في العمق

بقلم
محمد الصالح ضاوي
مفاهيم متعددة في العبادة (1)
 أخطر شيء على المسلمين التّلبيس على العقول والقلوب بكلام، ظاهره صحّة وجواز، وباطنه: تناقض واختلاف وبطلان.... وعندنا من الأمثلة الكثير.... نتناول مثالا واحدا وهو: مفهوم العبادة عند بعض الشيوخ...
فلو اقتنيت كتابا صغيرا في حجمه، من الكتب المتداولة في السّاحة الإسلاميّة، والتي في كثير من الأحيان تُهدَى بالمجان، وتساهم في الدّعاية لمنهج دعوي معروف... وتتبّعت مفهوم العبادة فيها... لوجدتها تدّعي أنّ تعريف العبادة الموحّد والمتّفق عليه من قبل أهل العلم هو تعريف الشّيخ ابن تيميّة، والذي يقول فيه: «اسم جامع لكلّ ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظّاهرة والباطنة».
والغريب أن المسلم العادي يرى في هذا التّعريف غايته المنشودة ولا يتطرّق إلى ذهنه أبدا أنّ في الأمر نظر. يعني أنّه هناك تعريف متّفق عليه من قبل أهل العلم للعبادة، وأنّ تعريف ابن تيميّة لا يعدو أن يكون نفس تعريف أهل العلم، وأنّ المسألة محسومة من البداية، ولا يجب عليك أن تفتّش عن مفهوم آخر للعبادة، وأنّ ما يقوله الشّيوخ اليوم، هو نفس المعنى الّذي يقوله أهل العلم، وهم من أهل العلم. وإذا ما ناقشت أو رفضت قولهم، فقد رفضت تعريف العلماء كلّهم، لأنّه تعريف واحد للعبادة، وليس هناك ـ حسب رأيهم ـ  تعاريف مختلفة، وهذا يوحي إليك أيّها الناظر، أنّ المسألة مجمع عليها، ولا فائدة في تفحّصها، وما عليك إلاّ القبول بالتّعريف، وعليك أن تشهد أن العبادة «اسم جامع لكلّ ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظّاهرة والباطنة» وأنّ ابن تيمية ومن تبعه قد كفوك مؤونة التّمحيص والنّقد والبحث والاستنتاج.
هذا أسلوب يتّبعه هؤلاء لإقناعك أنّ ما يعرضونه عليك هو تمام الفهم الصّحيح الّذي عليه السّلف، وأنّك لو خالفتهم لخالفت في الحقيقة الرّسول والصّحابة والتّابعين وتابع التّابعين، وأهل العلم قاطبة. وكلّ هذا هراء في هراء. فليس لهم، حسب تجربتي، أيّ فهم يوافق السّلف، أو مجمع عليه من الأمّة، أو يمثّل الخطّ العام للعلماء. هذا كلّه هراء وكذب وافتراء على الله والرّسول والصّحابة والصّالحين.
ابن كثير رحمه الله، في تفسيره، وهو على خطّ ابن تيميّة، يعرّف العبادة أثناء تناوله للفاتحة، فيقول: « والعبادة في اللّغة من الذّلة يقال طريق معبّد وبعير معبّد، أي مذلّل، وفي الشّرع: عبارة عمّا يجمع كمال المحبّة والخضوع والخوف»
فقد تباين هذا التّعريف مع تعريف ابن تيميّة، حيث ركّز على المحبّة والخضوع والخوف، وهي من أعمال القلوب، ولكنّه أتى بلفظ الكمال، وهو إشكال كبير، فإذا كان كمال الخضوع عبادة، فماذا تسمّي الخضوع بنقصان؟؟ ثم أضاف كلمة: يجمع، ولا ندري ماذا يقصد بها؟ فالجمع هنا قد يكون قلبيّا أو قوليّا أو عمليّا؟؟ ولعلّه قصد بالجمع: جمع المشاعر الثّلاثة في أكمل صورها، المحبّة والخضوع والخوف. وهذا التّعريف يخرج كثيرا من الأعمال التي لا تستجيب لهذه الشّروط: من حيث الجمع والكمال، والمشاعر. 
ولسنا بصدد مناقشة ابن كثير في تعريفه للعبادة، فهذا موضوع آخر، ولكنّنا بصدد بيان أنّ ما يسمّيه هؤلاء الشّيوخ: بتعريف أهل العلم الموحّد غير موجود، بل هو وهم منهم، وإليك تعريف آخر للعبادة من أحد علماء الإسلام المشهود لهم بالفهم والتفسير.
قال القرطبي في تفسيره للفاتحة: «و{نَعْبُدُ} معناه نطيع؛ والعبادة الطّاعة والتّذلل. وطريق مُعبَّد إذا كان مذلّلا للسّالكين؛ قاله الهَرَوِيّ. ونُطقُ المكلّف به إقرارٌ بالربوبيّة وتحقيقٌ لعبادة الله تعالى؛ إذ سائر الناس يعبدون سواه من أصنام وغير ذلك»
في هذا التّعريف: إقرار من القرطبي بأنّ العبادة مطلق الطّاعة والتّذلل، يمكن أن تكون لله أو أن تكون لغير الله. وهذا يختلف عما قاله ابن تيمية، وأراد الشّيوخ أنّ يمرّروه باعتباره مجمع عليه. فالعبادة عند ابن تيمية: كل ما يجمع الأقوال والأعمال الظّاهرة والباطنة التي يحبّها الله ويرضاها، في حين أن القرطبي يرى أنّ العبادة: طاعة (للجوارح) وتذلّل (للقلب) لله أو لغير الله.
فأين دعوى الإجماع وتعريف أهل العلم؟ 
وحتى لا يقتنع القارئ، بتمثيليّة الإجماع العام العلمي على تعريف العبادة، نورد مجموعة من التّعريفات العلميّة التي قال بها كبار علماء السّلف، نقلناها عن القرطبي من تفسيره لآية: (وما خلقت الجنّ والأنس إلاّ ليعبدون). 56. الذاريات.
العبادة: بمعنى المعرفة. قالها مجاهد: إلاّ ليعرفوني. وعلّق الثعلبي: وهذا قول حسن؛ لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده. ودليل هذا التأويل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ} {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ} وما أشبه هذا من الآيات.
العبادة بمعنى التّوحيد. قالها الكلبيّ: إلاّ ليوحّدون، فأمّا المؤمن فيوحّده في الشدّة والرّخاء، وأمّا الكافر فيوحّده في الشدّة والبلاء دون النّعمة والرّخاء؛ يدلّ عليه قوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ} الآية. 
العبادة بمعنى الطّاعة. قالها عِكْرمة: إلاّ ليعبدون ويطيعون فأثيب العابد وأعاقب الجاحد.
وقيل أيضا: والعبادة: الطّاعة، والتَّعبد التَّنسك. فمعنى «لِيَعْبُدُونِ» ليذِلّوا ويخضعوا ويعبدوا.
والعبادة بمعنى العبوديّة. قيل: المعنى إلا لأستعبدهم.
هذه أمثلة من التّعريفات التي نقلها أهل العلم حول العبادة، يستفاد منها أن الإجماع حول تعريف واحد وهم ومستحيل، وأن أهل العلم أعملوا عقولهم وقلوبهم لفهم دينهم، وأنّه لا يوجد فهم واحد منزّل من الله تعالى... وإنّما أفهام متعدّدة.... يفتح الله بها على أوليائه...ففهم ابن تيمية لا يعدو أن يكون واحدا من بين آلاف المفاهيم المتداولة بين أهل العلم...... فلا يحق لأحد أن يفرض على المسلمين فهما واحدا والادّعاء بأنّه هو فهم أهل العلم... 
ولعلّك لاحظت أخي القارئ، كيف أن مفهوم العبادة عند ابن تيميّة، يخرج عبادة الكفّار منه، ويقتصر على عبادة المسلمين فقط... وهو علّة في التّعريف.... 
قال ابن كثير في تفسيره لسورة الكافرون: «ثم قال: {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي ولا أعبد عبادتكم أي لا أسلكها ولا أقتدي بها وإنّما أعبد الله على الوجه الذي يحبّه ويرضاه، ولهذا قال: {وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم كما قال: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلاْنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ ٱلْهُدَىٰ}[النجم:23].
فتبرّأ منهم في جميع ما هم فيه، فإنّ العابد لا بدّ له من معبود يعبده وعبادة يسلكها إليه، فالرّسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه يعبدون الله بما شرّعه، ولهذا كانت كلمة الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله، أي لا معبود إلاّ الله ولا طريق إليه إلاّ ما جاء به الرّسول صلى الله عليه وسلم، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله، ولهذا قال لهم الرّسول صلى الله عليه وسلم: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ} كما قال تعالى: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِىء مّمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس:41] وقال: {لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ}[القصص:55]»
فانظر كيف سمى ما اخترعه المشركون من تلقاء أنفسهم: ظنّا وعبادة ودينا وعملا، وابن تيميّة يصرّ على أن العبادة: «اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة»؟؟؟؟؟
ونمضي في تشريح تعريف ابن تيمية للعبادة: «اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة» فنتساءل:
فلماذا فرّق الله بين العبادة وبين أعمال صالحة أخرى؟ 
قال تعالى: {إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ}14 طه.
فلماذا أمره بالعبادة وأمره بإقامة الصلاة؟ فجعل الصلاة تختلف عن العبادة؟
قال تعالى: {فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ}62 النجم
لماذا أفرد السّجود عن العبادة؟؟
قال تعالى: {وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}123 هود.
لماذا فرّق بين العبادة والتّوكل؟؟
قال تعالى: {رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}65 مريم.
ما الفرق بين العبادة والاصطبار للعبادة؟؟
قال تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}17 العنكبوت.
لماذا فرّق الله سبحانه وتعالى بين ابتغاء الرّزق والعبادة والشّكر؟؟ أليس الشّكر من العبادة؟؟
هذه الآيات تؤكّد لنا أن تعريف ابن تيميّة للعبادة، ومنه تعريف شيخ الخصوم، ليس سليما، ومخالف للآيات القرآنية، التي تفرّق بين العبادة والتوكّل، وبين العبادة والسّجود، وبين العبادة والصّلاة، وبينها وبين الشكر.
فالعبادة في مفهوم الخصوم لها معنى واحد وتعريف واحد فيه أخطاء كثيرة، منها:
أوّلا: أن تعريف العبادة لديهم مستوحى من الإجماع وموافق لمفهوم السّلف، وهذا وهم، لأنّ السّلف اختلفوا معهم في معاني العبادة.
وثانيها: أنّ العبادة هي التّوحيد ومن نفي عنه التّوحيد نفي عنه العبادة، وقد ثبت لدينا أنّ العبادة ليست خاصة بالمؤمنين، بل تشمل الكفّار والمشركين.
ثالثا: أن العبادة عندهم تشمل التّوحيد وغيره من الأعمال الصّالحة، في حين أن الله سبحانه فرّق بين الأعمال الصّالحة وبين العبادة.
فلو استعملنا التّعريفات التي سقناها سابقا حول العبادة، وأجريناها على الآيات التي تساءلنا حول معنى العبادة فيها، لوجدنا تفسيرا مقبولا لا تناقض فيه.
فالعبادة في الآية: {إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ} تعني المعرفة والطّاعة. والعبادة التي في الآية{فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ} تعني العبوديّة والخشوع. والعبادة التي في الآية{فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} تعني التّوحيد والطّاعة في الأمر والنهي. والعبادة التي في الآية{فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} تعني التّوحيد (فاعبده) والطّاعة (لعبادته). والعبادة التي في الآية {فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } تعني التّقديس والتّوحيد. والله أعلم.
وقد فرّق السّلف والسّادات من الصّالحين بين العبادة والعبوديّة والتّوحيد والمعرفة، وعرفوا كل مصطلح، وبيّنوا حدوده وشرائطه، وفضائله ومقاماته. وليس الأمر جمع للألفاظ وتنظيمها بذوق شخصي، بل الأمر أخطر من ذلك، فليس ثمّت مصطلح إلاّ وله تفسير وتأويل وحدّ ومطّلع، وأقسام ومقامات، ومظاهر وبواطن، وأسرار وأنوار، وغير ذلك، ليس الأمر عنادا وتعسّفا على الألفاظ ونسبة التأويل بغير علم للإجماع والسّلف الصّالح.
ونرجع إلى خصومنا فنقول: لقد ذهبوا بتعريف ابن تيمية مذهبا متطرّفا، فجعلوا العبادة هي التّوحيد، لأنّ الخصومة فيه (في التّوحيد) وهو دليل على أنّهم فهموا من الآية: (وما خلقت الجنّ والأنس إلا ليعبدون) أن معنى ليعبدوني: ليوحّدوني. وهذا جائز لهم في هذه الآية فقط، إذا أرادوا بالتّوحيد المعرفة، التي هي ثمرة له، أمّا أن يعمّموا التّعريف، ويجعلون كلّ ما يرد من مصطلح العبادة يعرف بالتّوحيد،  فإنّه جهل منهم وخسران.
يقولون أن العبادة هي التّوحيد، فما قولهم في هذه الآية: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }18 يونس. فهل معنى «يعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم»، أنّهم يوحّدون من دون الله؟؟ وكذلك الآية: {قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}71 الشعراء. هل معنى «نعبد أصناما» نوحّد أصناما؟؟.
هذه ترّهات جاهل تعجّل العلم، ظنّ أنّه وصل بعلمه إلى مرتبة تجعله يكتب ويخطب على الناس ويدعوهم إلى مذهبه، ظانّا أنّه على الطّريق الحقّ، بل إنّه يظنّ أنّه الوحيد الذي فتح الله عليه من جملة شعوب إسلاميّة مشركة بالله، فلعب الشّيطان بعقله وتوهّم الحقّ، ووقع في الفتنة، والله يجيرنا منها ومن الشّيطان.
ونرجع إلى موضوعنا، وهو العبادة واختلافها عن التّوحيد، في الأصل، وقلنا: في الأصل، لأنّ الأمر فيه تفصيل. فبعض العبادات طريق لتقوية التّوحيد، والتّوحيد باعث على العبادات، والعبادات ترجمة عن التّوحيد، وإذا خلص التّوحيد، خلصت العبادة، وإذا صفا التّوحيد، صفت العبادة، والتّوحيد محلّه القلب أولا وآخرا، والعبادات منها للجوارح ومنها للقلب، والتّوحيد يقاس بالكيفيّة، والعبادات تقاس بالكمّيّة، وثمرة العبادات: التّوحيد، ومنطلق العبادات: التّوحيد، فهو، أي التّوحيد، يكون تارة منطلقا، وتارة ثمرة، وتارة مصاحبا، ولكلّ قسم تعريف وتحديد. والمعرفة ثمرة التّوحيد، وبها يفضل الأنبياء على الأولياء، والأولياء على سائر الناس، وليس الفضل بالعبادة، ومنه الفرق بين العباد والعارفين. وإذا رأيت رجلين لهما نفس العبادة، فالاختلاف بينهما بالتحقّق فيها، ولا يكون التحقّق في العبادة إلا بدرجة التوحيد التي عليها الرّجل. ومن الأعمال الباعثة على العبادة والمقوّيّة عليها الجوع وفراغ المعدة، ولا يمكن أن نقول إنّ الجوع باعث على التوحيد.. وغير ذلك من التقريرات الخاصّة بالعبادة وتعريفها وتحديدها والتفريق بينها وبين التّوحيد والعبوديّة والمعرفة.
وللحديث بقية......
-------
-  كاتب وصحفي 
dhaoui66@gmail.com