في الشأن السياسي

بقلم
شكري عسلوج
التنوير لمنع التزوير رسالة مفتوحة إلى القائمين على الانتخابات
 تتسارع الأحداث وتأتينا الأخبار تباعا عن استكمال آخر اللّبنات التي ستُفضي بالبلاد أخيرا إلى الخروج من نفق المرحلة الانتقاليّة عبر انتخابات مؤسّسات الدّولة الدّائمة، بعدما طال انتظارنا ومرّت البلاد في العديد من المناسبات على شفى جرف هار، كان يُنذر بالسقوط في جحيم الاحتراب الأهلي أو الفوضى العارمة أو تفكّك الدّولة أو الانقلاب على الثّورة ومكتسباتها، ولكن الله سلّم وهو وحده المُطلع على ما يزال يُحاك وراء الأبواب الموصدة وما يُدبَّر بليل . الطريق إلى هذه المرحلة، كان قد زُرعت مطبّات وألغاما، حيث تفنّنت مراكز قوى النّظام السّابق أو ما أُصطلح على تسميته بالثّورة المضادّة، تُعاضدها في ذلك القوى ذات المصالح الاستعماريّة والاستبداديّة، في استنباط الوسائل بالعنف والقتل حينا وبالخبث والخديعة أحيانا أخرى، لحمل الشّعب سواء بالإرغام أو بالإقناع، إلى الرّجوع إلى بيت الطّاعة والكفر بالحريّة والدّيمقراطيّة، حيث لم يشاءوا له أن يرى منها سوى إنخرام الأمن وبروز الإرهاب وغلاء الأسعار وتدهور الاقتصاد وانتشار المزابل وتفشّي الأوساخ  وتغوّل النّقابات وصراعات الدّيكة بين الفرقاء السّياسيين.    
المحاولات المستميتة التي نراها على مختلف الأصعدة  للنكّوص بنا إلى الوراء وإعادة إنتاج الاستبداد ومصادرة إرادة الشّعب بوسائل أكثر تنميقا، لم ولن تتوقف، وعليه فأن المجهودات التي من المفروض أن تُبذل لصدّ هذه المحاولات وإفشالها وإفراغها من محتواها لا بدّ وأن تتواصل قبل وأثناء وبعد الانتخابات، بوصفها المُستهدَف الرئيسي للقوى التي تحارب مشروع الشّعب التّونسي للتّحرر والإنعتاق والسّيادة. ليس من الضروري أن نضرب بالغيب أو أن نُؤتى حكمة لقمان أو فراسة المؤمن، لكي نتوقّع  بأنه ما يزال الكثير في جعبة هذه القوى المُعطًّلة لمسار التّاريخ، للحيلولة دون وقوع هذه الانتخابات أو لمحاولة تزويرها في صورة وقوعها. 
وأمام تقلّص الفترة الزّمنيّة التي تفصلنا عن إجراء الانتخابات واستكمال كلّ الشّروط لإجرائها بدءا بالمصادقة على الدّستور وعلى القانون الانتخابيّ ومرورا بتشكيل الهيئة العليا للانتخابات ووصولا إلى التّوافق في إطار ما يُسمّى بالحوار الوطني، حول التّرتيب الزّمني للمحطات الانتخابيّة ما بين تشريعيّة ورئاسيّة بدورتيها الاثنتين وإلى تحديد المواعيد الانتخابيّة قبل موفّى السنة الحاليّة حسب مقتضيات الدّستور، فإنّ هامش المناورة لمنع وقوع الانتخابات، يتلاشى بدون هوادة يوما بعد يوم ولم يبقَ للقوى المناهضة للدّيمقراطيّة لنيل مُبتغاها سوى اللّجوء إلى الضّربات الإرهابيّة الدراماتيكيّة، والتي ولا شك أنها ستكون، إن حصلت لا قدّر الله، مُكلفة في الأرواح والمكتسبات والتي من المراد لها أن تنشر الرّعب في ربوع هذا الوطن الآمن، حتى يُحجم المواطن عن ممارسة حقّه وواجبه الانتخابي ممّا سيؤدّي لإلغاء الانتخابات برمّتها لدواعي أمنيّة. السيناريو الثاني يتمحور حول اللّجوء إلى الاغتيالات والتي ولا بدّ وأنها ستشمل رموز السّاحة السّياسيّة وأقطابها، وذلك لخلط الأوراق وبعثرتها ومن ثَمّ بثّ الفتنة بين مجموع فعاليات الشّعب ومكوناته، بإطلاق الماكينة الإعلاميّة التي ستكرّس تبادل الاتهامات الجزافية الجاهزة مثلما شهدنا في السّابق، بحيث يستحيل بعدئذ أن تتعامل الأحزاب والقوى السّياسيّة  في ما بينها لإنجاح العمليّة الانتخابيّة والاعتراف بنتائجها. في هذا الإطار تتنزّل التحذيرات الأمنيّة الأخيرة من اغتيالات تشمل زعيمي النّهضة ونداء تونس بالإضافة إلى الكاتب العام للإتحاد العام التونسي للشغل والتي وردت مجدّدا حسبما تمّ تداوله في وسائل الإعلام، من أجهزة إستخباراتيّة أجنبيّة، مما يُعّمق الشّك والرّيبة حول حقيقة مجريات الأمور في تونس ومدى إمساك الأطراف الوطنيّة وأجهزة الدّولة بخيوط الوضع الأمني والقرار السّيادي. تحسّن أداء المؤسّسة الأمنية والضّربات الموجعة التي تمكّنت من توجيهها إلى المجموعات التي تتبنى العنف الأعمى، مكّنها من القضاء على الكثير من قدراتها ومواردها البشريّة واللّوجستيّة، ممّا يجعلنا نتفاءل بأنّ من المُستبعد حدوث هذا السّيناريو الكارثي بكل المقاييس. إذن ما تبقي، وهذا الأرجح في تقديري، يتمثّل بأن قوى الرّدة لن تُعدم وسيلة ولن تدّخر جهدا ولا مالا من أجل تزوير الانتخابات.
قبل الاسترسال في التّحليل ولرفع الالتباس، فأني أريد أن أنوّه بأن كل ما سآتي على ذكره لاحقا لا يُشكل بأي حال من الأحوال تهما ضمنيّة ولا حكما على النّوايا ولا قدحا في مصداقية هيئة الجندوبي السّابقة أو هيئة صرصار الحاليّة وإنّما من باب العمل بمبدأ: إذا كانت الثّقة من فضّة فإن المراقبة من ذهب، وهذا ينطبق في كل الأمور وخصوصا إذا كان الأمر يتعلق باستحقاقات مصيريّة تحدّد مستقبل شعب بأسره.
التمشّي المُقَتَرح لكي تطمئن قلوب التونسيين بأن إرادتهم لن يتمّ تزويرها من جديد إلى أن يرث الله الأرض وما عليها وأنّ المشهد البائس في انتخابات الانقلاب في أرض الكنانة،  لن يكون متاحا لأي كان أن يستنسخه في تونسنا الخضراء، يتمحور في جوهره حول إرساء منظومة انتخابيّة قوامها السّيطرة الكاملة والشّفافية التّامة وسدّ كل الثغور والذّرائع ومداخل التزوير وتمكين الشّعب من المراقبة لكل المتدخّلين في مختلف مراحل العملية الانتخابيّة مهما كان موقعهم.
انطلاقا ممّا تمّت ملاحظته من نواقص على أرض الواقع خلال العمليّة الانتخابيّة، التي تمّت في 23 أكتوبر 2011 والتي تتلخّص أهمها فيما يلي:
-  في 22 أكتوبر 2011 أي في اليوم الذي سبق الموعد الانتخابي وعند تسليم مستلزمات مكاتب الانتخابات ، بما فيها أوراق الاقتراع المُغلَّفة بإحكام في شكل رزم وبعد الإصرار على العدّ الفعلي قَبل إمضاء محضر التّسليم من طرف رئيس المكتب بالرّغم من تأكيد القائمين على عملية التّسليم بأنّه من المستحيل أن تكون هناك أخطاء في عدد بطاقات الانتخاب وعليه فليس هناك من داع  إلى فتح الرّزم، تبيّن وجود فارق مهم بين العدد المعلن عنه والعدد الفعلي. وبناءا على ذلك فقد تمّ سحب هذه الرّزم وتعويضها برزم أخرى قُبيل فتح المكاتب في يوم الانتخابات، والتي اتّضح بأنّها تحتوي هذه المرّة على العدد الصّحيح لأوراق الانتخاب.
- العدد غير الهين للنّاخبين الذين سجّلوا أنفسهم ولم يقع إدراج أسمائهم في قوائم مكاتب الاقتراع، التي تمّ توجيههم إليها.
- التأخير الملفت للنّظر، في التّصريح بنتائج الانتخابات والتي كانت في مجملها متاحة على الأقل في نسختها الأوليّة في اليوم التالي. وفي هذا الصدد لا يفوتنا التّذكير بالوقائع الغامضة وبالخصوص تلك التي حفّت بإلغاء مقاعد فازت بها العريضة الشعبيّة والتراجع عن ذلك فيما بعد.
وعلما بأن إمكانيّة تزوير الانتخابات تكون:
-  إما بشراء الأصوات على نطاق واسع عبر وجود أوراق خارج مكاتب الاقتراع، تحمل اختيار الحزب المعني بشراء الأصوات، والتي تُسلم إلى النّاخب الذي يقبل ببيع صوته لكي يتكفّل بوضعها في صندوق الاقتراع وإخراج الورقة الغير مستعملة التي سُلّمت له في مكتب الاقتراع مقابل حصوله على مبلغ مالي،
- وإما بالتّلاعب بقوائم التّسجيل عبر عدم إتاحة التّسجيل للراغبين فيه أو بعدم إدراج أسماء المُسَجلين في القوائم التي تعتمدها مكاتب الاقتراع أو بالقيام بعمليّة الاقتراع بالوكالة، باستعمال أسماء غير المسجَّلين  أو المسجّلين الذين لم يقوموا بالتصويت الفعلي. 
- وإما بتزوير النتائج خلال المراحل المتعددة التي يمر بها الصّندوق من مكتب الاقتراع إلى حين الإعلان عن النتائج النهائية إذا ما توفّرت الفرصة لمجموعة محدودة من احتكار المعلومة الكاملة التي تؤدي إلى النتيجة النهائيّة دون إمكانيّة التّثبت من صحّتها من طرف عموم الشّعب وإذا ما وُجد الاستعداد لتزوير النتائج إما تحت تأثير التّرغيب والترهيب أو تعصّبا لحزب أو لإيديولوجية أو خضوعا لقوى داخليّة وخارجيّة،
فإن إستراتجية صدّ محاولات التّزوير هذه تكون كالآتي:
- مقاومة عملية شراء الأصوات بالتأكد من أن ورقة الاقتراع المُسلمة للناخب في المكتب هي نفسها التي تدخل الصندوق. وكإجراء عملي فمن الضروري أن تحمل الورقة ختم المكتب المختلف ضرورة على أختام المكاتب الأخرى مع إمضاء رئيس المكتب. أو أن تحمل الورقة رقما تسلسليّا وتُسَلم مع قصاصة تحمل نفس الرّقم إلى الناخب لاستظهار بها لدى رئيس المكتب قبل التّمكن من إيلاج ورقة الاقتراع في الصندوق.
- نشر القوائم الانتخابية كاملة حسب مراكز الاقتراع على الإنترنت، كي يتمكن كل ناخب من التأكّد من مكتب الاقتراع الرّاجع له بالنّظر قبل التوجّه لآداء واجبه الانتخابي ولكي تتمكن الهيئات الرقابيّة الوطنيّة والأجنبيّة، من المراقبة والتثبّت من أن القوائم المنشورة تتطابق مع القوائم المعتمدة في مكاتب الاقتراع.  من الضروري في هذا الصدّد الإحجام على نشر أسماء الشخصيات التي تواجه تهديدات وذلك مراعاة للهاجس الأمني الذي يجب أن يكون سيد الموقف في كل الأحوال. البرمجيّات على موقع الإنترنت وخدمة الهاتف الجوال ليست كافية وإن كانت مفيدة، حيث أنها تمكن من النفاذ إلى المعلومة الخاصة بالشخص ولكنها لا تتيح رؤية شاملة على القوائم الانتخابية بحيث لا يمكن التثبت من صحة القوائم المعتمدة في الانتخابات.  
- ضرورة تواجد مراقبين من توجهات وانتماءات مختلفة داخل كل مكاتب الاقتراع بصفة دائمة أو على الأقل أثناء فتح الصناديق واحتساب النتائج. وفي هذا الصدد فإنّي أقترح تشريك جمعيات ومنظمات المجتمع المدني مقابل منحها شهادة من طرف الهيئة العليا للانتخابات، تمكّنها من التحصّل على تمويل عمومي لأنشطتها. بعد عملية الفرز والعدّ يتم إعلام الإدارة المركزيّة للانتخابات بالنّتيجة عن طريق رسالة نصية مُرسلة من رئيس المكتب، تتضمّن العدد الجملي للمشاركين والرّمز الرقمي للأحزاب الفائزة وعدد الأصوات التي تحصلت كل واحدة عليها. يتم نشر النتائج الأولية لكل مكاتب الاقتراع كل على حدة وبطريقة آلية حال ورودها، في ظرف لا يتجاوز 24 ساعة، وتكون على شكل جدول مبوب حسب التقسيم الإداري للجمهورية. بعد قبول الطعون والبتّ فيها يتمّ الإعلان على النّتائج النهائية ونشرها على الإنترنت مع تضمينها بالمسوغات والتبريرات في صورة وجود فوارق بين النتائج الأوليّة المعلن عنها والنتائج النهائية المعتمدة. بهذه الطريقة يمكن لكل من شارك في إدارة العملية الانتخابية أو في مراقبتها على مستوى المكاتب من التأكد من أن ليس هناك من خطأ عفوي أو تزوير مقصود في النتائج الصادرة عن كل مكتب بحيث يمكن التأكد من صحة النتيجة النهائية العامة، إذا تأكدنا من صحّة كل النتائج الجزئية، حيث لا تعدو النتيجة العامة أن تكون سوى جمع النتائج الجزئية.
من الضروري أيضا، إيجاد إطار تكون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مجرّد طرف فيه، يقبل الطعون والملاحظات ويراقب ردّ الهيئة عليها وكيفية التّعامل معها، ويُعدّ تقريرا يُعرض على أنظار الشّعب التونسي في وسائل الإعلام. 
وأخيرا نتمنى على صناع القرار في المجلس التأسيسي وفي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أخذ هذه المقترحات بعين الاعتبار حتى لا يُحكم التونسيون بعد اليوم أبدا، إلا ممن ارتضوه من خيرة رجالهم ونساءهم.
-----------
-  مهندس و رئيس مكتب في انتخابات 2011
c_aslouje@yahoo.com