رسالة المغرب

بقلم
فؤاد بوعلي
الحركة الإسلامية والحركة الأمازيغية: هل آن أوان التوافق؟
 يبدو  أن الأحداث تتسارع في الوطن للبحث عن مناط المشترك الوطني بين الأطيــاف الهوياتيّـــة المختلفـــة. فبعيدا عن الاصطفافــــات الإيديولوجيــة التي  أثقلت كاهـــل المجتمع إلى درجة بحث البعــض عن الأسباب المبررة لجريمـــة اغتيال الطالب الشهيد «الحسنــاوي» وتحريف الصـــورة نحو التفاصيــــل التافهــــة (أنظر تعامـــل بعض هؤلاء مع طائرة رئيس الحكومة لحضور الجنازة)، وبعيدا عن الاستغـــلال الإيديولوجـــي والحزبـــي الضيق للورقة الأمازيغية، بدأت الأحداث تفرض نوعـــا من النقـــاش العميـــق والبحث الحقيقـــي عن مناط التفاهم المشتـــرك بين الحركة الإسلامية انطلاقا من مرجعيتها العقدية والمجتمعيّة والحركة الأمازيغيّة باعتبارها فاعلا ثقافيّا ومجتمعيّا موجودا على السّاحة.
ولا فائدة من التأكيد على أهمية الحوار في تجنيب الوطن ويلات التشرذم الهوياتي التي تطلّ من قمقم التجاذبات التي غدت العنوان المفضل لبعض الأصوات الإعلامية والسياسيّة دون أدنى اعتبار لخصوصيّة الموضوع وحساسيته، كما أن ضرورة الحوار تأتي بناء على عناصر المشترك بين الحركتين وعلاقتهما بقضايا الهوية بعيدا عن محاولات التسييس الحزبي والأدلجة، ومساعدة الطرفين على القيام بالمراجعات الضرورية بعيدا عن النزاعات الحزبية العارضة والمؤقتة .
أسست الحركة الإسلامية موقفها من الحركة الأمازيغية على جملة من المبادئ والمرتكزات: 
* التمييز الصّريح بين الأمازيغيّة باعتبارها لغة وثقافة والحركة الأمازيغيّة كتيار ثقافي يعمل في السّاحة المغربيّة. فاللّغة الأمازيغيّة  في التّصور الإسلامي لا تشكّل عائقا في سبيل الاندماج الاجتماعي والحفاظ على اللّحمة الإيمانيّة المنشودة. إذ «ليس في اللّغة ما يعاب ما دام الناطقون بها متمسكين بكلمة التّوحيد، حريصين على وحدة الصّف لا يدعون إلى عصبيّة، وهذا حال شعبنا منذ أن ارتضى الإسلام دينا. بهذا الشّكل يكون التّعدد العرقي والتّنوع اللّغوي عامل قوة ومصدر ثراء طالما بقي بعيدا عن المزايدات السياسويّة والمتاجرات الرخيصة» كما يقول عبد السلام ياسين. 
* لعلّ أهم عوامل الرّفض في رؤية الحركة الإسلامية بمختلف أطيافها للتّيار الثقافي الأمازيغي، يعود إلى علاقات بعض رموزه بالخصم الاستعماري ممّا جعله محاطا بالكثير من التوجّس والرّيبة خاصة حين الارتباط بالعالم الفرنكفوني واستجدائه لمحاربة العروبة والعرب، بل ورهان بعض الأسماء على الدعوات الفرنكفونيّة للتلهيج وفرنسة الحياة العامة بل واعتبار الفرنسيّة لغة وطنيّة كما زعم أحدهم. ومن ثمّة كان رفض العربيّة ومعاداتها واعتبارها لغة استعماريّة، كما ورد في أقوال وكتابات بعض الفعاليات الأمازيغيّة، بمثابة قطع حبل التواصل مع الإسلاميين الذين يرون فيها خطا أحمر لا ينبغي المسّ به. 
* كشفت الأحداث المتتالية عن توجه داخل الحركة الأمازيغية مؤسس على استجداء الخارج وطلب العون منه لتحقيق المشروع الأمازيغي ضدّ الدولة، وضدّ العرب المغاربة. فمنذ تأسيس الكونغريس العالمي الأمازيغي سنة 1995 تم تدويل المسألة الأمازيغيّة  والانتقال من المطالبات الثقافية إلى السياسيّة، ومن الإطار التعاقدي الدّاخلي إلى الإطار السّياسي الدّولي. ويمكن أن نذكر في هذا السياق بالعديد من الأمثلة التي تواترت في السنوات الأخيرة من نحو علاقة بعض النشطاء مع إسرائيل والتي تنامت في العقود الأخيرة، كما أبرزها تقرير المرصد المغربي لمناهضة التطبيع.
* الطاغي على الكتابات الأمازيغية هو الاتجاه العلماني. والعلمانيّة ليست عنوانا لاعتقاد إيديولوجي أو مذهبي، بل العلمانيّة في الخطاب الأمازيغي يرام منها رفض العربيّة التي ظلّت دوما عنوان الانتماء الدّيني للمغاربة.
ما الذي تغير إذن؟
أمور كثيرة تغيرت الآن ويمكن جعلها بداية التفكير الجدّي في عناصر التوافق بين الحركة الإسلاميّة والمخلصين من مناضلـــي الاتجاه الأمازيغـــي بعيدا عن منطق التخويـــن والانغلاق. لأن الوجود الفعلي للحركتيـــن ومحاولات العديـــد من الهيئات الحزبيّـــة استغلال الورقـــة الأمازيغيّة من أجل تحقيق مصالح ظرفيّة وضيّقــة إضافــة إلى بدء إفلاس الرؤية الأحاديّة التحكّمية للأمازيغيّة (لهذا بدأت المشاكل البنيوية للمعهد الملكي تخرج إلى العلن) تفرض النّقاش الوطني المؤسّس. ولا يمكن أن نتصوّر أن فكرة الحوار جديدة ولم يشرع فيها قبل مدّة لكّنه ظلّ حبيس الصّالونات والبيوتات المغلقة. ويرجع السّبب إلى أن المتصدّين لقيادة الحوار لم تكن لهم الأهليّة التنظيميّة لمباشرته بل كانوا على الدوام يعبرون عن آرائهم الشاذّة داخل مؤسساتهم. لكن التغييرات التي حدثت جديرة بالتقاط الإشارات :
- أولها ذاتــي يتعلق بمحاولــة الحركـــة الإسلاميــة تقديم قراءة مغايرة لواقـــع الأمازيغيّــة في المغرب بعيدا عن الأدلجـــة والرؤيـــة التحكميـــة التي استغلــت الملف من أجل طعـــن المشتـــرك المجتمعـــي ولعلّ إنشـــاء الرّابطة المغربيّة للأمازيغيّة يحيـــل علـــى هـــذا الموقف المتقـــدّم، دون الدخول في محاولــة البعض تسييس العمـــل وكسب النقـــط في التدافع الحزبــــي، كما فعلت إحـــدى برلمانيات المعارضة.
- ثانيا بداية الانفتاح المتبـــادل في القواعـــد الطلابيّــة والمتمثّل على الخصوص في إعطـــاء الكلمـــة فـــي ملتقـــى منظمة التّجديـــد الطلاّبـــي بمكنــــاس لممثل الحركة الأمازيغيّـــة وبيـــان هذه الأخيرة تضامنـــا مع مقتل «الحسناوي» والدعـــوة المشتركـــة لإعـــلان الفصيل القاعدي منظمة إرهابيـــة. ممّا يعني أن الخصم واحد وإن حاول حزب التّحكم استغلال الأمازيغيّة لضرب التوافق الوطني. 
- قدرة المغاربة على التفكير الجديد في السؤال اللّغوي بشكل يحافظ على اللّحمة الاجتماعية وعلى مواقع كل اللّغات الوطنيّة. فالحالة المغربية الفريدة في نشأتها وفي مسارها لا يمكن أن تغدو استنساخا لنماذج مشرقيّة أو غربيّة في الحضور اللّغوي أو وظيفيته بل يمكن أن تؤسّس لتعدديّة حقيقيّة وضروريّة.
- ضرورة إعادة التفكير والنّظر في قضايا اللّغة وفق المنظور اللّسني العلمي ومراجعة المسلّمات التي أثثّت المخيال الجمعي المغربي حتى أصبح مجرد تناولها سقوطا في براثين التجزئة والاستعمار.
وكما أن لكل حوار ضرورته، فله محاذير لا يمكن تجاوزها، لأن الرّافضين للحوار ولتمثلاته هم أنفسهم من يستغل الأمازيغيّة من أجل فرنسة المجتمع والعلاقات مع الصهاينة باسم الذاكرة المشتركة وبثّ مفاهيم التّحكم التي عفى عنها التاريخ. فالحوار ضرورة لكن داخل إطار السيادة الوطنية والمشترك الجمعي المغربي. 
-----------
-  عالم لسانيات مغربي
رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية
coalitionarabe@gmail.com