وجهة نظر

بقلم
اسماعيل بوسروال
القصرين وسيدي بوزيد عندما يلتقي هدف الإرهابيين مع هدف الفوضويين
 القصرين تدفع الثمن لأنها رفضت الظلم ؟
لما ورد في الأخبار الهجوم الإرهابي على منزل وزير الداخلية في القصرين، تذكرت مجزرة قرية بن طلحة في الجزائر سنة 1997 التي ذهب ضحيتها 200 مواطن وفق الأهالي واستمرت 6 ساعات بدون تدخّل أو نجدة رغم أنها كانت مجاورة للقاعدة العسكرية بالبليدة في ضواحي الجزائر العاصمة ...ولما زار القرية أحد الوزراء قال لهم : « إنّكم تدفعون ثمن تصويتكم للجبهة الإسلاميّة للإنقاذ سنة 1992» مما يمكن تفسيره بأن المجزرة هي نوع من العقاب ... وهكذا تفسّر الأوضاع الحالية في القصرين وسيدي بوزيد  بأنّها نوع من العقاب للسكّان بسبب تمرّدهم على منظومة الفساد والاستبداد .
القصرين الغنية بمواردها الطبيعية وبخيراتها التي وهبتها لها الطبيعة الإلاهية من سهول وغابات ومياه وبترول (الدولاب) وما تزخر به من طاقات بشرية وكفاءات  علمية ومهنية ظلت طيلة العهود السابقة تفتقر إلى «عدالة اجتماعية» تضمن لجميع سكانها «حياة كريمة»...  ولكن - حسب الارهابيين - مادامت القصرين لم ترض بأوضاعها تلك وثارت وغضبت وانتفضت، فالآن وجب عقابها حتّى تحن للأيّام الخوالي ...هكذا أفهم سياق الأحداث الإرهابية.
الإرهاب في سيدي بوزيد والقصرين 
لعقاب السكان وإضعاف الدّولة 
من جهة أخرى ، أعادت حادثة العملية الإرهابية في حي الزّهور بمدينة القصرين سيناريو العملية الإرهابية في سيدي علي بن عون  بولاية  سيدي بوزيد والتي ذهب ضحيتها ثمانية من أعوان الأمن في كمين محكم التّدبير ...بما يؤكّد وجود حاضنة اجتماعية للعمل الإرهابي ، نجحت المخابرات الأجنبية  في تجنيدها ، فهو يخرج من نفس الأماكن ويتغذّى من جزء من السكّان ولوعن طريق الخداع، ومن هنا يستمدّ عامل المباغتة  ( أي انّه تنفيذ محلي الصّنع مدعوم من جهات وخبرات عالمية عالية التدريب )...
إن الإرهاب الذي تشهده ولايتا سيدي بوزيد والقصرين هو، مثله مثل الاغتيالات السياسية، عمل أجهزة مخابرات تتوفر لديها التجربة والوسائل المادية والتقنية والبشرية، غرضها الرئيسي إفشال التجربة الديمقراطية في تونس ومنع الانتقال الديمقراطي ونشر اليأس في صفوف التونسيين بهدف الترحم على أرواح العهود السابقة وإنماء حنين الشعب التونسي إلى أيام الاستقرار تحت القبضة الأمنية الحديدية حيث ثمة أمن المواطن مقابل نهب خيرات البلاد لفائدة الطبقة الحاكمة وأنصارها في الدّاخل والخارج .
الفوضى في خدمة الإرهاب 
 ولكن من المؤسف حقا أن تتم معاضدة «العمل الإرهابي» الإجرامي الساعي لتقويض الدولة التونسية – ككيان -  بأعمال فوضوية هادفة لارساء « ديكتاتورية شيوعية» هادفة هي أيضا لتحقيق نفس الهدف.
هما تيّاران ليسا من نفس الطينة ولا من نفس التركيبـــة ولا يتبعان نفس الأساليب وأستبعد أن يتم التنسيق بينهما ولكن من الواضــــح أن أعمالهما ستؤدي إلــــى نفس النتائــــج وهو ما يسمّى بالتّحالف الموضوعي أي أنهما لم يلتقيـــــا ولم يتفقا ولكن – عن بُعد – حصل نوع من «الهدف المشترك»
سيدي بوزيد ومشروع الأفكار الحجرية 
دخلتْ سيدي بوزيد التاريخ الحديث من خلال «عربة» الخضار لبائع يدعى «محمد البوعزيزي». إدارة الله وإرادة الإنسان جعلتا الحادثة والزمان والمكان يصبحون علامة مضيئة.
كان «العالم» يستعد لمساعدة تونس على تجاوز أسباب «الثورة –الانتفاضة» وذلك بدعمها بانجاز مشاريع كبرى في حين كانـت خطة اليسار الشيوعـي الفوضوي « منع التنمية والاستثمار» في سيدي بوزيد لهدفيْن الأوّل رفع وتيرة الاحتجاج ضد منظومة 23 أكتوبر والثاني إيديولوجــي من آثار الفكر الشيوعي البائد وهو مقاومــة «استغلال رأس المال للطبقة العاملة» أي انتظار أن تأتي الدولة بمعامل الطماطم والهريسة والعجين الغذائي وتسمّي عليها مديرين عامين وإدارات... فيتم انتداب موظفين وعمال مرتباتهم وأجورهــم مضمونــة سواء عملــوا أو أضربــوا أو اعتصموا ...فالدّولة مطالبة بتسديد خسائر المؤسّسات التي يمكن آنذاك تفسيرها  بسبب « سوء التصــرّف» الذي لا دخل للقوى الشغّيلة فيه ...
 الفوضويون الشيوعيون 
في خدمة أهداف الارهابيين المجرمين 
لقد برمجت مؤسسة عالمية للاستثمار اجتماعات في تونس سنة 2012 و2013 وأدرجت سيدي بوزيد في قائمة المناطق التي تتوجه إليها المشاريع الاستثمارية ... لكن في المرة الأولى نقلت محطات التلفزيون اقتحام الولاية وقلع الباب الحديدي  فتأجل الاستثمار ... في العام الموالي وأثناء الاحتفال بذكرى اندلاع الثورة 17 ديسمبر 2013 تم رمي رئيس الجمهورية ورئيس المجلس التأسيسي بالحجارة تحت أنظار العالم ... قال لي أحد أعضاء هذه الهيئة الاستثمارية (وهو من كفاءات الجهة العاملة بالخارج) أنّه تم شطب سيدي بوزيد من قائمة المناطــــق التي يمكن الاستثمــــار فيهـــا – إلى أجل غير مسمّى – لأن المستثمرين الذين فكّروا في انجاز مشاريع هناك قالوا:«كيف نتوجه إلى منطقة يرمي أهلها  رئيسهم بالحجر؟ كيف يمكن التّعامل مع النّاس هناك؟»  وبذلك نجح «أصحاب الفكر الحجري» في إعادة التاريخ إلى العصور الحجرية البدائية وشوّهوا دخول سيدي بوزيد التاريخ بصورة ناصعة وقف لها العالم إجلالا. هل انتفت كل أشكال التعبير عن المطالبة بالتنمية لترمي حجرا على ضيوف جاؤوا للتّحية ولترفع رأسك وتعتزّ بنفسك وبمن شاركك احتفالك؟ إن الرمزية الرّائعة التي حازت عليها سيدي بوزيد في العالم بفضل «عربة الخُضار» لبائع متجوّل يدعى «محمد البوعزيزي» وما أعقبها من احتجاجات شعبية امتدت الى كامل مناطق البلاد التونسية، هذه الرمزية الرّائعة أساء إليها الفكر الشيوعي الحجري بمشهد إلقاء الحجارة على الرئيسيْن الضّيقيْن، ذات احتفال بذكرى 17 ديسمبر .
كنت أشاهد ندوة حول التنمية في سيدي بوزيد بعد أيام من تلك الحادثة وكنت أتابع أقوال بعض الحاضرين من أصحاب الفكر الشيوعي الحجري إذ قال أحدهم ( لا نريد أن يأتي مستثمرون خواص إلى سيدي بوزيد بل نريد أن تنجز الدولة مؤسسات ذات قدرة تشغيلية عالية ) ... استغربت وقوف الشيوعية لديه عند العهود القديمة لأن « الدولة» لم تعد تبني المصانع والمعامل في الاتحاد السوفياتي نفسه لأنها فكرة ماركسية فشلت فشلا ذريعا أثناء التطبيق وبذلك تغيّرت مهمة الدولة في البلدان الاشتراكية بعد إفلاسها الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي وأصبحت تقتصر على توفير مناخ الاستثمار وتنظيم العلاقات بين العمال وأصحاب العمل ... لكن بقي عندنا الفكر الشيوعي جامدا واستخدم طاقته في رمي الحجارة على رؤسائه .
كما تابعت تصريحات لبعض أنصار الفكر الحجري يتحدث عن رئيس الجمهورية وحكومة الترويكا والمجلس التّأٍسيسي حيث قال : « من ليس له حسّ ثوري لا يمكن أن يدخل أرض الثورة» المتحدث بهذا الكلام لم يدخل سجنا ولم يمنع من السفر ولم يطرد من العمل بل كان مستفيدا من المنظومة السابقة من خلال الترقيات والبعثات والحظوة الفائقة والمنافع المختلفة ( في إطار خطة تجفيف المنابع ) ...وهو المحظوظ في النظام السابق، هو رفاقه، يتحدث عن قامات وطنية دفعت ثمنا لمقاومة الاستبداد سنين طويلة من السجون والمنافي وعانت من منع الكلمة والحرمان من نسمة الحرية ...
كيف نطوّر التنمية في سيدي بوزيد والقصرين  ؟
 لا يمكن بناء اقتصاد وطني بعد «ثورة الحرية والكرامة» دون رؤية سليمة تأخذ بعين الاعتبار التّجارب الناجحة في العالم شرقا ( اليابان – كوريا ج – ماليزيا ) وغربا (ألمانيا – فنلندا- السويد والدانمارك ) وهي نماذج لبناء دولة حديثة ومجتمعات متطوّرة اثر حروب وأزمات وصعوبات أعقد من الأوضاع في تونس 2010، بل إنّ بلدا مثل كوريا الجنوبية كان في وضع مشابه لوضع تونس في الستينات وأن بلدا مثل ماليزيا توحّد في شكل فيدرالي سنة 1963 وحقق نموا اقتصاديا مذهلا . 
ويمكن التّأمل والاستفادة أيضا من نجاح التجربة الاشتراكية الماركسية الماوية في الصين مقابل الفشل الذّريع والانهيار الذي عرفته التجربة الاشتراكية الماركسية في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية فالحكمة ضالّة المؤمن أين وجدها التقطها. 
لقد تخلّــت الصّيـــن الشّيوعيّـــة القديمــة سنـــة 1976 عن «اعتبار الدولة هي الممول والمتحكّم في قطاعات الاقتصاد ووسائل الإنتــــاج» وأنجزت تحـــّولا هائــــلا في «المنوال الاشتراكي» فسمحت بالملكية الفردية الخاصة ثم باستثمار رأس المال الوطني في وسائل الإنتاج وقطاع الخدمات وحرصت على أن تضمن التوازن بين رأس المال والعامل. هذا التعديل أنقذ الصّين بل وجعل اقتصادها ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايــــات المتحــــدة، وفتح البــــاب علـــى مصراعيـــه للشركات الصينية لتسيطر على السوق العالمية فغدت الصين الشريـــك الأساسي في تنمية القارة الإفريقية حيث مثّلت سنة 2013 الشريك التجاري الأوّل للقارة الإفريقية متفوقة على الولايات المتحـــدة، خاصة في ميادين التنقيــب عن النفط والغــاز والأورانيوم . 
أما الاتحاد السّوفياتي فتمسك بالقطاع العام وسيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وفق النظرية الماركسية اللينينية   فكانت النتيجة أن قامت الأحزاب الشيوعية بتعميم الفقــــر على شعوب آسيا الوسطــــى بدل التوزيع العادل للثــــروة على أبناء الشعب إلى أن انهار الاتحاد السوفياتي ويتفكّك بيد صناع القرار فيه بداية من سنة 1990 ليصبح رأس المال الخاص محرّكا أساسيا للاقتصاد الوطني للدول الجديدة بما فيها روسيا والقوّة الفعالة في الاستثمار الخارجي. .
كما يمكن الاستفادة من النجاح  الذي ما انفكت تحققه التجارب الناجحة نسبيا  في المحيط الإقليمي كتركيا وإيران، وتجارب دول أمريكا اللاتينية.
 وأمام غياب أنموذج تنموي مرضي نسبيا في البلاد العربية فيمكن أن يكون الحلم بأن تكون تونس  بلدا تتوفر فيه « التنمية والديمقراطية» وهو حلم يتحقق بالأفكار الحرة والعمل الجاد والتخطيط السليم . 
ما العمل لتحقيق الأفضل ؟
إن مـــا حدث فـــي تونـــس بيــن 17 ديسمبـــر 2010 و14 جانفي 2011  مثّل بداية ثورة وهو فرصة تاريخية لبناء دولة على أسس سليمة تتمثل في:
(1) بناء مؤسسات تضمن التّداول السّلمي على السّلطة بواسطة الانتخاب القائم على احترام اختيار النّاخب. 
(2) إرساء منوال تنموي يستجيب لخصائص الشعب التونسي ويستفيد من التجارب الناجحة في العالم. 
(3) إقرار مناخ للحرّيات في إطار القانون. 
(4) إقرار مناخ للاستثمار القائم على احترام حقوق العامل وتأمين مصالح رأس المال في آن واحد.
--------------
-  جمعية منتدى المعرفة بسوسة
ismail_bsr2004@yahoo.fr