الكلمة الحرّة

بقلم
يسري بن ساسي
نحو دور إنساني أشمل للمرأة
 يؤثّث البتر بين انسانيّـــة المـــرأة وبين كونها جنسا مختلفـــا عن الرّجـــل مع مـــا يفرضـــه هذا الاختــلاف من تداعيـــات اجتماعيّـــة ليست إلاّ ما نسميــه بقضايـــا المـــرأة مجمل تفاعلاتنا الفكريّة فـــي هــذا المضمــار. وهذا البتــر نجد أصوله حتّــى في  أكثر النّصوص دعوة لتحرّرهــا بمعنى أن تضطلــع بـــدور حقيقيّ في المجتمـــع.. وانعكاس ذلك أنّنـــا أمعّنــا في الحديــث عن ضـــرورة عدم إقصـــاء المـــرأة حتى انحصـــرت كلّ الجهــود بما فيهــا جهودهـــا في التّصدي لهذا الإقصــاء، ولكن ذلك إذا مــا استحكمنـــا إلى مجهر أفضل هو المجهر الانساني وليس المجهر الجنسي، لم يعدُ سوى توصّلنا إلى إخراجها من سجن إلى سجن أكبر..
إن تعاملنا مع قضايــا المرأة مرق إلى زمن كبيـــر من ردهة اختلافها الجنســـي عن الرّجل فكان لابدّ،  لسنا لننكـــر ذلك، من خطوات لتحقيـــق حضورهـــا إثباتـــا لكون هذا الاختلاف اختلاف تكامل وليس اختلاف هيمنة. لكننا الآن، وإن كنّا نرى بشكل واضــح حضورها، فإنّنا لا نلمس بـــارزا فعلها الخـــلاّق والمغيّر في مختلف نواحي الحيـــاة أي أنّ صوت المـــرأة يكاد دائما يكـــون ارتــدادات وأصـــداء لصوت الرّجـــل ومنه من قد اقتنع بذلك مثلما قد يبدو أنّها قانعــة أيضا غير أن في المسألة غمرا كبيرا لدورها في الدّفق الانسانيّ المبدع..
ليس على المرأة أن تكون مجرّد راقنة لأفكار الرّجل على صفحات الفعل البشريّ حتــى وإن ضمن لها ذلك تحقق حضورهـــا، فالمطلب أعظـــم مـــن مجـــرّد الحضـــور بل هو الإسهام الفكريّ الانسانيّ المرجو من الرجل والمرأة على حدّ سواء و بذات الدّرجـــة على أساس انسانيتهمـــا  وهـــذا فـــوق  أي أســـاس .. 
لكننا ندرك، حتى وإن لم يبدو ذلك معلنا في غالب الأحيان، أن السائــــد- ويوجد طبعا بعض الاستثنــــاءات- هو الحضّ على إبــــراز تواجد المـــرأة في مختلف المياديـــن والسّاحات واحتلالها لربما أوقاتــــا مراتب متقدّمة دون الحـــضّ على أن تضيف أو تجدّد أو تبتكــــر في هذه الأخيــــرة، لا لعدم قدرة ولكن لتراكمـــات  في نفسيّتها من جهــــة وفي نفسيّـــة الرّجل من جهة أخرى مأتاها توريثات معرفيّـــة  ومفاهيميّة خاطئة لكينونة المرأة في المجتمعـــات البشريّة. ولابدّ طبعا من الإقرار بأنّ الدّين براء من ذلك فالأصل فيه دعوة الانسان الى عمـــارة الأرض لم يفرق في ذلك بين امرأة ورجـــل ولم يرد فيه أن ما تختص به الأنثـــى من حمل وإنجاب يعفيها من هذه الرّسالة فالحمل والإنجاب مجبولة عليه بحكم تركيبتها، أما رسالتها في تعمير الأرض – و هو ليس مجرّد التّناسل كما قد يتبادر إلى ذهن البعض – فالعقل الذي حباها به الله كما الرّجل هو المتوكّل بذلك وليس في العقل والتّفكير كما نعلم وكالة، فلماذا توكّل المرأة الفكر بما في رحمه من خلق واستنباط وتجديـــد وابتكار الى الرّجل، أو لماذا  تربّـــى أو تنشـــئ على مثل هذه المفاهيم الخاطئة وما ينجرّ عن ذلك من ضمــــور في حراكها الفكري قد يصل حدّ الشّلل ..
من منا لا يتبين كم أن المجال الفكري بما حازه من نظريات واختراعات وكشوفات في متعدّد الاختصاصات من فلسفة ورياضيات وفيزياء وكيمياء وعلم اقتصاد وعلم اجتماع وغيرها من علوم، هو في غالبه ابداع وابتكار الرّجل المحض وإنّه لمن الإسفاف والسّطحيّة التملّص من محاولة معرفة  أسباب ذلك ومعالجتها بالقول أن الرّجل ابن لامرأة وأخ  لامرأة وزوج لامرأة وانه مدين لها بالمساندة والمعاضدة وأن في ذلك إسهامها. ما كلّ رجل مبدع في الحقل الانسانيّ سندته امرأة وما كلّ من سندته كان رجلا مبدعا لنخلص في النّهاية إلى أن الابداع مسألة ذاتيّة تجد من الظّروف ما يمضيها وما يثنيها على حدّ سواء وتتجلى عبقريتها في تفتّقها في النهاية  وفي إلحاق كل مدّ بشري لها بركب عظمتها.. 
لقد أدت هذه الإسقاطـــات المضلّلــة إلى اقتضاب حقيقي لدور المرأة الانسانـــي واختصــاره- على مـــا في ظاهر الأمر من سعـــي كل مؤسســـات المجتمـــع إلى توسعة رحابه وإمكاناته- اختصاره دائمـــا الى الاتّباع بــــدل التّجديد والانقيــــاد الفكـــري بدل القيادة الفكريّــــة وكأن على دور المرأة كربّة بيت وأمّ أن يحسم من دورها كعقل إنساني مفكر وهـــذا يبدو ثقافة لا مخصوصـــة ببلداننا العربيّة ولكنها تبدو ثقافة عالميّة وإن اختلفت درجـــات نشوبهـــا في المجتمعات وتكريسها أومحاولة ايجاد بدائل ثقافيّة مخلصة..
علينا أن نتجاوز اليوم بما أنّنــــا فــــي مرحلـــة الثّــــورات بما هي تقويـــض وبنـــاء – وإن كان بعضنـــا لم يتوصّـل بعد حتّـــى إلى تدعيم حضور المرأة لكن نرجو أنّه في الطّريق إلى ذلـــك- علينا تجاوز مسألـــة التّنويـــه بخوض المرأة في بلداننـــا لمختلف المياديـــن أو تركيز جهودنـــا على دعم حضورها في ميــدان أو في آخــــر وإنّما حثّها على مجاراة النّسق الفكريّ والابداعـــي للرّجل وتربيـــة النشء على هذا الحفز المتواصل لكلّ الطاقات الابداعيّـــة بغضّ النّظر عن جنسها  كي لا تغبـــن أي موهبـــة من جهـــة وكي لا تستهين المرأة بإمكاناتها الفكريّة أو تستسهل رسالتها فيما تفضي إلى الرّجل حـــلّ القضايا الانسانيّة المعقّدة وإيجاد الحلول لما يطــرأ من مـــآزق بينمـــا تكتفـــي هي بالتّطبيق
الكون مسؤوليتنا جميعا وعمارة الأرض رسالة كل واحد فينا..
-----------
-  كاتبة  تونسية
docyosra@hotmail.fr