الكلمة الحرّة

بقلم
محمد الحبيب
عناصر القوة في الإسلام
 في الفترات الأخيرة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لوحظ صدور تقارير أمريكيّـــة متتابعة ومتنوّعة المصادر تتحدّث عن مواصفات «الإســـلام» الذي يمكن اعتباره معتدلا مسموحا بوجوده عالميـــا، سمّـــوا هذا «الإسلام» أحيانا بالإسلام المعتدل وأحيانا بالإسلام المدني وتـــارة بالإسلام الدّيموقراطـــي، وعلى هذه الأسس أقاموا المؤتمرات والبرامج الدّوليّة وغيّروا في المناهج وصنّعوا النخب الدّينيّة والثّقافيّة والأكادميّة، بل على هذه الأسس والمعايير أداروا سياسات وعاقبوا أنظمة بالحصار وواجهوا أخرى بالقوة العسكرية!
إنها وإن كانت حرب مصالح من جانبهم، لكنّ بعدها الفكري أصبح حاضرا وبقوّة، لأنّهم أدركوا عبر خبرات طويلة في مواجهة الشّعوب المسلمة أن القوّة العسكريّة لن تحسم الحرب، إنّ الإسلام عقيدة وشريعة وحضارة ومحرّكا عاطفيّا لشعوب ضخمة يمتلك بالفعل مقومات هدم تمدّدهم الإمبراطوري والاستعماري مهما توحّشت آلتهم العسكريّة، وإنّ الذي لا يصل لهذه النّتيجة في الحاضر يمكنه أن يصل إليها عبر مراجعة الماضي منذ ميلاد تلك الأمّة الجديدة، والتّاريخ خير معلّم وشاهد، ومن لا يعتبر من التّاريخ فإنّه حتما سيصير عبرة من عبره، وإنّ غدا لناظره قريب!
إنّ الإسلام تميّزه ثلاثة عناصر يدركها أعداؤنا بوضوح، كلّ عنصر منهم هو حاجز صدّ أمام تمدّد الإمبراطوريّات وعلى كلّ عنصر شنّوا اليوم حربا فكريّة مختلفة.
العنصر الأول:
 الاكتفاء الذاتي القيمي والتّشريعي
أي اكتماله القيمي والتّشريعي بما يكسبه صلابة فكريّة يصعب معها الاختراق بأفكار مشبوهة، اكتمال يجعل له مناعة أمام هجمات المحرّفين وصولات المبطلين، كما يجعل منه بديلا حضاريّا محتملا لحضارتهم القائمة اليوم ولهذا واجهوه بما يمكن تسميته اختصارا «الحرب على الشّريعة››. إن اكتمال الإسلام على المستوى العقدي والتشريعي والحضاري والثّقافي هو اكتمال يقلق القوى التي تستخدم الأفكار لتتسلّل بها إلى الشعوب قبل تسلّل جيوشها!
وفي ذلك حرّكوا طابورهم الخامس وأدواتهم في بلادنا ليشكّكوا الشّعوب في هذا الاكتمال ويثنونهم عن الاعتزاز بهذا العنصر ويشوّهوه في أذهانهم حتّى يتمكّنوا من خلق فراغات قيميّة وتشريعيّة يملؤونها هم بما يريدون، وقد ساعدهم في ذلك أيضا أفعال من رفعوا شعار هذه الشّريعة بفهم مغلوط وخطاب منفّر وعرض مجتزئ لا يتّفق بتاتا مع هذه الشريعة المكتملة ولا مقاصدها! 
العنصر الثاني:
المخــــــــــــالب
الإسلام دين له مخالب يوقظ روح العزّة فيمن يحمله ويضع بذور المقاومة والإباء ضدّ كل معتد عليه أو على حامليه، إنّه دين يجعل بداية الحياة الحقيقيّة يوم يموت المرء في سبيل الله، دين يصيغ منظومة القيم في قلوب أبنائه ليصبح الموت أسهل خيار يمكن أن يختاره المسلم إذا تعلّق الأمر بدينه أو عرضه.
ولذلك شنوا ما يمكن تسميته بـ «الحرب على الجهاد» أو ما سموه هم «الحرب على الإرهاب» وبدؤوا في نشر تُهم ومصطلحات تخلق حاجزَ صدّ بين الجماهير وبين هذا العنصر مثل:- الإرهاب - تكريس الكراهيّة - الدّعوة للعنف الخ...
وفي نفس الوقت، استخدموا هم كل وسائل الإرهاب والعنف وتكريس الكراهيّة في حربهم مع الشّعوب تحقيقا لأغراضهم ومصالحهم.
إنّك إذا تأمّلت تعريفهم للإرهاب ووصفهم له ستجد الأمر متخطيا لما يخطر بالك من الحديث عن جماعات مسلّحة بعينها، فكثير من استراتيجيات الحرب على الإرهاب هي فكريّة وليست عسكريّة ولا تستهدف فقط (الراديكاليّين أو المتشدّدين) كما يسمونهم بل وتستهدف أيضا عموم الشّعوب، وتعريفهم للإرهاب تجاوز التّعريف التّقليدي حتى صار علما على كل من يقف أمام مصالحهم الاستعماريّة وأفكارهم المشوّهة من المسلمين، فهذه المواجهة المنطقيّة كفيلة بجعلك في زمرة من سموّهم الإرهابيين أعداء الحداثة والحرية!
العنصر الثالث: الانتشار
إن ما يميّز الدين الإسلامي سرعة انتشاره وتمدده في كل الأقطار والأمصار، وذلك يرجع للسببين:
السبب الأول:- أن الإسلام نفسه كدين يحمل عوامل انتشاره وتمدّده، فهو دين الفطرة كما قال تعالى: «فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» (سورة الروم - الآية 30)
السبب الثاني:- هو أن المسلم يحمل عقليّة الانتشار والتّوسع، ذلك أنّ الإسلام يزرع في أبنائه هذه العقليّة، ويحثّهم على إبلاغ الدّعوة بالقول والفعل، وقول الله تعالى في سورة الأنبياء  لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ليس مجرد خبر بل فيه معنى تكليفي، فكل حامل لهذا الدّين عليه واجب الدّعوة بما يستطيع حتى تصل دعوة هذا الدّين للعالمين، وقد أمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه فقال:- (بلغوا عني ولو آية)، وإن من حِكم جهاد الطلب أو «الفتوحات» هو مواجهة أولئك الذين يقفون حاجز صدّ أمام بلوغ هذه الدّعوة للشعوب والأمم المختلفة.
ولذلك كان في مقابل هذا العنصر ما يمكن تسميته «مواجهة انتشار الإسلام»، وقد صدرت عدّة دراسات وأبحاث وتقارير استخبارتيّة وإعلاميّة ترصد هذه الظّاهرة وتحذّر من عواقبها وبعضها يضع التّوصيات لمواجهتها، وقد تحدّثت بعض هذه الدّراسات عن كون الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في العالم، وكان أكثر ما يفزع معظم الرّاصدين لهذه الظاهره كون هذا الانتشار بالأساس يقع في الغرب!
ومن أساليب أعداء الإسلام في مواجهة هذه الظاهرة، ابتداع فكرة مؤتمرات حوار الأديان التي أرادوا من خلالها التّأسيس لمبدأ البحث عن «المشتركات» بدلا عن «المتناقضات»، وإعلاء الحوار القائم على المجاملات المتبادلة بدلا عن مقارعة الحجّة بالحجّة والبحث عن الحقيقة، وبذلك تُضرب فكرة الدّعوة للإسلام ويصبح في مقابلها فكرة أخرى برّاقة سمّوها «التعايش المشترك» وهم لم يفعلوا ذلك إلاّ تجريدا للإسلام من أحد عوامل قوّته الكبرى وهروبا من مواجهته في ساحة هم موقنون بالهزيمة فيها أمامه.
ومن حربهم كذلك وسعيهم للحدّ من فاعلية انتشار الإسلام الدّعم الغربي لتوجهات فكريّة محدّدة داخل الإطار الإسلامي العام بحيث يضمنون توجيه انتشار الإسلام عندهم في اتجاه محدّد تحت الاحتواء كالصّوفية أو «سلفيّة وليّ الأمر»، ولذلك تجد انتشار هذين التّيارين كبيرا جدّا بين مسلمي أوروبا وأمريكا .
إنك إذا تأملت العناصر الثّلاثة السّابقة ستجد أن الإمبراطوريات نفسها لا تقوم حتى تحقّقها، ثقافة مكتملة ومخالب تنهش وقابلية انتشار، غير أن الإمبراطوريّات توظف ذلك في تحقيق مطامعها والإسلام مع امتلاك مقومات قيام الإمبراطوريّات كدين إلاّ أنه دين يحمل رسالة عنوانها تحرير الخلق لا استعبادهم. وإرساء العدالة والإصلاح لا الظلم والإفساد.
المراجع
(1)  كتاب «معركة الأحرار» لأحمد سمير 
(2) موقع الكحيل للاعجاز العلمي 
http://www.kaheel7.com/ar/index.php/2012-12-04-18-35-47/738-2013-01-05-19-33-55
------
- طالب و ناشط بيئي و طلابي
mouhamedhabibhedhili@gmail.com