الإفتتاحية

بقلم
فيصل العش
من هنا يبدأ الإصلاح
 يصدر هذا العدد من مجلّة «الإصلاح» بعد أيام من انطلاق السّنة الدّراسيّة الجديدة ولهذا وجب علينا أن نعرّج في هذه الافتتاحيّة القصيرة على موضوع هامّ وخطير في نفس الوقت، لكنه لم يرتق إلى مصاف أولويّات الحكومات المتعاقبة بعد الثّورة ولا ضمن الموقع الذي يستحق ضمن برامج أغلب الأحزاب السّياسيّة وبقي صوت المنادين إلى التطرق إليه خافتا وضعيفا. إنّه موضوع «إصلاح المنظومة التربوية». 
لقد كشفت الثّورة التّونسيّة عن سوْءة النّظام القديم وفضحت جرائمه التي لا تحصى ولا تعدّ في حقّ الشّعب التّونسي ومن بينها ما فعله بالمنظومة التّربويّة على مدى 23 سنة، حيث انتشر الفساد في جلّ مجالات التّربية وتعكّر المناخ التّربوي وتفاقمت ظاهرة الانحطاط القيمي في المؤسسات التربويّة بمختلف أنواعها، مما تسبّب في تراجع مكانة المربّي الاجتماعيّة وتفشي مظاهر العنف واللامبالاة داخلها. كما تلاعب الدّكتاتور وعصابته، التي لا همّ لها سوى الرّبح المادّي والسّيطرة على المواقع ، بأجيال من التّونسيّين سواء على مستوى التّكوين أو على مستوى تحقيق أحلام المتخرّجين منهم في الحصول على شغل شريف يتماشى مع الشّهائد العلميّة التي تحصلوا عليها.
واليوم ونحن ندعو إلى تأسيس حكم جديد قوامه الحرّية والمواطنة والعدالة، لابدّ أن نولّي مسألة «إصلاح المنظومة التّربويّة» الأهميّة التي تستحق ونجعلها من أبرز الأولويّات التي يجب الخوض فيها ووضع الاستراتيجيات الملائمة التي تفضي إلى تحقيق الهدف المنشود وهو إرساء منظومة تربويّة قادرة على بناء المواطن التّونسي المتشبّع بقيم العمل والإتقان والابتكار والتّضامن، المسؤول عن نهضة بلاده وتقدّمها. أمّا إهمال الخوض في هذه المسألة والتّركيز على مسائل أخرى أقلّ أهميّة منها فذلك دليل على عجزٍ في إيجاد حلولٍ لقضايانا المصيريّة ورغبة في المزيد من تعفين الوضع التّربوي في البلاد.
إن إصلاح المنظومة التّربويّة يجب أن يكون إصلاحا جذريًّا شاملا لا يعتمد الترقيع ولا التخصيص، ولن يتحقّق هذا الإصلاح إلاّ عبر قرارٍ تشاركيٍ يكون نتاج حوارٍ وطنيٍّ عميق يجمع مختلف الأطراف المتداخلة والمؤثرة في المنظومة التّربويّة من دون إقصاء (الخبراء والمربّين والمشرفين البيداغوجييّن والإداريّين والعملة وأولياء التّلاميذ والتّلاميذ أنفسهم، ومختلف مؤسسات المجتمع المدني...) وينطلق من قراءة سليمة موضوعيّة للمنظومة الحاليّة تحدّد نقاط قوّتها ونقاط ضعفها وترتكز على مناهج علميّة في البحث والتّدقيق من دون عنتريّات بعيدا عن أجواء الشّحن الإيديولوجيّ والتّوظيف السّياسي الحزبيّ. كما يأخذ بعين الاعتبار آثار الثّورة المعلوماتيّة والتكنولوجيّة على حياة النّاس سلبا وإيجابا في كلّ أنحاء العالم والتّطور اللاّفت للمعرفة وتنوّع مصادرها وما شهدته المؤسّسات التّربويّة عبر العالم من تحوّلات جوهريّة .
ويفترض أن يجيب مخطّط إصلاح المنظومة التّربويّة، الذي قد يتطلب إعداده عدّة سنوات، عن سؤالين رئيسيّين الأول:  «أيّ رسالة للمؤسّسة التّربويّة التّونسيّة ما بعد الثّورة؟» والثّاني: «أي نموذج يريده التّونسيّون؟»
كما يفترض أن يضع التصورات للمنظومة في جميع جوانبها مثل الفضاءات المدرسيّة والتّجهيزات التّعليميّة والتّنظيمات الإداريّة وطرق التّصرّف في الموارد البشريّة والماليّة، كما يشمل البرامج في مضامينها ووسائلها وطرق تنفيذها وتقييمها، وكيفية الرّفع من منزلة الإطار التّربوي المادّية والمعنويّة. 
إن إصلاح مثل هذا يفرض تخصيص ميزانيّة محترمة قادرة على تلبية متطلّباته وهو ما يعني بالنّسبة للمجموعة الوطنيّة  تضحيات جسام وتأجيلِ بعض المطالب من أجل الاستثمار في الأجيال القادمة. فهل يستطيع من سيرفعه صندوق الانتخابات القادمة إلى سدّة الحكم أن يسير في هذا الاتّجاه ويراهن على التّربية أم سيبقى «الإصلاح» مجرد شعارات ترفع في كل وقت وحين من دون تحقيق فعلي لها؟ 
                                                                                             faycalelleuch@gmail.com