الكلمة الحرّة

بقلم
محمد الحبيب
لماذا يدعم الغرب (وخصوصااً أمريكا) إسرائيل؟!
 تدعّم دول العالم بعضها البعض بناءً على مصالحها... ولكن كيف تلاقت مصلحة الغرب مع مصلحة إسرائيل؟ هنا يقدّم الباحثون والدّارسون عدّة تفسيرات لهذا الدّعم غير العادي يمكن إجمالها في أربعة أسباب رئيسة:
(1)  إسرائيل حليف استراتيجي وكلب حراسة أمين
* إسرائيل وبريطانيا:
كانت بريطانيا في القرن 19 تحتلّ مصر وتتحكّم بقناة السّويس. وكانت هذه القناة بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط شرياناً أساسيّا للسّلطة العسكريّة والاقتصاديّة للإمبراطوريّة البريطانيّة. كانت بريطانيا تخشى أن يهدّد تطوّر حركات المقاومة الوطنيّة بالعالم العربي تحكّمها بالقناة. لكنّ الحرب العالميّة الأولى منحت بريطانيـــا فرصة تأمين حدود مصر الشّمالية وكذا قنــــاة السويــــس. ولمّا زحفت القوات البريطانية على القـــدس في 1917، عقد وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور اتّفاقا مع الحركة الصهيونية لتحويل فلسطين إلى موقع استعماري متقدّم للإمبراطورية.
* إسرائيل وأمريكا:
لمّا حلّت الولايات المتحدة الأمريكية مكان بريطانيا كقوّة مسيطرة بالشرق الأوسط، غيّرت إسرائيل بوعي ولاءها.
فالمنطقة العربية بسبب موقعها الجغرافي، وبسبب ما يوجد في باطن أراضيها من مخزونات بتروليّة استراتجيّة، تعتبر منطقة صراع على النفوذ بين الغرب بزعامة أمريكا والمعسكر الشّرقي بقيادة الاتّحاد السوفيتي في إطار ما أطلق عليه الحرب الباردة. وكان من الضروري على الغرب أن يوجد حليفاً استراتيجيّا يكون بمثابة قاعدة متقدّمة تشكّل اختراقا في منطقة النّفوذ الشّيوعي للحدّ من امتداده. حيث استعمل الغرب قوّة إسرائيل لسحق الحركات العربيّة التي كانت تهدّد السّيطرة الإمبرياليّة بالشّرق الأوسط فقامت إسرائيل بعدة حروب (1948، 1967، 1973، 1978، 1982، 2006، 2009) مع دول الجوار.
(2) الهولكوست عقدة ذنب مزمنة عند الغرب
عند أوروبا إحساس مفرط بعقدة الذنب وتأنيب الضّمير النّاتجة عمّا تعرّض له اليهود على أراضيها خلال الحرب العالمية الثّانية من محارق. تمّ تضخيم هذه المحارق إعلاميّا بشكل كبير لابتزاز أوروبا واستدرار تعاطفها. وقام الإعلام الأمريكي باللّعب على هذا الوتر الحسّاس فأصبح الشّعب الأمريكي أيضاً يشعر بأن اليهود مضطهدون ومعهم حقّ بأي شيء يقومون به مثل إقامة دولة لهم في فلسطين (بغض النظر عن الثمن). في عام 1948 تعاطف 35% من الشّعب الأمريكي مع يهود فلسطين في مقابل 12% مع عرب فلسطين. ثم مع الزمن ارتفعت النسبة إلى 45% مع إسرئيل في مقابل 5% مع العرب!!!! 
(3) عوامل مشتركة بين المذهب البروتسنتي المسيحي والصهيونية:
على الرغم من أن الدستور الأمريكي يعتبر نظام الحكم في الولايات المتحدة نظاماً «علمانياً» لا يتبنى ديناً معيناً في الدولة أو الحكومة إلاّ أنّه من المعلوم أنّ الشعب الأمريكي في معظمه شعب بروتستاني متديّن يشترك في خلفيته الدّينية إلى حدّ بعيد مع العقيدة اليهوديّة التلموديّة. حسب إحصائية 2008 فإن 50% من الشعب الأمريكي يعتبر نفسه بروتستنتي مسيحي و25% كاثوليكي مسيحي.
في مؤتمر إيباك (أكبر منظمة صهيونية في أمريكا)  شارك 50 من القيادات الإنجيليّة الأميركيّة الوازنة والمؤثّرة في السّياسة (غاري بوير، وجيري فالويل، ورالف، وديك آرمي، وتوم ديلاي). قرّر المؤتمر دعم المسيحيّة الصّهيونيّة لـ «إسرائيل» في حلقة عنوانها «أصدقاء في الدّين» تبحث «جذور المسيحية/الصهيونية، وتبحث عن أجدى السّبل التي يمكن من خلالها للمسيحيّين المؤيدين لـ «إسرائيل» واليهود العمل معا في الميدان السياسي لتعزيز أمن إسرائيل».  
يقول الشيخ القرضاوي في كتابه «القدس قضية كل مسلم»: هذا ما رأينا أثره بجلاء في مواقف الرؤساء الأمريكيين منذ عهد «ترومان»، وقرأناه بوضوح في مذكرات «كارتر» الذي أعلن أنّ تأسيس إسرائيل المعاصرة تحقيق للنّبوءة التوراتية! ولمسناه في سياسات «ريجان» و«بوش» و«كلنتون»، وهو ما يجسّد «البعد الدّيني المسيحي» في الصّراع الإسرائيلي مع العرب. 
العناصر المشتركة بين المذهب البروتسنتي بالصهيونية:
الأول: اليهود هم شعب الله المختار، والأمّة المفضّلة على سائر الأمم.الثاني: ثمّة ميثاق إلهي ربط اليهود بالأرض المقدّسة في فلسطين، وأنّ هذا الميثاق الذي أعطاه الله لإبراهيم عليه السّلام ميثاق سرمديّ حتّى قيام السّاعة.الثالث: ربط الإيمان المسيحي بعودة السّيد المسيح بقيام دولة صهيونيّة: أي بإعادة تجميع اليهود في فلسطين، حتّى يظهر المسيح فيهم. هذه المحاور الثلاثة هي التي تؤلّف اليوم ـ كما ألفت في الماضي ـ قاعدة «الصهيونيّة المسيحيّة» التي تربط الدّين بالقوميّة، والتي تسخّر الاعتقاد الدّيني المسيحيّ لتحقيق مكاسب يهوديّة.
انتهى الاقتباس.
(4)  اللوبي اليهودي في أمريكا
تتحكم بالسياسة الخارجية لأمريكا عدة أطراف مثل شركات الطّاقة والبنزين والشّركات الماليّة والبنوك وشركات السّلاح والجماعات الضّاغطة ومن أهمّها اللّوبي الصهيوني.
واللّوبي الصّهيوني هو إطار تنظيميّ عام يعمل داخله عدد من الجمعيّات والتنظيمات والهيئات اليهوديّة والصّهيونيّة تنسق فيما بينها من أهمها: لجنة الشؤون العامّة الإسرائيليّة الأمريكيّة (ايباك) ومؤتمر رؤساء المنظّمات اليهوديّة الكبرى.
يقوم اللوبي الصهيوني بالضّغط على المشرّعين الأمريكيين (الرئيس ومجلس الشيوخ ومجلس النّواب) لتأييد الدّولة الصّهيونيّة ويتمّ ذلك بعدّة سبل من بينها تجميع الطّاقات المختلفة للجمعيّات اليهوديّة والصّهيونيّة وتوجيه حركتها في اتّجاه سياسات  وأهداف تخدم إسرائيل. كما أنّ اللّوبي يحاول أيضا أن يحوّل قوّة الأثرياء من أعضاء الجماعات اليهوديّة (وخصوصا القادرين على تمويل الحملات الانتخابيّة) إلى أداة ضغط على صنّاع القرار في الولايات المتّحدة فيلوّح بالمساعدات والأصوات التي يمكن أن يحصل المرشّح عليها إن هو ساند الدّولة الصّهيونيّة والتي سيفقدها لا محالة إن لم يفعل.
فاللوبي الصهيوني يتبع إستراتيجيتين عريضتين لتشجيع دعم الولايات المتحدة لـ «إسرائيل»:
*سياسية: عبر الضغط على الكونغرس لدعم «إسرائيل» على نحو لا ينقطع، باستصدار قرارات لصالح «إسرائيل» أو معارضة القرارات التي قد تمسّ مصالحها في العالم.
*إعلامية: عن طريق ترويج خطاب إيجابي عام حول «إسرائيل»، عبر ترديد أساطير عنها وعن تأسيسها إضافة إلى الدّعاية للجانب «الإسرائيلي» في النّقاش السّياسي عبر وسائل الإعلام المملوكة في أغلبها لصهاينة، وكذلك من خلال مراكز أبحاث ودراسات يشرف عليها يهود.
لكل هذه الدوافع وغيرها يدعم الغرب وأمريكا «إسرائيل» بهذا الشكل.
------
- طالب و ناشط بيئي و طلابي
mouhamedhabibhedhili@gmail.com