قبل الوداع

بقلم
لطفي الدهواثي
الحمد لله
 الحمد لله، أعلن الخليفة نفسه قائما بالأمر يدبّر شؤون الرّعيّة وأعلن قيام دولة الخلافة في بغداد والشام مقدّمة أولى على عجل قبل زحف الجّيوش نحو بقيّة الأمصار. ولقد اتّخذ الخليفة المفدّى كل أسباب الحيطة حتى لا يظهر أي لغط حول ما أعلنه فهي خلافة على منهاج النّبوة، خالصة للذين يبايعون الخليفة على السّمع والطّاعة واتّباع الجماعة التي هي جماعة واحدة ليس من ضمنها بالطّبع شيعة رافضة زيديّة كانت أو اثنا عشريّة ولا طائفة «الدّروز الموحّدون» ولا غيرهم، وإمعانا في الحيطة والانتقاء فقد قرّر الخليفة الهمام أنّ دولة الخلافة حرام على المسيحيّين وليس لهم إلّا أن يؤمنوا أو يرحلوا أو يدفعوا الجزية. ولا يفعل الخليفة ما يفعله عن أمره وإنما هو أمر الله كما يعيه.
والحمد لله، لم يكن أمام اللّيبيّين أي خيار سوى الثّورة على العقيد وإزاحته من المشهد السّياسي اللّيبي وقد دفع اللّيبيون في سبيل ذلك أرواحهم وأموالهم وكانوا يأملون في غد مشرق مفعم بالأمن والأمان وهاهم بعد ثلاث سنوات من الثّورة يدمّرون بأيديهم الثّوريّة كل الطّائرات التي كانت تنقلهم إلى أصقاع الأرض ولم يكن الهدف من تدميرها سوى تلقين الذين يسيطرون على المطار درسا لن ينسوه، غير أن الدرس كان مبالغا فيه ولم يبق إلاّ على عشرة في المائة من الطّائرات ولا بدّ لنا من الاستعداد مجدّدا لشراء طائرات جديدة فخمة يدفع اللّيبيون ثمنها من قوتهم ونفطهم، أمّا الثّمن فسيقبضه الذين تولّوا الاشراف من بعيد على عملية التّدمير ويا لغباء الأيدي.
والحمد لله  ، ما زالت أحكام الإعدام  والسجن الطّويل ترد على أسماعنا من القاهرة بين حين وحين ولم يعد الحديث عن الثّورة يجد من يستمع إليه في زمن لا بديل فيه عن مقاومة الإرهاب، هذه الآفة التي نخرت كيان مصر لولا أن جاء السّيسي على عجل ليخلّص المصريّين من هذه السّوسة، ولأنّه قد اتّخذ عند الله عهدا كما بشّره المبشّرون فقد استكمله بتفويض من المصريين بمقاومة أي إرهاب محتمل وقد أنجز حرّ ما وعد وبدأ برابعة والنهضة وسيناء والجسم الإخواني وفي نيّته وتفويضه أن ينتهي بغزّة وحماس وفلسطين لولا الغباء الإسرائيلي الذي جعل الصّهاينة يدخلون حربا غير متكافئة مع الإرهاب الغزّاوي الحمساوي دون انتظار السّيسي وخير أجناد الأرض. 
نسي السّيسي في خضم انشغاله بالبدلة الرّئاسيّة وصولجان الحكم أن الذي تولى دفع الجزية للإسرائيلي عن يد هو نفسه من دفع له كلفة الانقلاب ومحاربة الإرهاب وما دام المقتول واحدا فنحن في خضم المعركة نفسها غير أنّنا سوف ننتظر طويلا جدّا حتى يقوم الخليفة الهمام بتعديل مرسومه ليلزم كل أهل الكتاب بدفع الجزية لا فئة دون أخرى.
الحمدلله، منذ نعومة أظفارنا لم نعرف عن الفلسطيني إلاّ صفات اللاّجئ أو المقاوم أو الشهيد ولم نكن نسمع عن الصّهيوني إلا صفة المحتل والغاصب والقاتل والمجرم وقد زادنا تكرار الهزائم وشدّة صلف اليهود شكّا وضعفا، ومن يقرأ تاريخ الصّراع يدرك أنّنا لم نكن نخوض المعارك إلا بهدف تكرار الهزيمة وأنّ يدًا ما كانت تخطّط لجعلنا نصنع هزائمنا بأنفسنا من دون أيّ أمل في النّصر ولذلك ترانا الآن عاجزين عن حماية انتصاراتنا التي نصنعها بكلفة باهظة. 
كانت غاية الثوار في تونس استرداد الوطن من مغتصبيه واستعادة ثرواته من ناهبيها وكذلك كان شأن المصريين واللّيبيين والسّوريين وكل الثّائرين على امتداد الوطن الدّامي ولم تكن الغاية أن نتحول الى غرباء في أوطاننا واقعون بين رحى الخارج التي طحنتنا زمنا طويلا ورحى الدّاخل التي طحنتنا زمنا أطول منه، كلما اقتربنا من الهدف جاءت معوقات جديدة وظهرت في الطّريق أشواك لم نحسب حسابها وكفانا من الأشواك شوكة الإرهاب التي قتلت جنودنا وهم صائمون وقتلتنا نحن أسئلة في الفعل وأسبابه.
بعد حمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، لا بدّ لنا من التّذكير من باب أنّ الذكرى تنفع المؤمنين أننا لسنا وحدنا في هذا العالم وما لم نجعل من فلسطين بوصلتنا ومن قضيّتها أمّ القضايا فنحن لا شك مهزومون، لا يكون بأسنا شديدا إلا بيننا أما مع أعدائنا فنحن أشدّ ما نكون لينا ورأفة بل نحن الآن لا نطمع في العون إلاّ منهم ولا نرى لنا حياة إلا في رضاهم عنّا ومباركتهم لخطواتنا ولننظر فقط إلى حجم النائحين على قتلى الكيان الصّهيوني من بني جلدتنا حتى ندرك المدى الذي بلغه بعضنا من الهوان والاسفاف .
إن فلسطين ليست فقط قضيّة شعب مظلوم ولا هي قضيّة صراع إرادات بين أهل الحقّ وأهل الباطل وإنما فلسطين مركز العالم من ينتصر هناك يعلو شأنه ومن ينهزم هناك يشتّد هوانه وهذا ما أدركه الفلسطيني ولم ندركه نحن ولا خليفتنا الهمام، أما السّيسي فهو بعيد عن ادراك أي شئ.
-------------
- مستشار في الخدمة الإجتماعيّة
lotfidahwathi2@gmail.com