حديقة الشعراء

بقلم
البحري العرفاوي
الانتصار
 لكل المدائن في العالم تسمياتٌ عديدهْ
وخطُّ استواءٍ وخارطةٌ ومُحيطٌ وقُطبُ مَدارْ
لكل المدائن أهواؤها وهَواها 
وفيها فُصولٌ وأزمِنةٌ وتجاربُ عيشٍ
وأكثرُ من مدخلٍ كيْ تُزارْ
ولكنْ لغزةَ تسميةٌ واحدهْ 
ولغزةَ عنوانها المستقيمُ المعلقُ في حُجُبِ الغيبِ
يعلو
ويعلو
ويعلو
ويرتفعُ كلما ارتفعتْ حولهُ رافعاتُ الحصارْ
فغزةُ جوهرُها يتحَلَّلُ في الماءِ
في النارِ
في الطين
في الرملِ
في الصبح إذْ يتنفسُ أو يلعجُ البرقُ 
في الذكرياتِ وسِحر المعاني وفي سَبَحاتِ الغُبارْ
وفي شهقةِ الشهداءِ ونبضِ انبعاث الحياةِ 
وفي المُعْصِراتِ
التي تدمعُ من رحيق الشهادةِ 
ينسابُ بَرْدًا سلامًا زُلالا 
على مُهجة العاشقين...
يُطرِّز مَلحمةَ المجدِ والجَهدِ والإصطبارْ
وغزّةُ ليستْ حديدا وصخرا ولا خشبا أو جدارْ
وليستْ مكانًا تُحاصَرُ أوْ تُجرَفُ
أو تُحَرّقُ أوتصبحُ قطعةً من أثارْ
فغزةُ روحٌ تُجَدِّفُ في الملكوتِ 
تُسرّحُ أجنحةً في فضاء التحرر
تسمو على جرحها كلما حاصروها تعالتْ 
تعالتْ
تعالتْ
وفَكّتْ قُيودَ يديها ..
لتلقي بها صَليَةً من شُواظ بِعُمقِ
وَفوقَ
وتحتَ
وجَنْبَ الحصارْ
وغزةُ حينَ أريدَ لها أن تكون 
كقبضةِ طينٍ بكفِّ صهاينةٍ من يهودٍ
ومن عَرَبٍ مُهْوِدينَ
استحالتْ
عناقيدَ جَمْرٍ وكُتلةَ نارٍ 
تمزِقُ أقِبيةً من حديدِ وأغطيَةً من فُخَارْ
فها غزةُ اليومَ ماءٌ وريحٌ وروحٌ وجمرٌ 
وبرقٌ ورعدٌ ودمٌّ ونارْ
وها غزةُ اليوم تسري كما السّرِّ ...
في نفقِ الموتِ تنقضُّ
والعسكرُ الأحمقُ ينظرُ فوقه 
فإذا الموتُ يأتيه من تحته فجأةً 
لا مفرَّ ولا وقت للخوفِ أو للفرارْ
وغزةُ حِناؤها من دم الطاهــرين
وغزة ألحانها غُصَصُ الصابرين
وغزةُ ألوانُها غَضْبةُ الثائرينَ
وفي غزة يولد الطفل يجري ...
يفتش في جيب أمه عن حجرٍ
وهو إذ يصرخُ ليس من رَكضَاتِ الولادةِ لا
إنما يصرخ في وجوه الغزاة 
ويُعلنُ إنا هنا قد وُلدنا كبارْ
وإنا هنا توأمانِ:
شهادتُنا حين نرقى إلى الملكوتِ الفسيحِ
وفرحتُنا حين ننتزعُ الإنتصارْ 
-------
-  شاعر تونسي
bahri.arfaoui.3@facebook.com