الإفتتاحيّة

بقلم
فيصل العش
من تحزّب .... خان!!!!
 كانت الثورة فرصة جيّدة لكل عاشق للحريّة والعمل السياسي، سواء كان مهجّرا أو سجينا أو مقموعا أو صامتا، أن يسرع للالتقاء مع من يشاطره الفكرة لتأسيس حزب وطلب التأشيرة القانونية مما جعل عدد الأحزاب يقفز إلى ما فوق المائة والأربعين. وقد عايشنا بعد الثورة نقلة نوعيّة في اهتمام التونسي بالشأن السّياسي بعد أن كان اهتمامه موجّها نحو الرياضة والفنّ مع البحث عن لقمة يسدّ بها رمقه، حتّى أنه قيل أنّ التونسيين تحوّلوا من عشرة ملايين محلل رياضي إلى عشرة ملايين محلل سياسي. وقد بلغ هذا الاهتمام أوجه مع إنتخابات المجلس التأسيسي وصعود الترويكا إلى الحكم.
لكن المتتبع للشأن الوطني يلاحظ ، بعد مرور ثلاث سنوات، أن ذلك الحماس تحوّل إلى نفور كبير نتيجة ما حصل خلال هذه الفترة من فشل في حلّ مشاكل المواطنين التي ثار من أجلها واهتمام الأحزاب بالصراعات وحرب المواقع بدل البحث عن مخرج للأزمة التي استفحلت في البلاد. وقد زادت الحملات المقصودة من بعض الأطراف عبر بعض وسائل الإعلام في تأجيج هذا الشعور لدى الناس بحجة أن الثورة لم تصنعها الأحزاب السّياسيّة تارة و بحجّة أن هذه الأحزاب تعمل على سرقة الثّورة لتجني ثمارها لوحدها تارة أخرى، مما خلق شرخا عميقا بين الأحزاب من جهة والمواطنين من جهة أخرى.
إن قوى الردّة والحالمين بالالتفاف على الثورة يعلمون جيّدا أن وقوف الناس وخاصّة الشباب مع الأحزاب والتقاء هذه الأحزاب مع مطالب وطموحات الشعب سيكون صمّام أمان لنجاح هذه الثورة فينتهي حلمهم في استرداد مواقعهم داخل السّلطة ولذلك يعملون ليلا نهارا وبكلّ السّبل للمحافظة على القطيعة بين هذين الطرفين فيعملون على زرع صراعات متنوّعة بين الأحزاب وتوجيهها بعيدا عن مشاغل المواطنين ويعملون في جهة أخرى على تلميع صورة بعض الأحزاب القريبة منهم ويشوّهون صور أخرى. ولأنهم يعلمون أن تعدّد الأحزاب وإن كثر علامة صحيّة بعد عقود من القمع والاستبداد، فإنهم يسارعون إلى التهكّم من هذا التعدّد لإرباك العاملين في السّاحة السّياسيّة والمواطنين على حدّ سواء.
ولأنهم يعلمون أن انتخابا حرّا ديمقراطيّا سيكون بداية نهاية عهدهم، فإنهم يعملون جاهدين على تعطيل هذا المسار بخلق أجواء مشحونة بالتّعصب وعدم الثّقة وتشويه الأحزاب السّياسيّة بتعلّة أن همّها الوحيد هو الوصول إلى كرسي الحكم وذلك لتعميق النّفور لدى المواطن من المشاركة في الحياة السّياسية وجعل الجميع أمام الأمر المقضي لقبول توافقات مشبوهة لا تحدّدها مصالح الناس بقدر ما تحدّدها مصالح المجتمعين في الصالونات والقاعات المغلقة بأفخر النّزل التّونسيّة والأجنبيّة. 
إن محاصرة الأحزاب النّاشئة بعدم تمكينها من التمويل الحكومي وعدم تسهيل استغلالها للفضاءات العامّة للالتقاء بالناس و«التنجيس» المتعمّد للعمل الحزبي بمختلف الوسائل وقرارعدم تشريك المتحزبين في مختلف هياكل الدولة بتعلّة عدم استغلالها حزبيّا والرفع من قيمة «الإستقلالية» و«الحياديّة» كشهادة ضروريّة لتولّي منصب حكوميّ أو في إحدى مؤسسات الدولة، لهي وسيلة لعزل القوى الحيّة الفاعلة تهيئة للانقضاض على السّلطة من جديد. 
إن الواجب الوطني يدعونا إلى كشف مثل هذه الألاعيب والمخططات ليفهم المواطن أنّه صمّام الأمان لنجاح هذه الثورة وإنّ ذلك لا يتحقّق إلاّ عبر مشاركته الفعليّة في العمليّة السّياسيّة من خلال الانخراط في الأحزاب ودعمها مادّيّا ومعنويّا من جهة ومراقبتها من جهة أخرى. وعلى الأحزاب الوطنيّة المنحازة للثورة أن تعمل على توفير المناخ الملائم لتشجيع المواطنين على الانخراط في العملية السياسية وتبعث رسائل اطمئنان للناس بخلق توافق وائتلاف فيما بينها قادر على قطع طريق العودة «إنتخابيا» أمام سدنة المعبد النوفمبري بجميع أطيافهم .
  المهندس فيصل العش
                                                                                          faycalelleuch@gmail.com