الإفتتاحية

بقلم
فيصل العش
إن مع العسر يسرا
 نودّع شهر رمضان ونستقبل عيد الفطر المبارك في جوّ مليء بالإرهاب والتّوتّرات والأحداث المفجعة والأليمة، ليس في تونس فقط بل في العالم العربيّ عامّة وخاصّة في دول ما سميت بدول الرّبيع العربي... مجازر في حقّ الشّعب الفلسطيني بغزّة بمباركة دوليّة ومساعدة عربيّة لم تعد خافيّة على أحد، عصابات الدّم تنتهك حرمة شهر رمضان وحرمة المسلمين في العراق باسم الجهاد في سبيل الله، حربٌ في سوريا أغلب ضحاياها من الأطفال والنّساء، كلّما توقّعنا إخماد نارها إلاّ وازدادت اشتعالا، مستبدّ خائن في أرض كنانة تلطّخت يداه بدماء شعبه، يوزّع أحكام الإعدام على معارضيه كما توزّع الحلوى يوم العيد ، «اليمن السعيد» لم يعد سعيدا بل بلغت درجة شقائه حدّا لا يوصف، يشتعل من جديد وحرب بين الحوثيّين والجيش لا نرى لها من نهاية، الجماعات المسلّحة تتقاتل في ليبيا من أجل السّيطرة على العاصمة طرابلس، فتدمّر كلّ ما يعترضها من مباني وطرق ومطارات وتحوّلها إلى خراب، الإرهاب يترصّد خطوات التونسيّين نحو ديمقراطيتهم فيعمل على إرباك المشهد السّياسي والاجتماعي وتدمير ما تحقق رغم قلّته، وينفّذ من جديد عمليّة إرهابيّة في جبل الشّعانبي راح ضحيّتها عدد هام من الجنود البواسل عند لحظة الإفطار. 
ليس من الصّدفة أن تشتعل المنطقة كلّها في هذه الفترة. فهل هي ارهاصات الثّورة أم عمليّات تأديبيّة للشّعوب العربيّة التي فكّرت في أن تقول كلمتها وتودّع الدّكتاتوريّات غير آسفة؟ لماذا يحدث كل هذا في الدّول التي شهدت حراكًا اجتماعيًّا وتغييرا سياسيّا وانطلقت ترسم لنفسها مسارا نحو الانتقال الدّيمقراطي؟ لماذا تُستثنى العديد من دول المنطقة من مثل هذه الأحداث كدول الخليج مثلا؟ هل لأنّ حكّامها  أقوياء ولديهم من الإمكانيات الأمنيّة والعسكريّة ما يجعل سلطانهم في مأمن من الاضطرابات والعمليات الإرهابيّة أم أنّها رسالة إلى الشّعوب مفادها التّنازل عن الحقّ في الحكم مقابل الأمن والأمان وإن كان مغشوشًا؟. رسالة تقول للشّعوب أن عليكم بالطّاعة والامتثال لأوامر حكّامكم الذين باركناهم وإلاّ فالفوضى ستكون مصيركم وسيصبح الإرهاب خبزكم اليومي ولن تنعموا بالأمن بعد ذلك أبدا.  
إن ما يحدث في تونس لمثال حيّ لما سبق ذكره، شعب ثار على حاكمه المستبد وزبانيته المجرمين وهو منذ ثلاث سنوات يحاول الخروج من الوضع الانتقالي ليحقّق الاستقرار عبر مسارٍ مقبولٍ بالرّغم من هنّاته ونقاط ضعفه. غير أن الإرهاب الأعمى يحول دون ذلك باستمرار، ضرب بقوّة فاغتال المناضل السياسي «شكري بلعيد» ليربك الحكّام الجدد الانتقاليين الذين أفرزتهم انتخابات المجلس التّأسيسي في 23 أكتوبر 2011 والتي شهد أغلب الملاحظين بنجاحها ونزاهتها، ثمّ ضرب ثانية في النّصف الثّاني من شهر رمضان من العام الماضي، فاغتال المناضل العروبي «الحاج محمد البراهمي» وقتل في الشّعانبي عددا من الجنود ليضع بذلك حدّا لحكومة «الترويكا» ويفرض على الشّعب التّونسي حكومة توافقيّة جديدة، وها هو اليوم يعمد عبر عملية نوعيّة  من حيث الأسلحة وعدد الضحايا إلى إرباك المشهد من جديد محاولا خلط الأوراق وتعطيل المسار الانتخابي الذي انخرطت فيه البلاد. 
ماذا سيكسب الإرهابيّون من إزهاق أرواح بشريّة والعودة إلى جحورهم الجبليّة؟ لا شىء ، سوى أنهم يؤكّدون لمن له عين تبصر وعقل يفكّر أنهم يعملون لصالح أجندات سياسيّة معقّدة لأطراف داخليّة وخارجيّة تستهدف استقرار البلاد وإفشال المسار الدّيمقراطي وتهيئة الرّأي العام لقبول التّدخّل المباشر وغير المباشر لقوى الاستكبار العالمي في شؤون أوطاننا بتعلّة مقاومة الإرهاب وتحقيق أمن المواطنين، لكن بأي ثمن؟. 
إن أفضل ردّ فعل على هذا الإرهاب التّكفيري المتطرّف هو العمل على إفشال أهداف من يقف وراءه، وذلك بالعمل على تقريب وجهات النظر بين القوى الوطنيّة المنحازة إلى الشّعب وتدعيم روح الوحدة بينها والتّمسك بإجراء الانتخابات في مواعيدها مع دعم المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة بالضغط على أصحاب القرار لتوفير الإمكانيّات الضّروريّة اللاّزمة لمواجهة الخطر الإرهابي سواء كانت مادّية من أسلحة ومعدّات عسكريّة متطوّرة أو لوجستيّة من تدريب وتطوير تقنيات المناورة والتخطيط..... وهذا لا يكفي ، فلا بدّ  من دعوة الشعب إلى التحلّي بكثير من الصّبر .... فإنّ « مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ... إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» صدق الله العظيم.