خواطر

بقلم
اسماعيل بوسروال
محطة المياه المعدنية بجبل الوسط ... خواطر زائر
 الاضطرار والاختيار 
نصحني النّاصحون بالتداوي بالمياه المعدنية فهى مفيدة لمن هم مثلي ... وعزمت على اختيار إحداها بناء على تجارب من سبقوني ... ونصحني النّاصحون بحمام بورقيبة بطبرقة، فهو مفيد ومريح وأكّدت لي ذلك زوجتي ذلك لا سيما وقد قصدته عدة مرّات في زيارات لثلاثة أيّام ... قلت: «جيّد جدّا» كما يقولون في الأفلام المصرية خاصة وأنّ «الكنام» سيتكفّل بجزء هام من التكاليف  لمعالجة وإقامة تدوم مدّة  14 ليلة.
وبالاسترشـــــاد عــــن «حمــــام بورقيبـــة» بطبرقـــة تبيّن أن نصيب مساهمتي أنا وزوجتــــي تتطلـــب أكثـــر من مليونيْن من الدّنانير- بعد «الكنام» – ودون حساب المصاريف الجانبية كبنزين السيارة وغيره من الهوامش البسيطــــة ...وبصراحـــة وجـــدت أن تكاليـــف الرحلـــة إلى حمّام بورقيبة تتقـــارب مع تكاليف رحلــــة «عمرة» إلى البقاع المقدّسة ، فكان أن تخليت عن حمّام بورقيبة وقلت: « ربّما إقامته لا تناسبني فلأبحث عن حلّ آخر ولا سيما وأن « العيون ...» في بلادي كثيرة وجميلة كما تقول أغنية المطربة وردة الجزائرية.
الحل الممكن والمناسب  ماديا 
وبحساب بسيط تبيّن أنّني لا أقدر إلاّ على « جبل الوسط» فكلفتها بمئات الدنانير وليس بالملايين ... وفي جميع الحالات تقف قائمة المصاريف في حدود ألف دينار للزّوجيْن – بالإضافة إلى  تغطية الكنام طبعا – قلت: « نحن من الطبقة الكادحة فلنذهب إلى ما يناسبها، مثلنا مثل الشعب الكريم ولنترك حمام بورقيبة إلى أجل غير مسمّى فقدرتنا الشرائية مازالت لا تسمح بذلك».
زغوان 
لم يسبـــــق لــــي أن زرت زغـــوان سابقـــا ... وأوّل ما لفت نظري هو أنّهــا تُشبــــه مدينتي سيدي بوزيــــد والقصـــرين بما أنها لها شـــارع رئيســـي واحـــد وطويل مع أن حجمها بدا أصغر منهما ... كما أن منطقتها الصّناعية ليست كبيرة ممّا يدلّ على حاجتها الأكيدة للاستثمــــار ...أمّا منتزهها العائلي الرّاقي الواقع في سفح الجبــــل فرائع جدا ويستهوي سكّان المدينة ... 
محطة المياه المعدنية بجبل الوسط 
وصورة من صور عدم توظيف الئروة البيئية 
تقع محطة المياه المعدنية في منطقة غابية وجبلية وفي بيئة طبيعية ولكنها غير مستغلة استغلالا جيدا لأنّه يمكن إنشاء خمس أو عشر محطات مع نزل بدرجات مختلفة حيث يمكن أن تستوعب المحطـــة عشرات الآلاف بــــدل بضع مئات، كما يمكن أن تكـــون فيها مدينة للتدريبات الرياضية - لكل الاختصاصات -  ومدينــــة للألعاب التّرفيهية وما يتبعها من مطاعم ومقاهي...فضلا عن استقطاب السياحة الداخليـــة والخارجيـــة ... هذا استثمـــار لا يتطلّب مصانـــع ولا معامل ولا آلات ولا ... ولا... فقط عليك أن توظف ما وهبك  الخالق  من جبال  وغابات وعيون، لخدمة بلادك ومواطنيك ...
محطة المياه المعدنية بجبل الوسط 
وصورة من صور فشل القطاع العام 
أسجل أوّلا نجاعة وفعالية وحسن أداء الأطبّاء والممرّضين والفنّيين ، وقد عاينت ارتياح معظم الناس الذين بادلت الحديث معهم لمستوى « العمل الاستشفائي»... لكن أين فشل القطاع العام ؟
يتمثل فشل القطاع العام في الإقامة والمطعم وما بينها ... حيث غرف ضيقة قديمة متآكلة تفتقر إلى التجديد والصيانة والتعهد فضلا عن التّأثيث ... فهي غرف  بها تلفزيون بالهوائي و لا يوجد بها كرسي واحد  كما لا يوجد بالإقامة  كلّها انترنات ولا جرائد ... أي أنها يمكن مقارنتها بوضعية بعض السجون ( التي لم أدخلها والحمد لله ولكنني رأيتها في التلفزيــــون )...أما المطعــــم، فرغم بنايته الأنيقـــة فإن نوافذه ران عليهـــا غبار السنين الخوالــــي ... أما نوعية الأكل فأغرب ما فيه هو اصـــرارعلى فطور صباحي يتضمّن الخبر والمعجون كما في مطعم المبيت المدرسي والجامعي، كما ان الاصرار يتأكد في الغداء والعشاء على وجود البطاطا المقلية كما في محلات الكسكروت وإصرارعلى العجة والمرق الأحمر وهو غذاء لشبّــان يتسلون بلمجة في انتظار العودة الى البيت ... أما عمال المطعم فليس لهـــم لبــــاس يميّزهم عن غيرهم ولعل ذلك يعود إلـــى « مكتسبات نقابيــــة»  بعد الثــورة ركّــزت علــــى «الحقــــوق» وأغمضت عينيهـــا عن «الواجبات»... فشل واضح في خدمــــة الإقامــــة والمطعم ويفسّره المسؤولون عن المحطة بالرّوتيـــن والبيروقراطيــــة وبطء الاجراءات مما يعوق التحسين والتطوير ...  
محطة المياه المعدنية بجبل الوسط 
ونظام الفساد والاستبداد
لم يكن مستغربا أن يمرّ الطرابلسيـــة بمحطة جبل الوسط للمياه المعدنيـــة، فلا يمكـــن ألاّ تكون لهم بصمــة ما هناك ... وقد لاحظت، وأنا وزوجتــــي نتمشّى في أرجاء المحطة، وجود بنايتين أنيقتيْـــن ولكنّهما مهجورتان ... سألنا عنهما فكان الجواب أنها كانتــا واحدة على ذمّة « ليلى بن علي» حرم المخلوع وأخرى على ذمة والدتها ...وأنهما تمّ غلقهما وعدم استخدامهما منذ سقوط النظام السابق وهي من المفترض ألاّ تخضغ لقوانين المصادرة فهي ليست ملكا خاصا ...
بقي السؤال الحائر يلازمني منذ ذلك الحين : هي بنايات تمّ انجازها على أرض ملك للدّولة، فلماذا لا يتم استغلالها  حتّى تحسّن مداخيل محطة جبل الوسط للمياه المعدنية ؟ ...
-----------
-  جمعية منتدى المعرفة بسوسة
ismail_bsr2004@yahoo.fr