نقاط على الحروف

بقلم
عبدالعزيز الرباعي
على البعض مراجعة حساباتهم
 الكثير من أصدقائي ممن جمعتني معهم محطات نضالية خاصة تحت مظلة الاتحاد العام التونسي للشغل...يستغربون من بعض مواقفي مما يقع على السّاحة السّياسية ببلادنا وخاصة موقفي من حركة النهضة والتيار الإسلامي ومن بقية الأحزاب وخاصة الخارجة من جلباب التجمع المنحل...
وقد وصل الحال ببعضهم لمعاداتي وشتمي بسبب مواقفي تلك التي لم ترقهم لأنّها لم تأت حسب مزاجهم...
ورغم أنّنا بالأمس كنّا نشكّل قوائم انتخابيّة نقابيّة بالتّنسيق مع بعضنا لمحاولة اختراق البيروقراطيّة النقابيّة وتطوير العمل النقابي...إلّا أن ذلك لم يشفع لي اليوم عندهم...
وكنت دائما أحاول تجنّب الدخول في مهاترات عقيمة معهم احتراما لما جمعنا ذات يوم من روابط الصّداقة والزّمالة ...ولكنّني لم أفهم إلى اليوم ...كيف أنّ من كان بالأمس يظهر على أنّه من أشرس المعارضين للنّظام وأكبر المعادين له...وأنّه مستعد لتجاوز كل الخلافات الحزبيّة حتى مع التيار الإسلامي «هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات» من أجل الإطاحة بالنّظام الدكتاتوري النوفمبري...ينقلب 180 درجة ليصبح التجمعيون أهم حلفائه «جبهة الانقاذ؟» ويعود لمهاجمة كل من هو في الحكم حتى وإن كان ديمقراطيا أو علمانيا أو حقوقيا...؟؟
السؤال هنا هو : ما الذي تغيّر؟؟؟؟
إن كنتم حقّا صادقين في طرحكم فإنّ ما كنتم تطمحون إليه قد حصل. لقد أسقط الشعب بثورته نظام الفساد...وأصبح المجال السّياسي مفتوحا للجميع...وفتح باب الحقّ في  التعبير على مصراعيه...وشارك الجميع في الانتخابات التي أشاد الجميع بنزاهتها ...ولكن لمّا ظهرت النّتائج التي أصابت البعض بالصدمة بدأ الوجه الحقيقي بالانكشاف...
لم يكن المطلوب بناء الدّيمقراطية ...وليس الحريّة والكرامة...وليس التّنمية والرّفاه والأمن والإستقرار...بل كان الهاجس والهدف ومربط الفرس هو الوصول إلى الحكم...ورغم أنّني لا أنكر هذا الحق على أحد... فما جعلت الأحزاب إلاّ لممارسة الحكم..إلاّ أن محاولة قلب الطاولة على الجميع ورمي التّهم جزافا وتعطيل كلّ أو جل مرافق الحياة والتّهديد والوعيد وسبّ النّاس وشتمهم ونشر الشائعات وتهويل الأمور وتأليب النّاس إلخ....عند الفشل في الوصول إلى الحكم عبر الأساليب الدّيمقراطية التي كانت بالأساس هي شعارات الأمس ... تجعلنا نشكّ في كل الطروحات التي كانت تتبنّاها تلك الفئة السّياسية وتعتبرها من المقدّسات.
الدّيمقراطية أروع نظام حكم في العالم إذا أوصلتني أنا إلى الحكم...أما إن لم يكن الأمر كذلك... فيتحوّل الشّعار إلى « ثوّار ثوّار وبالشّعب المسلح حنكمل المشوار»؟؟؟ ألا يعتبر هذا أكبر استبلاه للنّاس...ثم يخرج علينا زعماؤهم ليندّدوا بنزوع الطرف المقابل للعنف ودعمه له بينما هم متمسّكون بالحوار والنهج السلمي؟؟؟
هم لا يثقون في تبني الإسلاميين للديمقراطية ويقولون إنها بالنّسبة لهم تستخدم مرّة واحدة للوصول إلى السّلطة ثم ينقلبون عليها...في تونس هاهي حركة النهضة تكذّبكم مرّتين...أما الثّالثة فقد كذبتم خلالها أنتم أنفسكم بأنفسكم...عندما حاولتم الانقلاب على الدّيمقراطية بكل الطّرق والنسج على المنوال المصري...؟؟؟
ألم يكن من المفروض أن يكون المؤمن بالديمقراطية والمبشّر بها هو أول من يقدّم المثال ويرضى بنتائجها ويعمل على تحسين أدائه وتقديم الأفضل للمجتمع والتفاني في خدمة النّاس إن لم يسعفه الحظّ بالفوز بالانتخابات حتى يكون هو البديل عند تعثّر أو فشل المنافس السياسي ؟؟؟
إننا لم نر شيئا من هذا البتّة في بلادنا. بل على العكس من ذلك ومنذ اليوم الموالي لظهور نتائج اللانتخابات «23/11/2011»  قدم السّياسيون ممّن يدّعون الديمقراطية والتقدّمية أسوء مثال عن الحياة السياسية والعمل السياسي في تونس. «نحن سنكون في صفّ المعارضة منذ اليوم» قالها أحدهم متحذلقا لعلّه يبرّد نار الحقد من الهزيمة النّكراء التي مني بها . وتحوّل التّنافس إلى صراع مرير وقذر في الكثير من الأحيان من أجل تشويه الآخر ومنعه من فعل أي شيء ...ومعاقبة الشّعب على اختياره السيء..
ثم اتّجهت الجماعة إلى ما لم يكن يتصورأحد أنه يمكن أن يحدث...إنّه تحالف جلاّد الأمس مع ضحيّته...والغريب أنّ ذلك لم يكن من باب تقديم مصلحة الوطن أو من باب عفا الله عمّا سلف..أو من باب «وإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم»..لا..وإنّما من باب عدّو عدّوي صديقي...ولو كان ذلك العدّو هو ألدّ خصامي...وهنا تتجلّى الانتهازيّة والنّفاق السّياسي عند هذا التّيار...
إنقلبوا على شعارهم «صحّة اللّحية يا تجمع» بسبب بعض التجمعيين الذين واصلو عملهم ببعض المواقع الإداريّة لأسباب يمكن تفهّمها إلى تحالف كامل مع التّجمع وأمينه العام  أصلا والدّفاع بشراسة على حقهم في المشاركة السياسية ؟؟؟
إن كان برنامجكم السّياسي يختزل في شتم ومعادات طرف مخالف لكم إيديولوجيا...
إن كنتم أول من ينقلب على الدّيمقراطية لأنّها لم تأت بكم للحكم...
إن كان إخفاقكم يجعلكم تعطّلون مسار التّنمية لوطن بأكمله...
إن كنتم تهدّدون باستخدام العنف الثّوري وتتّهمون غيركم بالقيام به...
إن كنتم مستعدّون للتّحالف مع الشّيطان... حتى من أجل الوصول إلى الحكم...ولو على حساب كل شيء...فكيف تريدون منّي أن أصدّقكم...أن أطمئن إلى وعودكم مهما كانت برّاقة...وأثق بأنّكم ستنفّذون ما تقولون...وأنّكم لن تنقلبوا على كل شيء مثلما أنتم تفعلون الآن وكنتم تفعلون دائما؟؟؟
أخيرا أقول لكم ناصحا إن كل الضجيج والصخب الذي تقومون به لن ينفعكم...وكل تلك الهستيريا وذلك الكمّ الهائل من الكذب والشّتيمة لن يغير من الواقع شيئا. فالتونسيون أذكى من ذلك بكثير....إن كنتم تريدون حقّا إقناعي وإقناع غيري فعليكم بتغيير أدائكم واعتماد الصّدق في القول والإخلاص في العمل...فنحن لم نر لكم عملا غير التّظاهر في الشّوارع أو الظّهور عبر وسائل الإعلام لممارسة هوايتكم في السّب والشّتم ولعن كل شيء والتّشكيك في كل شيء ...
أعلم أن الكثيرين لن يروقهم مثل هذا الخطاب...لكنّني ما أردت إلا أن أصدقكم القول وأن أنصح لكم لأنّني أؤمن أن تونس للجميع لكن على كل من يعيش على أرض هذا الوطن العزيز أن يكون أهلا لذلك خاصّة إن كان يطرح نفسه على أنّه من النّخبة وأنّه البديل الأفضل لكل الأزمنة والأماكن.
-------
-  ناشط سياسي ونقابي
azizrebai@yahoo.fr