الإفتتاحية

بقلم
لطفي الدهواثي
لا خاب من انتخب
 الذين لا يعرفون من أوروبا إلا وجهها الحالي ويعدّونها مدرسة في الدّيمقراطية والنّجاح، عليهم فقط أن يعودوا بالذّاكرة قليلا ليطّلعوا بأنفسهم على الثّمن الخرافي الذي دفعه الأوروبيّون من أنفسهم وأموالهم وعمرانهم في حربين أتتا على الأخضر واليابس وقتلت وشرّدت ملايين من البشر وليس ذلك شأن أوروبا وحدها  بل هو شأن شعوب أخرى كثيرة منها مثلا الشعب اللّبناني الأقرب إلينا تاريخا وجغرافيا.
نحن الآن في الشوط الأخير لأحد أهم المراحل في تاريخنا الحديث ولذلك كان من الواجب التّذكير بأنّنا لسنا أول شعب أضطرّ إلى دفع ثمن غال ليبدأ تحوّلا حقيقيّا من الاستبداد إلى الدّيمقراطيّة فالتّداول السّلمي على السّلطة . بل إنّ الثّمن الذي دفعناه لا يكاد يذكر مقارنة بأثمان أخرى دفعتها شعوب مثلنا، كانت تطمح في العيش الكريم .ولعلّ من المهمّ هنا التّأكيد أنّ دخولنا سباق الانتخابات لن يكون كافيا للاطمئنان على ما سيليه من مراحل لم تكن الانتخابات إلاّ خطوة من الخطوات الضروريّة في سبيل انجازها. 
ستزدان البلاد بطولها وعرضها بحلّة جديدة  وسوف ترتدي أبهى الثّياب لتقطع نهائيّا مع أجواء الكآبة التي كانت تحلّ بها كلّما قرّر الحاكم بأمره التجديد لنفسه ولعصابته، وسوف يكون بوسع البلد أن يفتح رئتيه بالكامل ليتنفّس هواء نقيّا فيه من عبق الكرامة وأريج الحرّية ما يجعل غالبيّة النّاس تلعن المخلوع ومن والاه ألف مرّة في اليوم وأكثر، فقد كانت رئة البلد تنكمش كلّما قرّر هو أن يجدّد لنفسه. إنّ علينا جميعا أن نؤكّد للمشكّكين وغيرهم من أصحاب النّفوس المريضة أنّ ما يحدث الآن في البلد ليس هيّنا ولا هو بالحدث الذي يمكن الاستخفاف به لأنّ أجيالا من المناضلين والمفكّرين والثّائرين دفعت ثمنه مسبّقا نيابة عن الشّعب كلّه وليس مسموحا للمتسلّقين وأشباه الرّجال التّهكم بصفاقة على منجز انتظرناه طويلا وكدنا نفقد الأمل في الوصول إليه في يوم من الأيام.
لن يمرّ حدث الانتخابات من دون تشكيك وسوف تعمل جوقة من المتحذلقين وبائعي الكلام جاهدة من أجل إيهامنا بكون الدّيمقراطية ليست هكذا وبكوننا لن نحصل في النّهاية على شئ أفضل ممّا كنّا فيه وأنّنا ما زلنا شعبا قاصرا لا يحسن إدارة شأنه بنفسه وثمّة من سيقول لنا بأنّ التّجربة تنقض المترشحين ومن سيحكمون لاحقا وكأنّنا لم نعرف ما الذي فعله أصحاب التّجربة المفترضين بهذه البلاد على مدى السّنين الفارطة وكيف استلمنا منهم بلدا أقرب ما يكون إلى الخراب سياسة واجتماعا وعمرانا .وكذلك لن يمرّ هذا الحدث دون إثارة سيل من الأسئلة قبل اليوم العظيم وبعده ، هل ستستطيع الأحزاب التي حكمت أن تخرج من دائرة التشكيك والاستهداف إلى دائرة المصارحة والمكاشفة ليعرف الشعب حقيقة ما جرى قبل الحوار الوطني وبعده ؟ وهل ستكون الحملة الانتخابية كافية ليُقال فيها ما لم يُقل في سنين ثلاث ؟ هل ستلتزم الأحزاب بميثاق الشّرف الأخلاقي أم أنّها ستنسى في خضم بحثها عن الناخب والمناصر كل ما التزمت به ؟ هل ستستطيع الهيئة المشرفة على الإعلام ممارسة الحياد الإيجابي وتوفير مناخ ملائم للمنافسة النّزيهة أم أنّها ستغضّ الطّرف عن ممارسات مشينة قد تحدث في الخضم الانتخابي خصوصا إذا كانت هذه الممارسات تخدم مرشّحي الدّولة العميقة ونفوذها؟ هل سوف يكون المشهد تنافسيّا شريفا كما هو المأمول أم أنّ السلطة و إغراءها سوف يجعلان من المنافسة أشبه ما تكون بالقتال؟ هل سوف يكون المجتمع المدني مجتمعا مدنيا بحق أم سوف يكون مدنيّا فقط مع بعض القوى دون غيرها؟ هذه بعض من الأسئلة التي ستلف المشهد السياسي والتي ستتوالد عنها أسئلة أخرى كلما اشتد السّباق وضاقت رقعة الأيام ونحن في الحقيقة ينتابنا منذ الآن شكّ في الكثير ممّا حدث ويحدث وإن كنا نرجع بعضه إلى حدّة التّنـــافس فإنّنا لا نستطيع أن نرتاح لبعضه خصوصا إذا صدر عن أناس نعرف نواياهم و حقيقة تفاعلهم مع الحرية ومع الدّيمقراطية وخاصّة مع حرية التفكير والضمير.
لا يسعنا في النّهاية إلاّ أن نشدّ على أيدي كلّ المناضلين في سبيل الحريّة وحقّ الشّعب في حكم نفسه بنفسه ونحن وإن كنّا من غير الميّالين للخطاب المباشر إلاّ أننا نرى من واجنا في هذه الأيام الفارقة أن نحثّ الجميع على المشاركة في هذا اليوم التّاريخي وممارسة الحق والواجب .إنّنا بالتأكيد سوف نربح وطنا إذا صوّت النّاس لذوي الكفاءة من المرشّحين بغض النظر عن الرافعة الانتخابيّة  فقد تتوفر الكفاءة في مرشحي الأحزاب الصّغرى بأكثر ممّا تتوفر لمرشحي الأحزاب الكبرى أما مدّعي الاستقلال فشأنهم عندي ضئيل وهل يوجد حقيقة مستقلّون؟ وكم وقفنا على استقلالهم؟  لا خاب من انتخب.
------
- مستشار في الخدمة الإجتماعيّة  (lotfidahwathi2@gmail.com )