الكلمة الحرّة

بقلم
يسري بن ساسي
ماذا بعد؟
 ليس بعد يُدمينا العدوان المتواتر المستعر على غزة - التي بذلت ولازالت من فلذاتها ما به تسطر درب تحرير أمة- بقدر ما يُدمينا  أنّ الحاصل لا في غزّة وحدها، بل في  معظم بلداننا، تخطيط صهيو- أمريكي نعم ولكن المنفّذ بيده عربي... فالمال عربي والنفط عربي ومن يُوصد المعابر عربي والباب منيعا في وجه حركات المقاومة عربي...
ومذ بدأ صراعنا مع إسرائيل وهي لا تتوانى وشركاؤها في صناعتين برعت فيهما: الإرهاب والأوهام.. فقد كان لابدّ وعيا منها بقدرات حركات المقاومة يسارا كانت أو يمينا على التعبئة الجماهيريّة الواسعة وحشد الصّفوف ضدّها أن تخترق هذه الحركات وتنبش في زلاّتها وهفواتها، وتظهر تشدّد بعضها أو في بعض المواضع على أنّه الغالب على ما تدّعيه من اعتدال وصولا إلى شيطنتها ووصمها بالإرهاب والتطرف لتلفظها الشّعوب... 
أمّا الوهم الأكبر المستحمر لفئات كثيرة من الشّعوب، الخطر الإيراني الشّيعي الدّاهم وحامي الحمى المستعدّ أبدا بعدده ومتاريسه للذّود عن أهل السّنة ..وما هزّته ولا زلزلته جثث أطفال غزّة تحت الأنقاض، سُحلت معالمهم أو صاروا هباءًا منثورا في السّماء فندت صيحته «وا إسلاماه» وإنّها لأجلّ وأوكد من «وا سنّتاه» ولكن فيم الغرابة وقد يدفع بشعوب إلى الجحيم في سبيل كرسيه الكسيح.
ألازلنـــا بحاجـــة إلى القـــول أن هذا الإرهاب المفتعـــل في كل رقعة من أراضينا ليس إلاّ وثاقا من جملة أوثقة أخرى لتشديد الخناق على كل نفس مقاوم يتطلّع إلى قبس حرّية؟.. 
يبدو أنه كذلك ..والمؤسف أن لا فقط جماهير الشّعوب غافلة عن هذا وتفصل بين إرهاب الدّاخل ومطامع الخارج، ولكن نخبتها هي الأخرى ممعنة في ذلك وتدفعها ككلّ مرّة إلى التّسليم بأنّ الحركات الإسلاميّة جلّها حمّالة إرهاب وتطرف ولا يُرجى منها سوى ذلك...
هل علينا أن نقلب صفحات التّاريخ من جديد ولم لنخلص إلى ذات الاستنتاجات...أنّ أدوات الصّراع قد يكون تغيّر لبوسها لكنّ صميمها لم يتغيّر ...لم يتغيّر البتّة أن مشروع الاستعمار و ابتزاز ثروات النّفط إذا ما ادلهمت أمامه الطرق قد ابتكر سبيلا لا غنى له عنه أن فرّق تسد ويال حسن حظّه ويال سوء طالعنا، فتلك كانت ولازالت أوهن نقطة في جسدنا العربيّ المترهل... 
بذور الإرهاب والتّطرف المدسوسة في كل شغف من شغاف أوطاننا ، يموّلها نفطنا ويفنى فيها شبابنا وتتفرّق بينها أوصالنا طوائفا ومذاهبا، ما عاد أحجية تنتظر فكّ طلاسمها بل حجّة دامغة على دمار نفنيه بأيدينا لأنفسنا...  
المرير أن ما جاءنا الإسلام إلاّ لخلاصنا من عقليّة القبيلة وزعيم القبيلة وإغارة قبيلة على قبيلة ولكنّ العالم صار كالمضغة في فوهة أخطبوط الشّبكات وتلك العقليّة المشلّة لازالت في كل ظرف تتمظهر...  
ألا تزال خفيّة سياسة المكيالين التي طالما انتهجت ضدّنا؟...جزعٌ وهلعٌ وهرعٌ لتنصيب الديمقراطية على جثث شعوب بأسرها في العراق وليبيا وسوريا وصمتٌ مفضوحٌ عن ممارسات الاستبداد لأنظمة غارقة في الدّيكتاتورية، يبيع حكّامها لا فقط ثروات الشّعوب بل دماءهم ليمكثوا على عرش من الجماجم والرؤوس ...
الصّورة تبدو أوضح من أن نطبّق عنها أعيننا ولكن ربّما لدمامتها نشيح بوجوهنا عنها، فيما تنسف الأيادي الغادرة أرواح أطفالنا ونسائنا وشبابنا وتريقهم أنهارا من الدّم وأروقة من الأشلاء، فهل أفظع وأبشع من هذا؟
ولازلنا نتساءل متى يحين وقت بقيّة الشّعوب لتخرج عن صمتها على تواطئ حكّامها لا بل وضلوعهم في ما يحدث من مجازر ضدّ الإنسانيّة؟
-----------
-  كاتبة  تونسية
docyosra@hotmail.fr