خواطر

بقلم
محمد الهميلي
معضلات أربع في انتظار هيئة الحقيقة والكرامة
 ككل تونسي حلمت بعد الثورة باسترداد حقوقي وإسترجاع كرامتي وجبر ضرري وتعويضي عما لحقني من ضرر مادي ومعنوي. آمنت بحقوقي كمواطن وإنصهرت بالمجتمع بعد ربع قرن من الاقصاء والعزلة والتهميش، وأول مشاركاتي كانت الإسهام في إنجاز قانون العدالة الانتقالية كعضو باللجنة الاقليمية للشمال الغربي للحوار الوطني حول العدالة الانتقالية تحت إشراف المفوضيّة السّامية لحقوق الانسان وبرنامج الإنماء للأمم المتّحدة بالتعاون مع وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية. آمنت بما رشح عن جهدنا الذي استهلك منّا قرابة سنة من الدورات التكوينية ونقل الخبرات العالمية وجلسات الحوار مع كل فعاليات المجتمع التونسي من منظمات وجمعيات ومواطنين من مختلف الشرائح.
كانت فرحة شرفاء الثّورة عارمة بهذا الانجاز التاريخي الذي حمل حلم كلّ المضطهدين والمعذّبين والمنفيين والمهضومة حقوقهم خاصة وأن الثورة جاءت لتعيد البسمة إلى شفاه ثكلى سنين الجمر والهوان، سنين السحق والمحق والدمار الشامل للحقوق والحريات. لكن تاه حلم العدالة الانتقالية بين أروقة رئاسة الحكومة والمجلس التأسيسي، وبصعوبة بالغة وتحت تأثير الشّرفاء من السّادة النّواب وتحت ضغط شرفاء المجتمع المدني مُرّر القانون وصودق عليه واليوم نحن على أعتاب إنتخاب أعضاء لجنة الحقيقة والكرامة رغم ما تلاقيه من تجاذبات، نسأل الله أن يتعالى الجميع على اللّعب بمصائر العباد والبلاد وأن يتركوا العدالة تأخذ مجراها لأن الأنفس الجريحة كلّت وملّت من الانتظار ولأنّ مرارة إنتظار العدالة أصعب وأقسى من العذاب أيام الديكتاتورية. 
لا أخفي عليكم خشيتي وتخوّفي على ما ينتظر هيئة الحقيقة والكرامة من إكراهات ومعضلات لا أحسبها سهلة ولا هيّنة وكل واحدة منها تعتبر جبلا وحاجزا أمام تحقيق أهداف قانون العدالة الانتقالية. ويمكننا القول بأنه هناك معضلات أربع هي الادارة والاعلام والأمن والقضاء وهي محور ومجال تحرّك اللّجنة، فكل مواضيع وقضايا الانتهاكات تمسّ هذه الأجهزة الرّسمية الأربع التي مازالت نسبة كبيرة منها تحافظ على ولائها للماضي وتنخرط فى محاربة تحقيق أهداف الثورة ومنها بسط العدالة وارجاع الحقوق ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات. أتساءل بكل إلحاح، هل تمّ إصلاح هذه المنظومات الأربع بما يسمح لها من الإسهام في تنوير العدالة وتوفير المعلومة والمشاركة الفعالة معها ونحن نرى الى اليوم استمرار الانتهاكات الحقوقية وتواصل موجة تبرئة المجرمين وتجريم الابرياء؟. أتساءل هل لعب الاعلام دوره الرّيادي في التعريف ببرنامج العدالة الانتقالية بتونس وهل أعطى مساحات كافية فى قنواته واذاعاته وصحفه لإيصاله الى الرأي العام وشرحه للجميع، مادام يمسّ كل شرائح المجتمع ويعالج كل قضايا العهدين السابقين؟ وكيف يمكنه لعب هذا الدور وهو لم يتخلّص من أبواق الثّورة المضادّة التي تشكك في برنامج العدالة الانتقالية وتحاول إجهاضه وإفشال مساره. 
إن التجارب الدّولية حول لجان كشف الحقيقة في إطار العدالة الانتقالية تختلف من دولة إلى أخرى والواقع التونسي بعيد كل البعد عن بعض تلك التجارب لأن أغلبها أنظمة جديدة أجهضت وقضت نهائيا على الأنظمة القمعية وحلّت محلّها وفرضت قانونها بقوة الواقع السياسي باستثناء البعض من التجارب التي بقيت الى الآن لم تحسم ملف العدالة الانتقالية وهي تائهة بين المحاسبة والمصالحة وهذا ما نخشاه فى تونس لأن قوى الثورة المضادة تعمل على السيطرة على كل مجالات تحرّك آليات العدالة الانتقالية والخوف كل الخوف أن تُنسَى الملفات وتهمّش القضايا بين مفاصل الدولة العميقة. فهل تستطيع الحكومات القادمة تحييد هذه الأجهزة وتنقيتها من الولاء للمنظومات السابقة لضمان نجاح تطبيق قانون العدالة الانتقالية؟ 
-------
-  ناشط بالمجتمع المدني
hmilimohamed@live.fr