خواطر

بقلم
توفيق الشّابي
تلامذة الاستشراق
 في حديثه عن الإستشراق يعرّفه المفكّر العربي الفلسطينيّ الرّاحل «ادوارد سعيد» على أنّه «كلّ ما يصدر عن الغربيّين من إنتاج فكريّ واعلاميّ حول قضايا العرب والمسلمين في مجالات السّياسة والإجتماع والثّقافة والفنون، ويمكن أن نُلْحِقَ به ما يكتبه  تلامذة المستشرقين من العرب والمسلمين ممّن ينظرون للتّراث من منظور غربي يزعم تفوّق الغرب العنصري والثّقافي على الشّرق الإسلامي».
ما يهمّنا في هذا التّعريف هو الجزء المتعلّق بالتّلامذة- وخاصّة من النّخبة السّياسيّة- والذين علا صوتهم في السّنوات الأخيرة وخاصّة بعد موجة الثّورات العربيّة، والذين نراهم ونسمعهم يدافعون بشراسة غير مألوفة على التّصور القائل بتفوّق الغرب على الشّرق من خلال الدّعوة ولو بالقوّة إلى التّبني الحرفي للعلمانيّة الغربيّة على أنّها النّموذج المثالي. من أجل ذلك هم لا يتورّعون عن مدح وتبرير الانقلابات العسكريّة والترويج لثقافة الإستئصال لكل فرد أو فئة تؤمن بأهمّية الهويّة في صياغة مستقبل هذه الشعوب. والمثال الطّاغي هذه الأيّام هو انتصارالتّلامذة لما آلت إليه التّجربة المصريّة  واشادتهم «بالإنتخابات النزيهة» وكتابتهم بيانات الدّعم لعودة الأحذية العسكريّة إلى الرّئاسة بانتخابات مقرفة صاحبتها اجراءات مثيرة للضّحك (تمديد للوقت والأيّام، عطلة إضافية للانتخابات، عقوبات مادّية على من اختار عدم الذّهاب إلى الصّندوق، نجاح «السيسي» بأكثر من 90 بالمائة...). بل بعضهم يعتقد أنّ العسكر يمكن أن يكون قاطرة للدّيمقراطية والحريّة. 
لا أعرف هل هم على وعي حقيقيّ بحجم تناقضاتهم ومآلات تصوّراتهم؟ أوّلا تناقضهم مع أساس من أسس العلمانيّة ألا وهو الحريّة والتي تهدف إلى القطع مع كل أشكال الوصاية على الأفراد والمجموعات وذلك في مختلف المجالات، فكيف لهم أن يبرّروا انقلابا مكشوفا كالذي وقع في مصر. انقلاب تخجل من دعمه حتى الدّول العريقة في الدّيمقراطية. وثانيا، تناقضهم مع أنفسهم لما يمنحونه من قدسيّة لبعض التّصورات العلمانيّة (وهو ما لا تعتقده العلمانيّة نفسها) في حين أنّهم من عتاة الرّفض لكلّ ما هو مرتبط بالمقدّس الدّيني. فالعلمانيّة، باعتبارها ابداعا انسانيّا صرفا، تبقى قابلة للنّقاش والتّطور والتّغيّر ولا يمكن أن تكون دينا جديدا. إنها ابداع انسانيّ مرتبط بالزّمان والمكان والبيئة التي نشأت فيها وبالتالي لا مجال لفرضها على أيّ كان. 
بمثل هذه التناقضات يفقدون مصداقيتهم ويقدّمون العلمانيّة تقديما سيّئا يساهم في رفضها من قبل الشّعوب، برغم ما فيها من أفكار مهمّة تساعد في دعم التّعدد والتّنوع وتحسين ادارة الإختلافات داخل المجتمع. بهذه الطريقة يقدمون هديّة ثمينة لدعم التّطرف والإنغلاق الفكري والدّفاع الأهوج والغير عقلاني عن الهويّة، لتكون النّتيجة  في النّهاية عكس ما يتمنّون. فلا انتصرت علمانيتهم ولا أمكن بناء نموذج مجتمعيّ خاص لتبقى شعوب هذه المنطقة في حالة صراع دائم غير قادرة على بناء نفسها وصياغة مستقبلها. 
-------
- كاتب وشاعر  تونسي
tchebbi@yahoo.com