الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد الخامس عشر

  

بسم الله فاضح المنافقين ، والصلاة والسلام على نبي المستضعفين..

 

كثر اللغط والحديث هذه الأيام عن الحوار والتوافق وضرورتهما لإنقاذ البلاد من الدخول في نفـــق مظلم لا تعرف نهايته . كل ألسن الأطراف السياسية والاجتماعية والإعلامية والقضائيّة تلهج بهاتين الكلمتين السحريتين على مستوى الخطاب لكنّما تذوبان بسرعة كالملح  وتغيبان في الممارسة. الجميع ضد الإقصاء لكن كلّ يمارسه بطريقته، والهدف واحد كما يدّعون :”خدمة تونس وتحقيق أهداف الثورة“. الكلّ يتحدث باسم الشعب ويعمل من أجله، لكن الشعب لا يشعر بذلك ولا يرى على الأرض عمـــلا ينجــــز من أجله. مصطلحات عديدة يستعملهــــا الجميـــع، لكن لكل مدلوله الذي قد يتناقض كلّيا مع الآخر.

 هل نحن أمام منافقين من النوع الرفيع؟ أم هناك أزمة مصطلحات ومفاهيـــــم؟ الاحتمـــال الأول صحيــــــح، لأن جزءا لابأس به من الذين يحتلون المشهد يحذقون النفاق السياسي ويتلوّنون كالحرباء بحثا عن موقع متقدّم، شعارهم عدم الحيــــــاء، فلا يجدون حرجـــا في تبنّي مصطلحات ”الثورة“ و”الكرامة“ و”الديمقراطية“ و”الحــــــوار“ وهم كانوا بالأمــــس في الصفوف الأولى من رموز الظلم  ودعاة الإقصاء، ممجدين لطغيان بن علي ومعتبرين حكمه مثالا للديمقراطية والوطنية والأدلة على ذلك كثير. والاحتمال الثاني صحيح أيضا ، فقد أفرغ الدكتاتور البائد وزبانيته من أشباه المفكرين والمثقفين والإعلاميين جميع المصطلحات من مدلولاتها ورمزيتها الحقيقية.  فمصطلحات كـ ”التغيير“ و”العدالة“ و”الوطنية“ و "التضامن" و"المفهوم الشامل لحقوق الإنسان"... فقدت معانيها الحقيقية لدى التونسيين وأصبحت تبعث على اشمئزاز المواطن منها. وضاعت المعاني الصحيحة للمصطلحات، وصار الخلط كبيرا في استعمالها.

 واليوم، وبعد عامين على ثورة الكرامة والحرية، تصبح مهمّة المثقفين والمفكرين الوطنيين كبيرة جدّا في شحن المصطلحات بمدلولات عميقة وحقيقية والضغط على مستعمليها بجميع الوسائل المتاحة لتجنب تحريفها وفضح كل متلاعب أفّـاك . إنها مهمّة معقّدة في ساحة متحركة يسيطر عليها سياسيون تحرّكهم مصالحهم الحزبية الضيّقة ومثقفون وإعلاميّون سقطوا في لعبة الصراع الإيديولوجـــي (في انتظار الصراع المذهبي)  التي أحبكت  خيوطها قوى لم تنتجها الثورة ولم تخرج من رحم معانــــاة هذا الشعب. إنّها مهمّة ثقافية وفكرية بالأساس، صعبة ... لكنها ليست مستحيلة ...