وجهة نظر

بقلم
اسماعيل بوسروال
شاطر ومشطور وبينهما كامخ
 شاعت عبــــارة «شاطر ومشطــور وبينهمـــا كامخ» في السبعينيات على أنّها ترجمة قام بها مجمع اللغة العربية بالقاهرة لعبارة « سندويتش» الانقليزية المنسوبة الى شخص يدعى إيريل ساندويتش ولد عام 1718 واختص بهذه الأكلة السريعـــة التي ابتدعهـــا بسبب إدمانه علــى لعب الــــورق ولا وقت لديه للأكل كما أنّها أكلة جافة لا تُلوّث الملابس.
نسبت ترجمة «شاطـــر ومشطــــور وبينهمـــا كامـــخ» الى مجمع اللّغة العربيّة رغم نفي متكرّر لهذه المعلومة وسرت الترجمة المزعومة سريان النّار في الهشيم ...وسخر النّاس من فقهاء اللغة العربية ... بل ونسبوا أشياء أخرى الى مجمع اللّغة العربيّة من بينها دعوته للتخلي عن عبارة «وزير» لأنها ذات أصل فارسي وتعويضها بمفردة عربية وهي «عرعور»، وكنّا آنذاك شبّانا نبحث عن النكتـــة والضحكة فنقول: سيزور مدينتنا «عرعور التّربية» بدلا عن وزير التربية، ولمّا تمّت تسمية أوّل وزيرة تونسية كنّا نتأسّف على عدم اعتماد مصطلحات منسوبة لمجمع اللّغة العربيّة وإلاّ لقلنا: «وأخيرا أصبحت لنا (عرعورة للمرأة)». 
على أنّ مصطلح « شاطر ومشطور وبينهما كامخ» المعبّر عن « السندويتش» من المستبعد أن يكون من إنتاج مجمع اللّغة العربيّة لأنه لا يستقيم من ناحية « الاشتقاق»، وباعتباري «معلّم صبيان» على تعبير الجاحظ، فإنّي أفهم أن « شاطر» هي اسم فاعل ويقصد بها السكين و «مشطور» هي «اسم مفعول» ويقصد بها الخبز، أمّا «الكامخ» فهو الشريحة التي توضع بين جزئين ... وبالتالي فلا يمكن أن تكون من إنتاج مختصّين في اللّغة بل هي مجرّد (تنبير) بالتونسي و(نكتة) بالعربية، نشأت في الستّينيات وشاعت في السبعينيات. ويُنسب كتّاب مصريون مثل العقّاد وأ. منصور ترجمة «شاطر ومشطور وبينهما كامخ» إلى الشّاعر المبدع «كامل الشنّاوي» ولكن من يصطادون في الماء العكر حوّلوا اتجاهها إلى مجمع اللّغة العربية، لا سيّما وأن الشّاعر الموهوب « كامل الشنّاوي» كان مجدّدا رائعا مثل نزار قباني ونازك الملائكة وبدر شاكر السّياب، ويكفي أن نذكّر بأنّه شاعر غنائي (بالفصحى) أدّت قصائده نجاة الصغيرة وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب مثل أغاني «لا تكذبي» و« يا مالكا قلبي» و«لست وحدك حبيبها»، كما أن هذا الشاعر كان من أنصار نظريّة «طه حسين» الدّاعية لتطوير اللغة العربية لتتفاعل مع العصر والتي تلّخّصها مقولة عميد الأدب العربي «اللغة العربية نملكها ولا تملكنا».
تجمّع ويسار وبينهما مصالح
إنّ ما قادني إلى هذه الفسحة الأدبيّة والجولـــة الفنّيـــة هو ما شهدته السّاحة السيّاسية التونسيّة من تحالف يشبه الشاطر والمشطـــور جمع نداء تونس بالجبهــة الشعبية. وهو التقاء «استراتيجي» لنمطين مختلفيْن من الفكر السياسي بل متناقضين هما «الليبرالية والاشتراكية» أو «الرّأسمالية والشيوعية» وهو أيضا  تحالف «رأس المــــال المستغِــــل مع الطّبقة الكادحة المستغلَّة» وهو كذلك ائتـــلاف «المدافعين عن القطاع الخاص والمناهضين للخوصصـــة» وهو أيضا « جبهة عريضة تضمّ  معا السّاعين إلى العولمة والمحاربين للعولمة».
هما أيضا طرفان أحدهما يعتبر «كوبا» بمثابة القدوة النّاجحة والآخر يعتبرها التّجربة الفاشلة... هما كذلك طرفان أحدهما يعتبر الولايات المتحدة الأمريكية عدوّة الشعوب الحرّة على وجه الأرض والآخر يعتبرها زعيمة العالم الحرّ.
هو تحالــف الأضداد الـــذي يشبــــه شكـــل «الشّاطر والمشطور»، لا يهّمني كثيرا من هو «الشاطر» ومن هو «المشطور»، ولكن تهمّني «الشريحة» الواقعة بينهما والتي تجعل منها «كائنا واحدا». فما هي « الشريحة» التي تجعل النّصف الأوّل يلتصق بالنّصف الثّاني؟ إنّها المصالح والمنافع سواء كانت مادّية أو مضمونيّة وهي احتكار الفضاءات العمومية وتوظيف امكانيات الدّولة لتحقيق مكاسب على حساب الوطن وهي نفسها التي جعلتهما يتحالفات في الحقبة النوفمبرية  
فالمتأمل للفترة النّوفمبرية يُلاحظ أن النظام السياسي الذي بناه «بن علي» كان من حيث الشكل يقوم على حزب سياسي هو التجمع الدستوري الديمقراطي ولكن من حيث المضمون كانت دعائمه الرئيسية من «اليسار» حيث استقدم القصر الرئاسي بعد انتخابات 1989 عددا كبيرا من المستشارين اليساريين، كما استعان بوزراء عديدين معروفين بتوجهاتهم اليسارية الاستئصالية وأسند إليهم وزارات تختصّ بالـ«مضمون» كالتربية والتعليم العالي والثقافة والاعلام والبوليس السياسي بجميع مفاصله وتشعّباته وعزّر جمعياتهم النسائية الديمقراطية وفسح أمامهم المجال للارتقاء الصاروخي في جميع مفاصل الإدارة ... وبالتالي بينما كان التجمع الدستوري الديمقراطي يرتع ويمرح في الصفقات والـ«أفاريات»، كان اليسار الاستئصالي يرتع ويمرح في تحقيق أهدافه المتمثلة في إقصاء واستئصال التيّارات الإسلامية من الواقع السياسي والاجتماعي والنّقابي والثقافي عبر سياسة تجفيف المنابع ونشر ثقافة تقوم على القطيعة بين القيم الدينية والقيم الحداثية...كان لقاء الشاطر بالمشطور ليغرف كلاهما من  «الطبق» حسب ما يشتهي.
وقد عاد تحالف الأضداد بقوة إلى السّاحة السياسيّة التونسيّة بعد ثورة الكرامة بوقت قصير وبرز إلى العيان إثر انتخابات المجلس التّأسيسي، وقد تجلّى ذلك واضحا من خلال «جبهة الإنقاذ» التي تزعمت اعتصام باردو ومختلف التحركات التي استهدفت حكومة الترويكا. لكنّ تصويت اليساريين لفائدة الفصل 167 من القانون الانتخابي الذي يدعو إلى العزل السياسي كشف «هشاشة» التحالف اليساري التجمعي وأظهر جشع اليسار بما أن تمرير قانون العزل السياسي سيؤدي إلى استبعاد عدد لابأس به من الوجوه التجمعيّة من الترشح في الإنتخابات فتضطر الاحزاب «التجمعية» إلى التّقدم بمرشحين من اليسار باعتبارهم الحصان المتبقى القادر على هزم «النهضة» وهو ما سيسمح باستخدام الآلة الحزبية للتّجمع المنحل لحشد الأصوات لفائدة اليسار 
لقد بدا واضحا «نهم اليسار» لابتلاع التجمعيين مما جعل الصراع يشتدّ داخل أروقة «النداء» وهو ما يوحي بسقوط الخطة - حسب رأيي- بما يجعل من الصعب بقاء الشاطر والمشطور في فضاء واحد.
-----------
-  جمعية منتدى المعرفة بسوسة
ismail_bsr2004@yahoo.fr