الإفتتاحية

بقلم
فيصل العش
بالانتخاب لا بالانقلاب...
 «بالانتخاب لا بالانقلاب» شعار رفعناه بصوت عال منذ ظهور بوادر المؤامرة على الثّورات العربيّة ومحاولات الانقلاب على إرادة الشّعوب انطلاقا من مصر. ولئن نجح العسكر مرحليّا في مصر في مهمّته الانقلابيّة بمباركة أمريكيّة أوروبيّة ومساعدة لوجستيّة من بعض الأنظمة العربيّة التي خشيت من انتقال عدوى الدّيمقراطيّة إلى دولها، فإنّ السّيناريو المصري لم يجد ما يدعمه ليتمّ تنفيذه في تونس مهد الثّورات العربيّة بالرّغم من تجنّد العديد من القوى التي تدّعي الديمقراطيّة للمساهمة في ذلك نكاية في الحكومات الجديدة التي أتى بها الشّعب عبر أول انتخابات نزيهة وحرّة حصلت في تونس.  ولقد تنوّعت المحاولات وتجدّدت للقضاء على مشروع التّحول الدّيمقراطي غير أنها باءت كلّها  بالفشل. 
«بالانتخاب لا بالانقلاب» شعار نواصل رفعه اليوم مع انطلاق حملة التّسجيل للمشاركة في الانتخابات التّشريعيّة المزمع إجراؤها يوم 26 أكتوبر 2014 والانتخابات الرئيسيّة المبرمجة أواخر شهر نوفمبر، لنؤكّد مرّة أخرى أنّ الطّريق الأسلم لكلّ التونسيّين مهما اختلفوا هو تبنّي الدّيمقراطيّة مرتكزا لبناء الدّولة وأنّ الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة الصّالحة لاستلام الحكم والتّداول عليه وأنّ الشّعب هو الضّامن الوحيد لنجاح التّجربة الدّيمقراطيّة في البلاد وبالتّالي كلّما ارتفع عدد المسجّلين في القوائم الانتخابيّة من الرّاغبين في المشاركة في الانتخابات من المواطنين كلّما ازدادت نسبة مصداقيّة الانتخابات وأغلقت أبواب الفتنة التي ينوي الأعداء الولوج منها لقلب الطّاولة على إرادة الشّعب.
فبعد فشلهم في الانقلاب وفشلهم في تعطيل إجراء الانتخابات، عمد أعداء الثّورة من منظمات ودول وجماعات وشبكات فساد إلى زرع النّفور من متابعة الحياة السّياسيّة والعمل الحزبي في نفوس المواطنين وهم يريدون بذلك التّخفيض إلى أقصى حدّ في نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات القادمة حتّى يتعلّلوا في فترة قادمة في حال هزيمة ممثليهم من الأحزاب (وهو المتوقع) بضعف تمثيليّة الحكّام الجدد وكما فعلوا أول مرّة سيخلقون أجواءًا من التوتر حتّى لا تستقرّ البلاد ليفشل بالتّالي التّحول الدّيمقراطي المنشود.. 
ولقد نجح هؤلاء نسبيّا في دعوتهم إلى نبذ الأحزاب وإعلاء شأن ما يّسمى بالتّكنوقراط ( ونحن خبرنا من التّجارب السّابقة وخاصّة تجربة حكومة السّبسي الأولى أنّه لا وجود لتكنوقراط). فعندما تتحدّث إلى المواطنين تشعر بفتور كبير في تعاملهم معك كسياسي بل أنهم أصبحوا يعتبرون العمل السّياسي نجاسة وأنّ السّياسي منبوذ لأنّه يريد الكرسي لا غير.
ولمقاومة هذا الوضع الخطير، فإنّ المثقّفين والمثقّفات والسّياسيين والسّياسيّات والوطنييّن والوطنيّات، مدعوون إلى الانخراط في حملة دعوة النّاس إلى خطورة عدم المشاركة الفعّالة في الحياة السّياسيّة وترك نفورهم منها وإلى متابعة ما يجري فيها حتّى يتبين لهم الخيط الأبيض من الأسود ويميّزوا الخبيث من الطيب.. 
علينا جميعا أن ندعو النّاس وخاصّة الشّباب الذي ثار على بن علي وأراد تغيير النّظام إلى نظام وطنيّ يكرم التّونسيّ ويوفر له الشّغل وحقّ العيش ويحارب التّفاوت الطّبقي ويستمد قوّته وشرعيّته من الشّعب لا من الخارج أو من المال السّياسي العفن. ندعوهم إلى قطع الطّريق أمام قوى الرّدّة والفتنة وذلك بالإسراع إلى تسجيل أسمائهم في قوائم المنتخبين والمشاركة بكثافة في الانتخابات القادمة لتكريس إرادة الشّعب في ممارسة حقّه في اختيار من يحكمه ومن يدير شؤون البلاد من دون وصاية ولا توافق مغشوش.
إن القطع مع الاستبداد والدّكتاتوريّة أصبح أمرا موضوعيّا ومطلبا جماهيريّا وإن تعدّدت التّعبيرات عنه وتنوّعت، فالجماهير الشّعبيّة التي ذاقت طعم الحريّة ولو لوقت قصير بعد أن ضاقت ذرعا من بطش الدّكتاتور وحاشيته سوف لن تتخلّى عنها بسهولة ولن تقف مكتوفة الأيدي حتّى وإن خانتها نخبها أو قصّرت في أداء واجبها في قيادة البلاد نحو الأفضل. الفرصة مواتية للشّعب ليؤكّد أنّه معاد للخطّ الذي يريد أن يحرمه من أهم مكسب للثّورة إن لم نقل الوحيد وهو حقّ الانتخاب واختيار من يمثلّه لتولّي زمام الأمور. فهل سيردّد معنا شعبنا الأبيّ شعار «بالانتخاب لا بالانقلاب»؟ وهل سينجح في تحويله إلى واقع يصعب معه قلب الأوضاع وتعطيل المسار من جديد؟