نقاط على الحروف

بقلم
عبدالعزيز الرباعي
مجرّد خطاب
 نسمع كثيرا عن تفوّق الكيان الصّهيوني العسكري على كل جيوش العرب مجتمعة... وعن عجز العرب والمسلمين عن فعل شيء للوقوف أمام توسع هذا الكيان السّرطاني...أو عن تقديم شيء لمناصرة إخوانهم في فلسطين وباقي الأراضي المحتلة...لأن ذلك يهدّد عروشهم وقد يدمّر اقتصادهم ويجعلهم يتسوّلون المعونات من الخارج... 
نسمع الكثير عن الصناعات الصهيونية والتكنولوجيا الصهيونية وتفوق العقل الصهيوني ..... أوهام وسموم تصب ّفي أدمغتنا ليلا نهارا...حتى أصبحنا نؤمن بذلك ونعتقد أنّنا دون البشر وأننا مهما فعلنا لا نقدر على درء هذا السرطان الذي مرغ كرامتنا في التّراب واستباح أرضنا وهتك عرضنا وقتل أطفالنا وشرّد أهلنا... أكبر هزيمة حدثت لنا لم تكن هزيمة 67 ولا غيرها... أكبر هزيمة حدثت لنا هي هزيمة نفوسنا وانكسار إرادتنا...
استسلمنا طواعية لشرذمة من الصّهاينة استباحتنا كما استباحهم فرعون ذات يوم، يقتلون أبناءنا ويستحيون نساءنا ونحن ننكفئ في كل مرّة وترتعد فرائصنا خوفا من الهزيمة والموت...ألا تبّا لنا من جبناء... ألا مرحبا بالموت في ساحات الشّرف والعزّة وتعسا لحياة الذّل والهوان..
نرى أطفالنا في غزة يقتلون أمام أعيننا بدم بارد بينما هم يلعبون على الشاطئ... وتقطع أجسادهم الغضّة إشلاء تحت صواريخ الحقد والهمجيّة ونحن نجبن أن نهب نصرة لأهلنا ودفاعا عن كرامتنا ... أبعد هذا الهوان من هوان؟؟؟ هل نحن نستحق الحياة بعد ذلك؟؟ هل يمكن لنا أن ننظر بعد ذلك في عيون أطفالنا؟؟؟ 
غزة..عزة...غزة عزة بأهلها وشهدائها...وأعزت غزة الأمّة بأسرها...ما تفعله غزة اليوم في تلك الرقعة الصغيرة والمحاصرة من الأرض وتقدمه للعرب والمسلمين وكل العالم من دروس، يفوق كل ما يمكن أن يقدّمه العالم من دعم لهذا الشّعب البطل...غزة تعلّم العالم الكرامة والشّهامة والرّجولة والجلد والصبر والتّمسك بالحقّ والحقّ في الحياة...إنها تعلّمنا ما جهلنا وتبعث فينا الحياة..إنها تفتح أعيننا لنستيقظ من سباتنا العميق...لقد حطمت كل الأصنام التي صنعها الصّهاينة والطّواغيت والعملاء وأدمنا على عبادتها من دون الله...
كفرت غزة بكل تلك الأصنام وأمطرتها بوابل من صواريخها ..فجعلتها كعصف مأكول...ورغم الفقر والموت والدمار والحصار، تصنع غزّة الصواريخ التي تضرب الكيان الصهيوني في عمق أعماقه وتزلزل الأرض من تحت أقدامه...صحيح أن الصواريخ لا تقتل أحدا...لكنّها تدمّر الأصنام وتحطّم الأساطير وتنوّر العقول... ألم نقتنع أنّنا متخلّفون وأنّنا أعجز من أن نصنع درّاجة هوائيّة...غزة تحطم الأوهام...تصنع الصواريخ...تصنع الطائرات...تبتكر وتبدع...تقاوم وتكابر ...ترفض أن تهزم...تموت ولا تهزم...لقد حددت غزة خياراتها ..إنّها إما أن تنتصر ...وإما أن تنتصر...هذه كل خياراتها ولا خيارات لها غيرها...
ثم ماذا؟؟؟ خطاب ..مجرد خطاب...من رجل شهم..رجل صادق...رجل في زمن عزّت فيه الرجال (1)...إنه لم يحرك دبّابة ولم يستنفر جيشا ولم يطلق قذيفة واحدة...لقد وقف أمام المصدح وقال كلاما صادقا .... لقد هزمهم فقط بصدقه....خطاب رفع به من شأن بلده وأمّته ونصر به أهله ودفع عنهم العدوان....عندما تسمع هذا الرجل يتكلم ترى من خلال عباراته مصر العظيمة، مصر القويّة، مصر الكبيرة، مصر التي نحب...وليس مثل من كانوا قبله أومن جاء بعده والذين أظهروها على أنها ملجأ للمتسوّلين الجياع الذين لا هم لهم سوى الحصول على الرّغيف...إنّها مصر...وإمكاناتها...وإرادتها..وشعبها...لقد زلزلت هذه الكلمات الأرض من تحت أقدام الصّهاينة المجرمين...لقد كان وقعها أشد من وقع القنابل...لأنها سفهت أحلامهم ودمّرت أصنامهم وأعادتهم إلى حجمهم وعرفتهم بوضاعتهم.... إن هذا الرجل بخطابه ..وغزة العزة بصمودها ومكابرتها...فعلا ما لم تفعله كل جيوش العرب ...لقد حطموا أسطورة إسرائيل التي لا تقهر...لذلك تمّ الانقلاب في مصر..ثم أطلق السيسي كلابه في الإعلام لتطعن المقاومة في الظهر...وهرول المتخاذلون من العرب للملمة كرامتهم من الأرض خوفا من انتشار الوعي بين الناس..ولذلك يهرول الكيان الصهيوني بحثا عن هدنة ويأمر عملاءه في المنطقة لتقديم المبادرات المجحفة في حقّ أهلنا والمزيد من الضغط عليهم...لكن هيهات .. لقد سقطت الأصنام...ولن يكون مصير الكيان الصهيوني الغاصب غير الزوال طال الزمن أم قصر ... 
هوامش
(1) من أقوال الرئيس محمد مرسي في خطابه ردّا على العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2012: «أكرر تحذيري، وأكرر مرة أخرى للمعتدين، لن يكون لهم أبدا سلطان على أهل غزة، لن نترك غزة وحدها، نقول لهؤلاء باسم الشعب المصري كله إن مصر اليوم مختلفة تماما عن مصر الأمس، إن العرب اليوم مختلفون تماما عن العرب أمس، نقول للمعتدي إن هذه الدماء ستكون لعنة عليكم وستكون محركا لكل شعوب المنطقة ضدكم، نؤكد للجميع إن مصر بأهلها وقيادتها ندعو إلى سلام حقيقي، وليس سلام لطرف واحد، وهذا سلام مرفوض، أوقفوا هذه المهزلة، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة»
-----------
-   ناشط سياسي ونقابي
azizrebai@yahoo.fr