الإفتتاحية

بقلم
فيصل العش
الإرهاب في مواجهة المشروع الوطني
 لم تمرّ سويعات قلائل على توقيع السيد رئيس الجمهوريّة القانون الانتخابي الجديد وإعلان رئيس الهيئة العليا للانتخابات عن إمكانية انجاز الانتخابات قبل موفى السنة الحالية والانطلاق قريبا في عملية إعداد القوائم الانتخابية والتسجيل فيها، حتّى سمعنا دويّ الرّصاص أمام منزل السّيد وزير الدّاخلية «لطفي بن جدّو» بحيّ الزّهور بالقصرين، مخلّّفا أربعة شهداء من رجال الأمن المكلّفين بحراسة المسكن. عصابة من الإرهابيين تحرّكت بحرّية في منطقة عسكريّة تحت المراقبة الشّديدة وهاجمت رجال أمن حراسة الوزير دون غيرهم ثم انسحبت نحو الجبل. أسئلة عديدة  تفرض نفسها بعد نزول هذا الخبر الصّاعقة، أسئلة لابدّ لها من أجوبة حتّى نعرف إلى أين يسير المشهد الوطني بعد أكثر من ثلاث سنوات من  الثورة لعلّنا نحسن التّموقع في مواجهة تحدّيات المرحلة ونساهم بإيجابيّة في البحث عن سبل لإنقاذ البلاد من المخاطر التي تهدّدها بعيدا عن المزايدات السياسيّة والإيديولوجيّة.
من خطّط للعمليّة ومن قام بها؟ هل هم عصابات الشّعانبي أم هو المدد جاء من أطراف أخرى من البلاد؟ وكيف استطاعوا تجاوز نقاط التفتيش المتعدّدة العسكريّة والأمنيّة ؟ هل يعني هذا أن هناك اختراقا في الأجهزة الأمنيّة؟ وهل للنّجاحات الأخيرة التي حقّقتها وزارة الدّاخلية في محاربة الإرهاب علاقة بما حدث وبالتالي يمكن اعتباره ردّة فعل موجعة ورسالة تهديد ووعيد للأمنيّين والعسكريين ؟ ولماذا استهداف الوزير «بن جدّو» ؟ ألا يعتبر الاستهداف للمسؤول الأوّل عن الأمن بالبلاد، خطوة متقدّمة في ترويع التّونسيين ومحاولة النّيل من معنوياتهم والسّعي إلى إرباك المشهد السّياسي وعرقلة المسار الدّيمقراطي بتونس، الذي يتقدّم رغم كل الصّعوبات والنواقص، في محيط إقليمي مضطرب؟ ولماذا اكتفى الإرهابيّون بقتل الحرّاس دون غيرهم؟ هل هي رسالة مضمونة الوصول للسّيد لطفي بن جدو ابن القصرين لدفعه إلى الاستقالة والتخلّي عن مهامه على رأس الوزارة؟ وما سرّ تزامن هذه العمليّة مع الحملة التي تقودها بعض الأطراف السّياسيّة للضّغط على رئيس الحكومة لتغيير وزير الدّاخلية وطالبت بعضها سرّا وبعضها علنا بإزاحته باعتباره كان وزيرا في حكومة الترويكا؟
لماذا كلما تقدمت تونس بخطى ثابتة نحو الخروج من مأزق «المؤقت» وإنجاح مسارها الديمقراطي عبر إنجاز انتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة  تؤدّي إلى استقرار الحكم وتقوية مؤسّسات الدّولة ممّا يسمح بفتح ملف الفساد والفاسدين ومحاربتهم، إلاّ وتحرّكت ماكينة الإرهاب لإعادة الأوضاع إلى نقطة الصّفر؟ ألا يعني هذا أنّ الإرهاب هو الشّريك الإستراتيجي والمتميّز لقوى الرّدّة وزعماء منظومة الاستبداد والفساد التي بقيت بعد بن علي ترتع وتخطّط من وراء ستار من دون رقيب ولا حسيب، لاستهداف أمن تونس وإرباك مسارها السّياسي والاقتصادي؟ 
أسئلة مربكة، الأجوبة عليها تتطلّب بحثا عميقا ومعقّدا وهو ما يدفعنا إلى إطلاق صيحة فزع وتحذير ونداء إلى التونسيين جميعا، مواطنين ومثقفين، أحزابا وجماعات لدعوتهم إلى مزيد اليقظة والتّضامن والوحدة الوطنية في مواجهة الخطر الإرهابي ومن يقفون وراءه، وحثّهم على المضيّ قُدما في إنجاح المسار الدّيمقراطي وتنظيم الانتخابات في موعدها الدستوري، باعتبار ذلك إفشالا لمخطّطات الإرهابيين وتعزيزا لاستقرار تونس ومناعتها. 
وسواء كان الإرهابيون من المتشددين دينيّا أو من غيرهم فهم قتلة ومجرمون وهم آفة العصر إذا دخلوا أرضا أفسدوها وإذا حلّوا بمدينة دمّروها وهم لا دين لهم لأن الإرهاب لا دين له فهولا يؤسس إلاّ ثقافة الموت بينما يؤسّس الدّين للحياة. ولهذا فإن القضاء على الخطر الإرهابي أولويّة وطنيّة والتحدّي الرئيسي لكل التونسيين خاصة في هذه المرحلة التي ارتفعت فيها نسبته نتيجة ما يحدث في بلاد الجوار من انفلات أمني وتكديس للأسلحة وهو ما يسمح للقوى الصانعة للإرهاب استثمار هذا الاضطراب، مستغلّة الأزمة الاقتصاديّة ببلادنا والتصحّر الفكري والثقافي الذي عاشه التونسيون خلال الحقبة النوفمبرية واستمرّ بأكثر حدّة بعد الثورة، لتفريخ الإرهابيين وتدريبهم ومن ثمّ إعادتهم إلى بلادنا كلّما دعت الحاجة إلى ذلك لتنفيذ عمليّات مدروسة ذات أهداف واضحة وجليّة. فلا مناص لتوحّد القوى الوطنيّة مع المؤسّستين الأمنيّة والعسكرية للنّجاح في هذا التحدّي وذلك ليس فقط عبر مواصلة مطاردة الإرهابيين والقضاء عليهم ولكن أيضا عبر تعميق البحث للوصول إلى من يقف وراءهم من جهة وتجنّب الصراعات والتّشتت من جهة أخرى.