة شعبية واكتسابها زخماً، أصبح الإخوان أكثر مشاركة. وبعد شهر من الاجتماع الذي عقد في أنطاكيا، نظمت مؤتمرا في بروكسل، حضره 200 شخص، غالبيتهم من الإسلاميين، والذي يُعد أحد عوامل الانقسام الأولى في وحدة المعارضة. نظمت جماعة الإخوان عدة مؤتمرات لاحقا شكّلت جماعات المعارضة لتعمل بمثابة واجهات لهذه الحركة، وسمحت لها بتعزيز وجودها في الكيانات السياسية.
بعد المؤتمر الذي عُقد في بروكسل، تم تشكيل ثلاث مجموعات على الأقل «لدعم الثورة السورية». وواصلت المنظمات عملية التكاثر، وبعد بضعة أشهر من المؤتمر الأول اندمجت تلك المجموعات في الكيانات المعارضة التي كوّنت في وقت لاحق نواة المجلس الوطني السوري، وهي مجموعة شاملة تمثل ظاهريّاً جميع القوى المناهضة للأسد. وحدد المجلس مقاعد للإخوان وأعضاء إعلان دمشق وهم مجموعة من الإصلاحيين السوريين تأسست في عام 2005، لكن لدى الإخوان وجود كبير بالفعل داخل جماعة إعلان دمشق. وقد التقى أعضاء جماعة الإخوان أيضاً مع المنشقين عن جيش النظام السوري في وقت مبكر. ويذكر الكاتب قول منشق عسكري له إن الجماعة طلبت منهم الولاء مقابل قيام الإخوان بالضغط على تركيا لإقامة منطقة عازلة على طول حدودها مع سوريا. ولم تكلل جهودهم بالنجاح في هذا الوقت، لكن في وقت لاحق فاز الإخوان بولاء العقيد رياض الأسعد الذي أسس الجيش السوري الحر (FSA)، ليحل محل حركة الضباط الأحرار ذات الميول العلمانية.
إن فصائل القتال المدعومة من قِبَل الإخوان قد شملت : لواء التوحيد، المدعوم من قِبَل قادة الإخوان في حلب، ولا سيما البيانوني ورمضان؛ وبعض العناصر في كتائب الفاروق القوية؛ وهيئة حماية المدنيين، التي تعتبر الجناح العسكري للإخوان بقيادة الحكيم ؛ وأنصار الإسلام، ومقرها في دمشق والمناطق الريفية المحيطة بها. وتمتلك جماعة الإخوان المسلمين كتائب في جميع أنحاء البلاد والتي عادة ما تتضمن أسماؤها كلمة «درع»، مثل درع الفرات، درع العاصمة، ودرع المسجد الأقصى. كما يقومون بالتنسيق في بعض المناطق الأخرى مع جماعات متشددة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام، وفقا لمنشقين عن الجيش.
(3) الإسلاميون في تونس والثورة:
- نعيد طرح سؤال البداية: أي دور للدين في الثورة؟
طوال كامل مراحل الحراك الشعبي التلقائي الذي جسّد ما نعنيه بالثورة التونسية لم نسمع شعارا واحدا يمدّ للدين بصلة. شعار واحد له وجهان أحدهما ديني وآخر اجتماعي- سياسي مدني هو شعار «الشهيد»: «يا شهيد يا شهيد على المبادئ لا نحيد» أو «يا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح». وهو شعار رفعه مواطنون غير مؤدلجين جنبا إلى جنب مع إسلاميين ويساريين وقومييين. وفي القصبة 1 و2 لا وجود لحضور الإسلاميين بما هم إسلاميون بل بما هم مواطنون مندمجون في الحراك الثوري الشعبي بشكل شبه كامل.
جاء في مقدمة كتابنا «أنوار من أجل رؤى حداثية أصيلة»: «كان شعار الثورة في البدايات الأولى شعارا تنمويا متمحورا حول الحق في الشغل: «التشغيل استحقاق يا عصابة السراق»، ثم جمع بين الحرية والحق في العيش الكريم: «خبز- حرية- كرامة وطنية». أي أنها ثورة، فيما لو كتب لها النجاح، ذات توجه ديمقراطي اجتماعي. ولكن سرعان ما وقع تحويل وجهتها إلى منحى هووي متشنج قابلته محاولات متكررة ومتوترة لتبديل القبلة غربا باتجاه الأم المرضعة العلمانية اليعقوبية الليبيرالية وأختها اليسارية، عوضا عن التوجه شرقا إلى ما يعتبره أنصار الهوية من الإسلاميين أُمّا  منجبة عربية إسلامية، لها نسخ متعددة في  عدد من البلدان الإسلامية، وأخيرا فقط في تونس. وفي كلا الحالتين هنالك ابتعاد عن عنوان الثورة الأبرز كما خطه شباب القصبة على جدرانها وكما هتفت به حناجرهم بقوة. وهكذا عوض الانسجام بين أصل الهوية ومطلب الحرية، وقع صدام بين مدعي حماية الأولى ومدعي رفع راية الثانية وحصل تصدع في الوعي الثوري الجماهيري الذي بلغ ذروته في القصبتين، عندما عاد كل واحد بعض انفضاض الجمع إلى قبيلته السياسية بكل ما تحمله من تقاليد ما قبل ثورية ديمقراطية. 
ما يمكن استنتاجه بعيدا عن التحيز الايديولوجي إلى هذا الطرف أو ذاك، ودون اتباع مسلك تحليلي سياسي يومي مباشر، هو أن هناك سوء فهم كبير، بين هذين الطرفين، ويشتد هذا الأمر أكثر مع من هو الأكثر تطرفا فيهما: السلفية بدرجاتها المختلفة الإخوانية والعلمية والجهادية من جهة،  والأصولية العلمانية بشقيها الليبيرالي واليساري من جهة أخرى.  
سوء الفهم الكبير هذا يتعلق أساسا بإقامة حد فاصل بين الهوية والحرية، بين الإسلام والعلمانية، وبين الأصالة والحداثة. أما الديمقراطية، فقد أصبحت مجرد أداة إجرائية تستخدم بصفة لا مبدئية، من أجل إحراج الطرف المقابل وإرباكه وتخوينه تمهيدا لإقصائه. وعندما تفشل هذه الطريقة، يصبح العنف والعنف المضاد هو سيد الموقف» (من كتابنا «أنوار من أجل رؤى حداثية أصيلة، ص. 10-11).
إقحام معادلة الشريعة/العلمانية في الصراع السياسي بين الإسلاميين والعلمانيين يساريين وليبيراليين نتج عنه تشتيت القوى الوطنية في مواجهة قوى الثورة المضادة ونتج عنه اختراق هذه القوى للساحة السياسية الوطنية من جديد عبر عناوين مختلفة أخذت في النهاية شكلا رسميا مدعوما ومدفوعا إليه من قبل القوى الخارجية واللوبيات المالية والمخابرات الأجنبية هو ما اصطلح على تسميته بالحوار الوطني الذي هو في النهاية عبارة عن تسوية تاريخية تمت لا بين الإسلاميين والعلمانيين (وهي تسوية تمت جزئيا في مبادرة 18 أكتوبر) ولكن بين قوى المعارضة التقليدية من جهة وأزلام النظام السابق من جهة ثانية، هؤلاء الأزلام المتوزعون حاليا على أحزاب تجمعية ودستورية ستخوض الانتخابات القادمة بعد سقوط مطلب تقنين تحصين الثورة، وهم متواجدون كذلك في المنظمات الوطنية التي عرفت بالرباعي الراعي للـ «حوار الوطني» كتجمعيين أو كيسار انتهازي عمل وتعاون مع نظام بن علي طوال عقدين من الزمن. قوى المعارضة كما هو معلوم لم تكن مصطفة في مواجهة الأزلام بل كان جزءا هاما منها حليفا للتجمعيين والدساترة فيما عرف بجبهة الإنقاذ الوطني التي اشتملت على حلف آخر أصغر بين اليساريين والتجمعيين وهو الذي عرف بـ «الاتحاد من أجل تونس». وفي النهاية، إذا ما تركنا جانبا بعض مظاهر التطبيع مع التجمعيين التي برزت في حكومة حمادي الجبالي، فقد رضخ الإسلاميون إلى إمضاء التسوية التاريخية مع التجمعيين انطلاقا من حادثة التحاق الشيخ راشد الغنوشي بشيخ نداء تونس الباجي قايد السبسي بباريس. وهو ما أفضى إلى خلخلة التحالف التجمعي اليساري الذي ما انفك يضعف إلى حين اقتراب موعد الانتخابات التشريعية وتشكيل قائمات نداء تونس التي جاء على رأسها التجمعيون في الغالبية العظمى من الحالات. ولا زالت الأحداث تتفاعل والمفاجآت تتالى.. 
وقد عبرت في أواسط أفريل 2013 (موقع جدل، 18 أفريل 2013) عن رأيي في موضوع المصالحة مع الدساترة جاء فيه: «في رأينا إن الأمر إن أردنا أن نستوفيه حقه من المعالجة، أي أمر المصالحة الوطنية والتسوية التاريخية بين الدساترة وعموم الشعب من الذين لم يكونوا في صف الحاكمين، لا الإسلاميون لوحدهم، فإنه يجب عندئذ الحديث عن معالجة تاريخية علمية ومعالجة ثقافية وفكرية ومعالجة تربوية يتم بها جميعا رأب الصدع الحاصل في وعينا الوطني ويتم بها مصالحة التونسي مع ذاته الحقيقية المركبة والثرية والتي لا يمكن لأحد أن ينكر أثر البورقيبية فيها ولا أثر الإسلام ولا أثر العروبة ولا أثر الحداثة، وإنما بنسب غير متنافرة تفضي إلى هذه الشخصية التونسية ذات المزاج المعتدل المتسامح المحب للحياة المقبل على التجديد والابتكار الرافضل لهيمنة والاحتكار لكل ضروب الوطنية والمشاعر الدينية والتوجهات الحداثية. وهذايتطلب فسحة من الزمن وسنوات من العمل بعيدا عن لهاث الانتخابات ووطأة الحسابات وفجاجة التكتيكات.
(4) السلفية والثورة في تونس:
توجد ثلاثة أنماط كبرى للسلفية المعاصرة: السلفية العلمية والسلفية الجهادية والسلفية الحركية.
أ- السلفية العلمية والثورة:
السلفية العلمية هي  فصيل دعوي بالأساس ويركز دعاتها على الجوانب الفقهية والعقائدية، وهم في ذلك متقيدون بالمراجع السلفية العلمية في الخارج، وينتشر هذا التيار في تونس بين أواسط الشباب، وله أتباع لكن ليسوا منظمين داخل جماعة أو حركة تنظيما هرميا متماسك مثل بقية فصائل الحركة الإسلامية، بل يغلب عليهم التفرق إلى مجموعات يتبع كل منها مسجدا أو جهة.
يحرم شباب السلفية العلمية الخروج عن الحاكم ولو كان ظالما، وانطلاقا من هذا الاتجاه نحو السلطة الحاكمة فإنهم يعتبرون الثورة فتنة وأنه لا شرعية لها باعتبار أن النظام الحاكم السابق لم يحارب إلا الذين حاربوه ولو أنهم التزموا معه السلم لسالمهم. وهم بذلك يتمثلون القول المأثور: «سلطان غشوم ولا فتنة تدوم».
ب- السلفية الجهادية والثورة: 
- في مقال لنا بجريدة «الضمير» بتاريخ الخميس 27 سبتمبر 2012 نبهنا إلى خطر أنصار الشريعة وقائدهم أبو عياض، حيث جاء في ذلك المقال بعد تعرضنا لحالتين من حالات التعامل الممكنة مع السلفية قولُنا: 
«آتي الآن إلى الحالة الثالثة، وهي الحالة الأكثر التباسا وهي كذلك التي تتسبب الآن في هذا الجدل الكبير القائم في بلادنا. وهي حالة ما يسمى بالسلفية الجهادية من أتباع أبي عياض (سيف الدين حسين). هذه الجماعة أمرها محيّر حقا. فهي من جهة تعلن تبنيها لخط الجهاد (العنف المقدس) ومن جهة أخرى تعلن أن تونس ليست بأرض جهاد (خطاب أبي عياض في اجتماع القيروان الشهير وخطبته في جامع الفتح منذ يومين على إثر أحداث السفارة الأمريكية) ويقول أبو عياض بأن من واجب هذه الجماعة رد الفضل إلى أصحابه ويعني بذلك الشعب التونسي الذي خلصه وإخوانه من الحكم الظالم لبن علي. وبالتالي لا يستقيم مجازاته بالعنف والتكفير. بل إن أعدادا كبيرة من أتباعه الجدد هم من ذوي السوابق الإجرامية ومستهلكي وبائعي الخمور خارج القانون. يقول أبو عياض «خلوا بيننا وبين الناس» و»دعونا ننصب خيامنا الدعوية من دون مضايقات» «ولكم الحكم والسياسة افعلوا بهما ما شئتم». طيب. هذا كلام لا يبدو فيه خطر ظاهر لا على الدولة ولا على المجتمع، وهذا خطاب يبدو إصلاحيا. هل فيه من إشكال؟ ! نعم فيه إشكال كبير !كيف؟ أولا: هذه السلفية تنعت نفسها بكونها جهادية. ما هو معنى الجهاد لديها وضد من توجهه؟ إذا كانت تستثني تونس من ساحات جهادها فهل يعني هذا أن يسمح لها بالقتال في دول أخرى صديقة وشقيقة، بينما تربطنا بها مواثيق حسن الجوار أو الأخوة أو الصداقة؟ هذا مما لا يجوز السماح به أبدا ! ولذلك فليس لهذه الجماعة أن تقايض الأمن الداخلي بإطلاق اليد في بقية دول الجوار والعالم...
 هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ما معنى قوله أن يخلى بينه وبين الناس؟ بصفته ماذا وبصفته من؟ هل هو صاحب حزب سياسي؟ أو جمعية خيرية؟ أو منظمة ثقافية؟ أو جمعية دعوية مرخص لها؟ ومن يكون له الحق في القيام بالدعوة الدينية في دولة حديثة أو تسعى أن تكون حديثة مثل تونس (تسعى إلى إعادة بناء حداثتها على نحو يتسع لمعنى الديمقراطية وحقوق الإنسان)؟ من له الحق في إدارة الشأن الديني؟ الدولة؟ أم المجتمع الأهلي؟ وزارة الشؤون الدينية أم الجمعيات الأهلية؟ ولكن الدعوة إلى الله هل هي فرض عين مباشر لكل مسلم ومؤمن أم تمر ضرورة عبر «أولي الأمر»: السلطة السياسية بالبلاد؟». 
هذه جملة التحفظات التي عبرنا عنها حول تنظيم أنصار الشريعة منذ يوم الثلاثاء 27 سبتمبر 2013 تاريخ صدور هذا المقال في جريدة «الضمير»، فمتى أعلن رسميا عن أنصار الشريعة تنظيما إرهابيا؟ بعد حوالي عام كامل(سنة إلا شهر) من هذا التاريخ. 
أصدرت وكالة (رويترز-تونس) خبرا مقتضبا جاء فيه: «قال رئيس الوزراء التونسي علي العريض يوم الثلاثاء إن تونس أعلنت جماعة أنصار الشريعة تنظيما «ارهابيا» بعد الحصول على أدلة تثبت مسؤوليتها عن قتل سياسيين علمانيين وعدة جنود».
ج- السلفية الحركية والثورة:
السلفية الحركية تشتمل في تونس على حزبين أو ثلاثة.  فقد شهد العام 2012 بروز حزبين سلفيين، الأول هو حزب جبهة الإصلاح التونسي، وهو أول حزب ذي مرجعية سلفية يحصل على ترخيص للعمل السياسي في تونس، ويُعرف الحزب نفسه بأنه «حزب سياسي أساسه الإسلام ومرجعه في الإصلاح القران والسنة بفهم سلف الأمة»، ويترأسه محمد خوجة، والثاني هو حزب الرحمة السلفي ويتزعمه سعيد الجزيري.
يمكن القول إن مواقف الأحزاب السفلية متماهية مع مواقف حركة النهضة ذات الأصول الإخوانية في أغلب القضايا التي أفرزها الحراك الثوري وأن بينها نوعا من التحالف الاستراتيجي.
رابعا: أي مستقبل للدين بعد الثورة؟
إذا كان المقصود بالدين رسالة الإسلام الخالدة فهذا أمر محسوم منذ قوله تعالى «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» (الحجر:9).
أما إذا كان المقصود به الحريات الدينية فهذا من الناحية النظرية التشريعية قد نص عليه الدستور بشكل صريح في الفصل  السادس: «الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي.
تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها».
إلا أنه مما يستوجب اليقظة في الوقت الحالي لعدم المساس به تحت غطاء مكافحة الإرهاب.
وإذا كان المقصود هو وضع الحركات والأحزاب السياسية ذات الخلفية الدينية، فهذا يختلف من حالة إلى أخرى. وعموما إذا ما حصرنا اهتمامنا في الحركة الإسلامية الأكبر التي هي حركة النهضة فإنها مدعوة إلى التحول بشكل نهائي إلى حركة سياسية إصلاحية وطنية متجذرة في الإرث الإصلاحي المستنير ومتبنية بشكل حاسم للحداثة السياسية مستأنفة بذلك ما بدأه الثعالبي والنخبة الإصلاحية التونسية والعربية من جهود مؤصّلة لتركيز دعائم دولة وطنية حديثة متصالحة مع هويتها العربية الإسلامية ومتحاورة مع شركائها الأوروبيين ومنفتحة على مدارس تنموية متقدمة في آسيا وملتفتة بكل جد إلى جيرانها الأفارقة.
-------
أستاذ باحث بمركز البحوث والدراسات في حوار
الحضارات والأديان المقارنة بسوسة والمدير العلمي
لهذا المركز
msaddakj@yahoo.fr