دمتم سالمين

بقلم
عبدالنّبي العوني
العقل البداوي أو الإبتدائي
 العقل العربي في حقيقته عقل بداوي يسعى سعيه الأبدي للالتحاق توًّا بالحضر حسب التصنيف الخلدوني ... عقل متمرد على بداوته الظاهرة فيه من أجل تحصيل عقل أندلسي وبالتحديد غرناطي «بلدي» يسعى وراءه أو سعي بين العقل المخملي الدمشقي والعقل الفرقي البغدادي، هروبا من مكونات عقل نجدي أحرقته الرمضاء وأطعمته الإبل وغذّته التمور.
عقل يشمئز من بداوته البادية فيه ويسخر عند حبوه نحو الحضر من صياغات ذاك العقل الحضري المهيمن على الساحات، هو عقل ضبط إيقاع جريه مع ساعة الغراب البيولوجية، كما يحكى عنه في الأمثال أنه سعى لتقليد مشية الحمام فأضاع مشيته ومشية الحمام معا، عقل يعيش الانفصام والازدواجية بامتياز، مثل العقل الاستراتيجي لتيّاراتنا الفكريّة والسياسيّة بكل ألوانها وأطاييبها، فلا حافظ في ظل التغيرات المتسارعة على ماهيته الأولى ولا استطاع الانسجام مع الماهية التي يلهث وراءها، هو عقل أعرابي وعُرابي «والأعراب أشد كفرا ونفاقا»، بلحاف مدني يستمتع بتكنولوجيا مستوردة «من أقصى شعرة فيها إلى أخمص قدميها، نفخ فيها زمنه الضائع ولحظات استمناءاته المعذبة له» كتعبيرة منه عن حالة فكاك من أسر الأنعام وبالأخص الجمل بما حمل..
عقل يمتطي السيارة الفارهة والحذاء الرياضي «نايك» من أغلى ماركات غربيّة مع جلباب وقميص وسروال مقصّر ويجاهر بأنه سيفدي القضيّة بروحه ودمه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ،يستعمل أدق التقنيات المستوردة ومن آخر الصيحات التكنولوجية، التي تعبر مخياله عبر «شال» أو «اووووريدووو» أو «روتانا» ومعها «اقرأ»، بأظافر علق بها بعض إدام من غزواته الأكلاتيّة الدّسمة وأزماته الوجوديّة المستفحلة ..عقل لبه معجون من طين قبائل مكة وشعابها، عقل قبلّي بالفطرة والقطاعي بالمنفعة وقشرته الخارجية من تمور المدينة هندسة وثقافة ومعيشا ..هو عقل لم ينجح في إدارة أزماته ونزوحه الدائم نحو مركز المدينة بالرّغم من تأثيثه المتواصل لأحزمتها القصديريّة ونزوعه المتواصل نحو التمدّن الهجين ...
عقل يعاني التخلخل الذّاتي في التركيبة والبنية والمنهجيّة والأسلوب، فأنّى له الانعتاق من أصفاده التي صنعها بيديه العاجزتين والتأسيس لحضارة متفاعلة وفاعلة في مجالها.
تاريخيا وفي الأغلب من الأحقاب الزمنية، لم يستطع غير السّكن في مدن الملح كما سمّاها «منيف»، لذلك تميّز تاريخيّا بإضاعة نسق تكتكات عقارب الزّمن وأهمل الانتباه وتدقيق النظر وجانب الصواب وأغدق على روحه بالأمنيات والتمنيات وانتظار المهدي المنتظر، وخلّى بينه وبين  الفرص واللّحظات التّاريخيّة التي هرم الأطفال والبالغون من أجلها كي يجد المجتمع فيها توازنه، وهي طفرات لحظيّة بمقاسات زمن الشعوب والحضارات ينسجم فيها عقله الباطن مع تطلعات مكوِّناته ومكنوناته وهالة أحلامه، وبسرعة ضوئية عجيبة يعود الى مربّعه حيث تتعلّق أفئدته وآماله وأفكاره ورؤاه بأذكار ومدائح الماضي «من بينها مدائح وأذكار لزعماء القمع والاستبداد والهزائم»، حتى ولو كان قاتما لأنه لم يسطع مع الحاضر صبرا ولم يقوى على التمسك بأهداب المستقبل ولم ينجح في عجن خبز يومه، فمأكله ومشربه وثقفوته من الخارج وهو كالببغاء يدعو بالسحق والثبور وعواقب الأمور والفجور والتيتيم والتّدميم والتّقتيل على كلّ مخالف معاند وعلى كلّ المتخيل من الأعداء.....فأنَّى يستجاب له..........
                                           دمتم سالمين.....
-------
- سجين سياسي سابق
ouni_a@yahoo.fr