في الفكر السياسي

بقلم
نعمان العش
مقالات بديع الزمان الهذياني: عناوين الإرهاب
 قد لا يستوي الحديث عن مقاربة بين الإرهاب والرّهاب [1] إلاّ بما يكوّنه توثيقا لعلاقة نجاة من الهلاك اجتمع عليها - كنتيجة - عدد من النّاجين رغم اختلاف أسباب نجاتهم، بيد أنّ المقاربة تحدّدت لها شراكة لا يكتفي بإباحتها ما يكون لها من نتائج موثّقة بل يوثّق لها صلة تجعل من الإرهاب والرّهاب متّصلين غير منفصلين، إنّه الخوف المتواصل من مواقف أو نشاطات معينة عند حدوثها أو مجرّد التفكير فيها. دعونا نفكّر فيها، هذه المواقف والنّشاطات، ونحن نقتفي آثار مقامات الهمذاني فنعرضها وكأنّنا، إذ نقتبس من أسلوب بديع الزّمان قراءة « هرمينيطيقية » [2] لما يمكن أن يكون واقعا أو يراد له أن يكون الواقع ثمّ نستأنف النّظر فيكون فيه من التّأمّل الفلسفي ما قد يحوّله إلى مشروع نظر ممكن يناشد الثّورة لتستأنف فتتواصل. بعض وجوه هذه المواقف أو النّشاطات سوف نتلوها بأسلوب يقتنص من المقامات رمزيتها فنسمّي مقامتنا:
الْمَقَامَةُ الْخَبَرِيّةُ
حَدَّثَنَا خْمَيّسْ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: كُنْتُ بِالعَاصِمَةِ وَقْتَ الإِخْبَار، فَدَخَلْتُ مَنْزِلِي لا يُهِمُّنِي إِلاَّ الْخَبَرُ وَمَا حَدا بِي أَرَبٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ تَدَاَعَيْتُ إِلَى الِّتِّلْفَاز أعَالِجُ مَفَاتِحَهُ فَمَا وَجَدْتُ لِي مِنْ قُدْرَةٍ عَلَيْهَا وَمَا مِنْ اقْتِدَارٍ إِلاَّ تَقَصّي مَا كَانَ لأَهْلِ الْفَصْلِ فِي الْخَبَرِ، مِمَّنْ ثَقُلَ مِيزَانُهُمْ بِتَارِيخٍ أَوْقَدُوا فِيهِ لِكُلِّ حَدَثٍ مَوْقِدًا وَأَلْهَبُوا لَهُ نَارًا فَلاَ هِيَ النَّارُ تَبقَى مُلْتَهِبَةٌ وَلاَ هُوَ الْحَدَثُ يَمْكُثُ بَـــلْ لِيُغْمَــرَ فِي «كَـــانَ». هَكَذَا أُرِيدَ لَـــهُ أَنْ يَكُـــونَ «لا مُعَاصِرًا»، فَمَاذَا وَجَدْتُ؟:
• مواجهات مسلّحة مع مجموعة إرهابية مسلّحة شهدتها مدينة قبلاط بولاية باجة شمالي العاصمة تونس يوم 17 أكتوبر 2013 وهي عملية إرهابية راح ضحيّتها ثلاثة أعوان من الأمن بين قتيل وجريح… الخ أغلب البيانات الرّسمية والمؤتمرات الصّحفية كشفت اللّثام عن مرتكبي هـــذه الأعمال الإجراميــة ووجّهت أصابـــع الاتّهام لتيّــار «أنصار الشّريعة» إلاّ أن تضارب التّصريحات وتناقض بعض المعلومات المصرّح بها رسميّا وخاصّة التّزامن الدّائم لهذه العمليّات الإرهابيّة مع مواعيد سياسيّة مهمّة على علاقة بإنجاح المسار الدّيمقراطي بتونس جعل المتابعين الجدّيين للأحداث والباحثين عن الحقيقة يتوقّفون أكثر من مرّة قبل التّأكيد أو الجزم بضلوع «أنصار الشّريعة» في هذه الأعمال الّتي راح ضحيّتها أبرياء من خيرة أبناء تونس من أفراد الأمن والجيش الوطني.[3]
• تكتيكات جديدة في الاستدراج: إقامة حاجز أمني وهمي واستعمال لبدلات أمنيّة وعسكريّة وسقوط ضحيّة مدني للمرّة الأولى، هي أبرز الملاحظات المستنتجة من هجوم إرهابي تتعرّض له تونس. نحن اليوم في حاجة أكثر من أيّ وقت مضى لمراكز بحث متخصّصة ولباحثين حقيقييّن توضع على ذمّتهم كلّ الإمكانات حتى نتمكّن من فهم ظاهرة التّنظيمات الإرهابيّة المسلّحة.[4]
• أسفرت العمليّات الإرهابيّة الّتي انطلقت في تونس منذ يوم 18 ماي 2011 في منطقة الرّوحية من ولاية سليانــــة وإلى حـدود يوم 16 فيفـــري 2014 عن قتـــل 20 إرهابيـــا و32 شخصــا مــن صفوف الأمـــن والجيـــش والسياسييـــن والمدنيين.
• وقد انتهت العمليات الإجراميـــــة الغـــادرة إلى قتـــل 14 عنصرا من الجيش الوطني و15 عنصرا من وحدات الأمن وإصابة العشرات.
• تمكّنت الوحدات الأمنية والعسكرية منذ يوم 18 ماي 2011 وإلى حدود يوم 16 فيفري 2014 (تاريخ آخر عملية إرهابية) من قتل 20 إرهابيا واعتقال العشرات منهم.
• قتل خلال العمليّات الإرهابيّة الّتـي امتدّت على فتـــرة 3 سنوات 3 مواطنين تونسيين منهم رجلين سياسيين وشخص مدني.
• يصل عدد المتّهمين بالإرهاب الّذين اعتقلتهم وحدات الأمن إلى 1343 متّهما خلال سنة 2013 فضلا عن ضبط قوّات الأمن والجيش قرابة 20 ألف قطعة سلاح، وذخيرة من أنواع مختلفة، بحسب معطيات أعلنتها وزارة الدّاخليّة ووزارة الدفاع[5].
• حين تتحوّل الانتهاكات الحقوقيّة في بلد كتونس (أسقط شعبــه الدّكتاتــــور) إلى ممارسات متكــرّرة، وحين يقترن الإرهاب بروّاد المساجد والملتحين والمنقّبات، وحين يصبح المستهدف من قانون الإرهاب أصحاب الثّورة وحماتها بتهمة حرق مقرّات التجمّع المنحلّ ومراكز البوليس، وحين تُحاكم سواعد الثّورة بتهمة التّطاول على رموز العهد البائد، فاعلم أنّنا أمام سياسة ذات طابع استراتيجي. العقول الّتي تقوم بالإشراف المباشر على تنزيل هذه السّياسات الإستراتيجية، والّتي وقع رسمها وتخطيطها في إطار رؤية شاملة لصناعة الإرهاب وترويجه من أجل السّيطرة على شعوب ما يسمّى بـ« العالم الثالث» الّتي تجرّأت وتمرّدت بدون إذن، هذه الشعوب التي خرجت على السياق المرسوم من طرف قوى النظام العالمي الجديد بحاجة إلى تأديب وعقاب، الإرهاب والتقتيل هو العقاب الأمثل والأجدى[6]
• علينا أولا أن نحدّد مكوّنات « الإرهاب » حتى لا نسقط في فخّ من يشرف على صناعة هذا المنتوج ويهندس لشبكات ترويجه فالإرهاب والتهريب، وجهان لعملة واحدة، كلاهما يصنع الموت، سواء عبر تهريب الأسلحة والمخدرات والممنوعات، أو استعمالها في التقتيل والتفجير.[7]
• مسيرة ونمط تفكير يبحث أكثر ما يبحث عن الأوضاع المتعفّنة لتحقيق المآرب السياسيّة وعلى رأسها افتكـــــاك السلطة تُفسّر الاهتزازات الانقلابيّة اليوم في علاقة بمسار الحوار الوطني فلماذا يتلاعبون بهذا الشكل الغريب بحاضر البلاد ومستقبلها؟ ولماذا يستنفرون اليوم كلّ طاقاتهم ومخزوناتهم:
- الاعلاميّة (وسائل الإعلام النوفمبري ونقابة الصحفيين التي صرحت رئيستها السابقة نجيبة الحمروني في الكويت بمناسبة التئام مؤتمر الصحفيين العرب بضرورة التصدي للمد الإخواني الإرهابي!! )
- والأمنيّة (النقابات الأمنية المتنطّعة والمسيّسة)
- والحقوقية (الرئيس السابق للرّابطة التّونسيّة لحقوق الإنسان ولجنة كشف الحقيقة في اغتيال الفقيدين بلعيد والبراهمي...)
- والأكاديمية (والّتي بلغت أقصاها في دعوة ألفة يوسف إلى الانقلاب المسلّح..).
- والقضائيّة (ممثّليهم في المحكمة الإداريّة لقطع الطّريق عن تركيز هيئة انتخابات وجمعية القضاة التونسيين الّتي حدّدت –عفويا ودون سابق إصرار وترصّد-موعدا لإضراب عام يوم 7 نوفمبر، والقضاة الفاسدون لتعطيل المرفق القضائي وقطع الطّريق أمام معالجة الملفّات الخطيرة على غرار ملف التّآمر على أمن الدّولة.)
يؤكّد مراقبون أنّ التحرّكات الأخيرة لهؤلاء متشنجة ومرتبكة ومفضوحة في توجهها التخريبي والفوضوي بما يعني شعورا بانكشاف مؤامرة توظيف الحوار الوطني لتمرير البرنامج الانقلابي وافتكاك السّلطة عنوة، لم ييأسوا ولكنّهم يفشلون كلّ يوم أكثر ممّا كانوا يتوقعون بل أكثر ممّا كان يتوقّع خصومهم!!.[8]
نظر النّاس إلى ما أخبر به خميّس بْنُ هِشَامٍ فقال صاحب «مقالات بديع الزّمان الهذياني» وهو ينبس ببنت صيحة انفجار معبّرا عن موقف من «عناوين الإرهاب»:
«إنّ النّاس بحاجة إلى أن يعيشوا مجاورين بعضهم لبعض، بما فيه الكفاية، بهدف أن تكون احتمالات الفعل والعمل حاضرة دائما، وعندئذ فقط يمكنهم الاحتفاظ بالقوّة وتأسيس المدن، الّتي، بما هي مدن ظلّت نموذجا للتّنظيم السّياسي الغربي، فإنّها بالتّاليّ، الشّرط المادّي الأكثر أهمية للقوّة»[9]. هذا التّجاوز أو التّآنس لابدّ له من مقوّم ناجع إذ: « يجب أن يصبح العمل، عمل «العالم» الجماعي، بدلا من كونه مجرّد عمـــل «في العالم»»، وهذا التّمييز أدلـــى بــه « جاك تامينيو Jacques Taminiaux و»[10]. هذا الأمر يقتضي «استرداد المعنى»، مثلما يكون ضروريّا الابتعاد عن «السّياسية المغلقة»، وبعبارة أخرى، فإنّ «استعادة الفضاء واستعادة المعنى» يكوّنان ثنائيّة، لأنّه لا يتمّ تحويل «تحرّر الحرّية» إلاّ بهذا الاسترداد المزدوج. الأمر المهمّ يتلخّص فيما يلي:
• التّخلّص من المعضلات الخاطئـــة لحقــوق الإنســـان أو المواطنة،
• معضلات اقتصاد السّوق أو التّأميم
• معضلات الدّولة القوميّة أو الفوضويّة.
إنّه فقط، من خلال «استعادة مصطلحات التّضادّ»، تتحقّق أشكال الوجود الجماعي الجديدة، وليس من خلال البقاء داخل البدائل الّتي تمليها السّلطة.
هذا كان هدف الشّعب الّذي ألجمه الاستبداد تاريخيا فثار ولم يعبّر عن إرادته. هاهو ذا أبو العلاء المعرّي ينشد من ذاكرة الماضي الغائب نشيد الملجم الغائب فقال في ديوان «سقط الزند»:
علّلانــي فإنّ بيض الأمانـي
فنيـت والظّـــــــلام ليـس بفــــانِ
إن تناسيتمــــا وداد أنــــاس
فاجعلاني من بعض من تذكراني
رُبَّ ليل كأنّه الصُبــــح فـي
الحسن وإن كان أسود الطّيلسـانِ
قد ركضنا فيه إلى اللّهــــــو
لمّا وقف النّجم وقفة الحيــــــرانِ
كم أردنا ذاك الزّمان بمــدح
فشغلنــــا بذمّ هـــذا الزّمــــــــانِ
فكأنّي ما قلت والبدر طفـــل
وشباب الظّلماء فــي العنفــــوانِ
ليلتي هذه عروس من الزّنــ
ـج عليهـــا قلائـــد من جمـــــانِ
هرب النّوم عن جفوني فيها
هرب الأمن من فؤاد الجبــــــانِ
وكأنّ الهلال يهوى الثّريّــــا
فَهُمَـــــــا للوداع معتنقــــانِ[11]
الشّعب الّذي صفّد لسانـــه وقلمه وكـــذا وعيـــه وفعله قدّر أنّ ثمن الثّورة لا بدّ أن يقدّر بمقدار يفوق ثمن الصّمت على اللّجــــام. أمّا الأوّل فمقــــداره الحرّيــــة وأمّا الثّاني فمقداره الــــذّل ومشتقّاتــــه فاختــــار الشّعب أن يختــــار دفع الأثمن ليكون ذلك الثّمن هو التّعبير الأكثر بلاغة، فقال بديع الزمــان الهمذاني على لسان الشّعب، في حوار مع الأسد:
وَلَكِنْ رُمْتَ شَـيْئاً لـمْ يَرُمْـــهُ
سِوَاكَ، فَلمْ أُطِقْ يالَيْثُ صَبْـــــرَا
تُحاوِلُ أَنْ تُعَلِّمـنِـي فِـــرَاراً!
لَعَمْرُ أَبِيكَ قَدْ حَاوَلْتَ نُـكْــــــــرَا!
فَلاَ تَجْزَعْ؛ فَقَدْ لاقَـيْتَ حُــرًّا
يُحَاذِرُ أَنْ يُعَابَ؛ فَمُـتَّ حُــــــرَّا
فَإِنْ تَكُ قَدْ قُتِلْتَ فَلـيْسَ عَـارا
فَقَدْ لاَقَيْتَ ذا طَرَفَـيْنِ حُـــرَّا[10]
الهوامش
[1]  الرهاب أو الفوبيا (Phobia) (مشتقة من الكلمة اليونانية φόβος بمعنى « الخوف» أو «الخوف المرضي») هو مرض نفسي يعرف بأنه خوف متواصل من مواقف أو نشاطات معينة عند حدوثها أو مجرد التفكير فيها أو أجسام معينة أو أشخاص عند رؤيتها أو التفكير فيها. هذا الخوف الشديد والمتواصل يجعل الشخص المصاب عادة يعيش في ضيق وضجر لمعرفة بهذا النقص ويكون المريض غالباً مدركاً تماماً بأن الخوف الذي يصيبه غير منطقي ولكنه لا يستطيع التخلص منه بدون الخضوع للعلاج النفسى لدى طبيب متخصص.
[2] هرمينيطيقية :  فلسفة التأويل 
[3] عادل السمعلي - http://www.babnet.net/festivaldetail-73164.asp
[4] الناصر الرقيق- http://www.babnet.net/festivaldetail-80122.asp
[5] http://ar.webmanagercenter.com/images/logo.png
[6] عائدة بنكريم - من يصنع الإرهاب..؟ المرأة المنقّبة طعم من أجل استدراج شباب السلفية نحو مربّعات الإرهاب - جريدة الضمير 20 فيفري 2014 .
http://www.dhamir.com/article-%D9%85...8%A8-2741.html
[7] عائدة بنكريم - نفس المصدر
[8]  محمد القاسم - معارضة انتهازيّة وغير جديّة تتلاعب بالحوار: تونس - الضمير - 
[9] Condition de l’homme moderne, p. 261.
[10]
 La Fille de Thrace et le penseur professionnel. Arendt et Heidegger, Paris, Payot, 1992, p. 162.
[11]. أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخي المعري
www.startimes.com/faspx?mode=f&fa=144
----------
- باحث في الفكر السياسي
noomen_e@yahoo.com