قبل الوداع

بقلم
لطفي الدهواثي
الرهان على النجاح
 ربنا من اليوم الموعود كلّما ازداد إدراكنا لحجم التّغيير الهائل الذي طرأ في هذا البلد .لا نريد الدّخول في تفاصيل الأحداث من جديد ولا أن نطرح السّؤال التقليدي الذي ما زالت بعض النّخب تطرحه وهو السؤال المتعلّق بحقيقة ما حدث هل هو ثورة أم هو انتفاضة أم هو مؤامرة أم هو ماذا؟. إنّ  كل ما قيل عن ذلك الزّلزال الرّهيب يحتمل الخطأ كما يحتمل الصّواب وما زالت تلك الأحداث لم تفصح عن مكنونها الحقيقي بعد، وليس مهمّا في اعتقادنا البحث في مثل هذه الأسئلة بل المهمّ هو البناء على ما سبق لتأسيس واقع جديد بدأت لحظته الأولى مع هروب المخلوع وما هذه الانتخابات إلا خطوة أخرى نحو إزالة كلّ مخلفات الماضي القمعي لكي نستطيع بمراكمة الفعل الإيجابي في كل مرّة أن نصل إلى تحقيق أهدافنا كلّها من دون أن نقيم وزنا لكون الثّورة الحقيقيّة هي الثورة التي تطيح بالماضي كلّه دفعة واحدة لتبني على أنقاضه حاضرا مجيدا.
لم يعش هذا الشّعب من قبل تجربة الاختيار الحرّ لحاكمه وكان يفترض به أن يفشل في التجربة الأولى ولكنّه نجح في انتخاب مجلس تأسيسي وتلك التّجربة كانت بنت الظّروف التي أنتجتها ولذلك شابتها الكثير من النّقائص ولكنّها كانت في العموم محطّة هامّة أنتجت دستورا جديدا ومهّدت لهذه الانتخابات والأهم من ذلك أنّها حافظت على كيان الدّولة من التصدّع ووفّرت للنّخب والأحزاب فرصة لإدارة الصّراع بينها في كنف الاستقرار الأمني  والسّياسي  والذي ينظر إلى تجارب الشعوب من حولنا يستطيع أن يتبين الفرق بين ما نحن بصدده الآن وما تكابده تلك الشعوب من مآسي. 
نحن كلنا الآن شعبا ونخبا في الأمتار الأخيرة من مشوار لم يكن طويلا ولكنّه كان مرهقا ولا بديل لنا عن استكمال هذا المشوار حتى نهايته من دون أن نغفل أنّ المتربصين بالبلد لم يلقوا أسلحتهم ولم يسلموا بما حدث وما زالوا يحاولون إجهاض التجربة الدّيمقراطية في تونس ولكن فرصهم في النجاح ضئيلة وهم لا يراهنون إلاّ على غباءنا أو على بعض الخارج وسوف يكونون سعداء لو استطاعوا إيقاف مسار الانتخابات أو انفضّ النّاس من حول السّياسيين ولم يقبلوا على صناديق الاقتراع كما هو المأمول، لأنهم حينها سينقضّون على هذا الشعب بدعوى فشل المسار كلّه ومن ثم ّفلا بد من تأسيس مسار جديد.
لن تكون هذه الانتخابات حدثا عابرا في تاريخ هذا الشعب  بل سوف تكون محطة مفصليّة في تاريخه، فهي انتخابات تأتي في ظرف دولي بدأ فيه الضغط  يشتدّ على دول الرّبيع العربي حتى أصبح الحديث عن هزيمة هذا الرّبيع أو التّقليل من شأنه حديثا عاديّا بل لقد تجرّأت المنظومات القديمة على العودة من جديد إلى السّاحة والحديث عن مكانتها وعن الدّور الذي ما زال باستطاعتها أن تلعبه في حياة الشّعوب باعتبارها صاحبة التجربة والأقدر على الحكم، ولم تعد تتبرّم من ماضيها البائس أو تفكّر في الإعتذار عنه وهي تكاد تجزم بفوزها في الانتخابات القادمة بعد أن يختارها هذا الشعب طواعيّة وبكل حرّية لأنه أدرك أخيرا أهميتها. كما أنّ هذه الجولة الجديدة تأتي وسط انقسام هائل في السّاحة السّياسيّة وصراع محموم بين رفقاء النّضال بالأمس حيث لم تستطع النّخب أن تنسى خلافات الماضي السّحيق أو تدرك أهميّة الوحدة من أجل المرور بالبلد من حقبة الدّيكتاتورية إلى حقبة الحكم الرّشيد ومن حقبة الصّراع بين نخب مناضلة ونظام قمعيّ إلى حقبة التآلف بين رفقاء الماضي من أجل قطع الطّريق على المنظومة القديمة والخروج بالبلد من عقليّة التّسلّط والزّعامة الفاسدة الى عقليّة التواضع من أجل النّجاح والبناء .
لن يحتمل البلد انتكاسة نحو جحيم الماضي ولنا في ما يحدث في مصر خير مثال ولعلّنا نتفاءل خيرا بعدد المسجّلين في قوائم الناخبين، وربّما ذهب بنا التفاؤل إلى  ما يشبه اليقين بأن هذا الشّعب سيقبل على الانتخاب في اليوم الموعود وسيكون صاحب القول الفصل في تحديد مصيره لأنّ كل ما جرى من محاولات التيئيس فشل في التأثير على المواطنين، ففشل بذلك الرّهان على عزوف النّاس عن تسجيل أسماءهم كما سيفشل الرّهان على ضعف الإقبال على التصويت وكم أتمنّى شخصيّا أن تأتي النّتائج مخيبة لآمال المراهنين على الفشل وقاصمة للذين يظنّون أننا نسينا ما فعلوه بنا على مدى عقود من التّسلط والقمع واختلاس الثروات والارتهان للأجنبي، بل والتّرويج لنمط مجتمعيّ منبت عنا وعن قيم الحداثة التي كانوا يتشدّقون بها .
هل سيصّوت الناس للأحزاب أيّا كان المترشحون على القوائم الانتخابية ؟ هل سيصوّت الناخب لمن يأنس فيه الكفاءة بغض النظر عن صغر حجم الحزب الذي ينتمي إليه؟ هل سيعاقب الناخب أحزابا ويجازي أخرى ؟ كلّما اقتربنا من الموعد كلّما ألحّت علينا الأسئلة، فقط يجب أن نظلّ موقنين بأنّ الأهم بالنّسبة للبلد هو النّجاح في هذا الاستحقاق وما دون ذلك قابل للإصلاح..