خواطر

بقلم
شكري سلطاني
غزّة أرض الكرامة والعزّة
 تأبي الكلمات والعبارات أن تنطلق خجلا من دماء شهدائنا ويتردّد القلم أن يكتب ويعبّر لحقارة النّفس وضآلتها أمام قوافل الشّهداء من أطفال ورضّع وشيوخ ركّع ونساء تستغيث عزّل، ولكنّ أضعف الإيمان وحتّى لا يغيب صوت الحقّ كما غابت صولته، نكتب ونعبّر ونوضّح، فهذا زمن الفتن وقلب الحقائق والوعي المقلوب، ماء آجن ولقمة يغصّ بها آكلها.
غزّة أرض الكرامة والعزّة أرض كرب وبلاء وتعدّد الصدام واللّقاء وتجدّد الشهادة والتضحيّة والعطاء، فهي أرض الفداء مجال الحقيقة وساحة البلاء .
لقد إعتام أمر الإله فأخرق في بني العرب بأنيابها وبرز من أولئك الذين هم أشد كفرا ونفاقا ( الأعراب) قلب الحقائق من تبرئة للجاني المعتدي المحتّل الغاصب الهمجي الماكر المخادع الجبان وأدين الضحيّة المحاصر اليتيم المشرّد الصابر الشجاع، فيا لهول المصيبة بظلم القريب وشماتته نكاية وعداوة وحقدا .
إنّ الظروف الموضوعيّة والماديّة والواقع الدّولي شجّع بني صهيون للتّمادي واستباحة الدّيار وعدم احترام أي ميثاق وقانون دولي بقتلها الرّضع والأطفال وهدم المساجد وقصف المستشفيات والملاجئ ولو كان الأمر والحال غير ذلك لما تجرأت بيت العنكبوت على مزيد نسج خيوطها والتمدّد. فلقد عتوا وعلوا علوّا كبيرا بإمكانات ماديّة وتكنولوجيا متطوّرة وأسلحة دمار شامل تهلك الحرث والنّسل، ولقد أصبحوا أكثر نفيرا وسيطروا على العالم ومفاصل الاقتصاد العالمي، فقلبت الحقائق لأجلهم وتغاضى المجتمع الدولي عن خروقاتهم ورعونتهم ومجازرهم المهينة للانسانية.
تعاطفت معهم وساندتهم دول الاستكبار والمصالح وما من عجب لذلك فهي دول استعماريّة، لكن العجب أن ترى من بني جلدتنا من يدعمهم ويؤازرهم حاقدا على من هم من أهله حماة العرض والشّرف والدّيار. فلقد تشابهت القلوب وتجانست الأخلاق فتولّدت من ذلك قبيح الأفعال وسيء الصنائع إذ من تولّهم فهو منهم فالله لا يهدي القوم الظالمين .
إن القضيّة عادلة ولا ينخدع وينجذب إلاّ الغمر اللاّهي السّاهي، فالصراع دائر والتحدّي قائم والأمر غير لعاب فصراع الحق والباطل والصراع بين قوى الخير وقوى الشّر موجود منذ زمن قابيل وهابيل وتتالت بعدها الوقائع والأحداث والمدارات والجراحات في زمن الرّسل والأنبياء وتواصلت بعدهم مع الصّالحين وفي كل زمن وحين، وكرأسمال رمزي حادثة مقتل الحسين بكربلاء ظلما وعدوانا، ورغم فداحة الجرم انتصر الدّم على السّيف وتوارث الصادقون الشّرفاء المخلصون المجاهدون معاني الإباء والشّرف عبارات الحسين الرنّانة الباقيّة التي تحمل معاني العزّة والشموخ وعدم الخنوع والاستسلام للباطل «هيهات منّا الذلّة» و «مثلنا لا يبايع مثلك» خطاب سبط نبيّنا محمّد عليه وعلى آله أزكى الصلاة والسلام،  سيد الشّهداء إلى يزيد الفاسق الفاجر المعتدي الآثم ومنه إلى كل البغاة الظلمة الفجرة إخوان الشياطين، ذاك صراع ناصع جليّ بين بواعث الخير ونوازع الشّر الكامنة في الإنسان .
غزّة أرض العزّة أرض الإباء، منارة الحقيقة فيها «رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه» إذ لا يأكل الشّريف الشّهم الأبي بذلّ ويصافح العار. إنها تأبى أنفس حرّة أبيّة وأنوف حميّة، فرسان معربدة في الأنام وسرّ شاع في القدم .
بنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم* وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا
من ينظر ويتفحّص ما عند أعدائنا من إمكانات وتجهيزات وخبرات وتكنولوجيا متطورة وإسناد قويّ من قوى البغي والجبروت ويقارن ذلك كله بما نملكه قد يصاب بالإحباط والخيبة، ومن يعاين الوقائع والأحداث والرزايا والمصائب والبلايا وتتاليها عندنا قد يتسرّب إلى نفسه اليأس، ولكنّ الأمل في الله كبير فلا أمل لنا إلاّ باستدعاء تلك القوة التي لا تقهر والتي لا تقف أمامها أي أسباب مهما عظمت إذ لا حول ولا قوة إلاّ بالله وما النصر إلاّ من عند الله.
 
- استاذ أول علوم الحياة والأرض
chokrisoltani@gmail.com