الكلمة الحرّة

بقلم
يسري بوعوينة
عادت الكاباس وعاد الكابوس
 الكاباس أو مناظرة الكفاءة للتدريس بالتعليم الثانــــوي كانت في الأصل إجراءا إستثنائيا وظرفيـــا للإنتـــداب بوزارة التربية والتعليم...و ككل إجراء وقتــي وإستثنائــي في بلادنا تواصل العمل بالكاباس أعواما عديدة  إلى أن قامت الثورة وظننّا أن هذه المناظرة دُفنت في دفاتر النسيان...ما راعنا مؤخرا إلاّ ووزارة التربية والتعليم (مع عميق شكّنا في وجود الكلمــــة الأولى التربيــــة) تعلن عن فتح مناظـــرة لإنتداب عدد من المدرّسين..مناظرة حلف لنا مسؤولو الـــوزارة بأغلظ الإيمان أنها لا تمتّ بصلـــة إلى سيئــة الذكر الكاباس رغم أنها تشبههــا في كل شيء كأنها شقيقتها التوأم...نفس التدابير ونفس الشروط ونفس الطريقة ونفس الأتـــــاوة (10 دنانير) ورغم ذلك و يا للعجب فهي ليست كابـــاس...
فــــي بلــــد عـــدد العاطليـــن فيه يتجـــاوز عدد السكـان، من العـــادي جدّا أن يتدافع الشباب إلى التسجيل في هذه المناظرة الحـــدث...عادي أيضا أن نجـــد مليون شخص يتقـــدم من أجـــل مقعد واحد في وزارة التربيـــة التي يبدو أن مقاعدهـــا صارت مطلوبة وأغلى من مقاعد مجلـــس الأمن الدولي...البداية كانت إذن بإعلان أشبه بفتح الأندلس أو تحرير فلسطين (إن كان هناك مازال من يريد تحريرها)  بأن وزارة التربية مصمّمة وعازمة ولن تتراجع عن إنتداب أكثر من 2000 مدرّس للتعليم الثانوي والإبتدائي...الجميع بقي في إنتظار صدور البلاغ الرّسمي للمناظرة الذي صدر أخيرا ليسارع الجميع إلى الموقع الأشهر في تونس خلال هذه الفترة ويسجّل إسمه في «يانصيب» وزارة التربية....أقول يانصيب ولست أبالغ وإلا فأي عقل يقبل أن يدفع طالب شغل معطل فقيـــر لا يملك قهـــوة يومه ولا  دخان أسبوعه أن يدفع 10 دنانيـــر مقابل الإشتـــراك في مناظرة...
فــــي تونـــس بعد الثورة يبدو أن كل شيء صار ممكنا وعلى كل أنت بين نار مناظرتين، كلتاهما مرّتين إمّا أن تدفع أتاوة المناظرة وتجري الإمتحان في ولايتــك أو لا تدفع شيئا سوى معلوم البريـــد ولكن تجري المناظـــرة في العاصمة، والمصيبة هنا أعظم خاصّة لمتساكني المناطق الجنوبية البعيدة عن تونس...10 دنانيــــر هي عبـــارة عن تسبقـــة على المناظـــرة أو لعلها طريقة لإستبعاد الناس الأشدّ فقرا ممن لا يملكون مثل هذا المبلغ....ربّما هي أيضا طريقة لإبتزاز من هم «تحت الضّرسة» كما يقول المثل التونسي...فمن إكتوى بنار البطالة يفعل أكثر من ذلك للخروج من هذا الجحيم و وزارتنا الموقّرة تستغلّ الفرصة بشكل مثالي...
إنه لمن المؤسف أن نتحدث في تونس ما بعد الثورة عن مثل هذه الأتاوات السخيفة على المناظرات...من المؤسف أن نضحك على ذقون الشّباب المعطّل أو تصبح المناظرات بيعا للأوهام ومسكنات فارغة لشعب أثقله الفقر وتعب الحياة ولم يجن من ثورة الحرية إلا حرية السباب والشتم ومن ثورة الكرامة إلا صندوق الكرامة (الخاص بحالات معيّنة دون غيرها).
في تونس اليـــوم من الخطأ أن نتحــدث عـــن الشعب...عن شعب واحد أقصد..الأصح أن نقول «الشعبين التونسييـن» و «لما فيه مصلحة شعبينـــا»..ما أقصـــده ليس التقسيم الكلاسيكـــي للإعلام التونســـي بين  «العلمانيين» و«الإسلاميين» ولكنّي أقصد «الشّعب الغنّي» الذي لن يحتاج إلى كابـــاس و لن تعوزه دفع 1000 دينار فــي مناظــــرة قد تلغى وقد لا تجرى أصلا و«الشعب الفقير» الذي لا يملك 10 دنانير ليدفعها ليشـــارك في هذه المناظرة الفضيحة..
---------
- طالب مرحلة ثالثة في العلوم السياسية
yosri.bouaouina@gmail.com