رسالة المغرب

بقلم
فؤاد بوعلي
اللغة والتطبيع
 ما العلاقة بين اللغة والتطبيع مع الكيان الصهيوني؟ وهل يمكن للّغة أن تصبح أداة لاختراق الجبهة الداخلية والمسّ بالسيادة الوطنية؟
خلال الأسبوع الماضي أصدر المرصد المغربي لمناهضة التطبيع التقرير السنــــوي 2013 الذي يرصـــد من خلاله حالة التطبيع مع الكيان الصهيوني في تجلياته المختلفة سواء في المواقـــف والسلوكـــات أو الزيــــارات أو التشهير بمناهضي التطبيع. وقد أثبـــت التقرير العلاقــــة الجدلية بين الحرب على الهوية المشتركة للمغاربــة والتطبيـــع مع الكيان الغاصب. فبرصد إحصائي للائحة الأولية لرموز الاختراق الصهيوني بالمغرب من الأشخاص الذاتييــــن نجد أن من بين 23 شخـــص من المطبعيـــن 09 منهم من النشطاء الأمازيـــغ، وجل المطبعين من دعاة الفرنكفونية والتلهيج، مما يعني أن قضية التطبيع هي قضية لغة كذلك.
لم يكن التقرير الذي اصدره مركـــز «موشي ديـــان» التابع لجامعة تل أبيب قبل مدة ليست بالطويلة والذي طلب فيه من الحكومة الصهيونية «استغلال» الحركة الأمازيغية من أجل تكسير جدار الممانعة لدى المغاربة كلاما عبثيـــا أو عرضيا كما حاولت جملة من الأقلام وصفه آنئذ، بل كان تتويجا لمسار أتت زيارة صاحب التقرير الباحث في مركز «موشي دايان»، «بريس مادي ويتزمان»، للمغرب وخاصة بعض المناطق المهمشة في الأطلــس وإجـــراء  لقـــاءات مع نشطاء في الحركة الامازيغية لتعلـــن خروجـــه للعلــــن من خلال رهان العدو الغاصب على المسألــة الأمازيغيــة من خلال توجيهها نحو خدمة أغراضه الخاصة من خلال آليات محدّدة في:
(1) تشجيع العلاقات البينية مع الكيان الصهيوني تحت يافطة البحث العلمي والإشعاع الأكاديمي. حيث يتناوب بعض المحسوبين على الأمازيغية على زيارة الكيان الصهيوني وكان آخرها المشاركة في اليوم الدراسي الذي نظمه مركز موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا مؤخرا حول الحركة الثقافية الأمازيغية يوم 24 مارس الجاري في تل أبيب. وبالطبع ليست المرة الأولى التي ينفتح فيها الكيان الصهيوني على بعض الفعاليات الأمازيغية التي وجدت في دعمه ومساندته فرصة للإجهاز على كل عناصر المشترك الوطني. فقد أسّس بعض هؤلاء ما أطلقوا عليه جمعية «سوس العالمية للصداقة المغربية الإسرائيلية» واستقبل بعضهم نشطاء صهاينة بل نظمت زيارات لبعثات إسرائيلية بناء على دعوة نشطاء أمازيغ، بغية « إعادة توثيق الروابط بين الأمازيغ والاسرائيليين الذين عاشوا لفترة طويلة بشمال افريقيا، بالاضافة الى إبراز قيم التسامح بين مختلف الشعوب». كل هذا يتم وفق مخطط مدروس ومسبق، لمواجهة الانتماء وإحداث شروخ في الجبهة الداخلية التي كان الإجماع على وطنية القضية الفلسطينية أحد دعاماتها الأساسية.
(2) إثبات العلاقة التاريخية والإثنية بين الأمازيغ واليهود. فكل علاقة غير شرعية تبحث لها عن سند من التاريخ تبرر مسلكياتها الواقعية. وكما قال أحد الأساتذة: «يوجد في صالونات الحركات الأمازيغية نقاش عريض عن اليهود ...هل هم أمازيغ تهوّدوا أم يهود تأمزغوا ؟...فكثر لغط كُتابهم عن اليهود...كاتب يكتب أن اليهود كانوا من الأمازيغ تهودوا في الأندلس ثم عادوا بعد الطرد المسيحي ... آخر يتقول أنهم جاءوا قبل الفتح الإسلامي (قبل الفتح الإسلامي أهم ما يهمه في الموضوع) في هجرات للتجارة ثم استقروا في المغرب». لذلك لا يمتنع بعضهم من إثبات العلاقة من خلال التواصل مع بعض الإسرائيليين بزعم أمازيغيتهم .
(3) بث ثقافة الهولوكوست: شهدت السنوات الماضية استضافة عدد من نشطاء الحركة الثقافيـــــة الأمازيغيــــة من قِبَل معهـــد «ياد فاشيـــم» الإسرائيلــــي للاستفـــادة من دورات في مجال تدريس «الهولوكوســـت» والقيام بحملة إعلامية مكثفة للترويج لهــــا. ونشر هذه الثقافـــة لا يقصد منه فقط الترويــــج للرؤية الصهيونية للمحرقــــة بل الاستفـــــادة من منهجيــــة «الهولوكوست» والدفاع عنه من خــــلال صناعة الأعداء وربط كل القضايا بمحور واحد وتلخيص التاريخ والمستقبل في مسألــــة الإثنيــــة. لذا ظلّت قصة «الهولوكوست» إحدى أهم عناصر الحشــــد اليهــــودي وتعبئة كــــل الطاقـــات مـــن أجله لدرجـــة جعـــل يــــــــوم 27 من ينايـــر(جانفي)  من كل عام عيداً وذكرى للاحتفاء بها. وتناســــى هؤلاء ما كتبه أحد ابناء الكيان الصهيوني الكاتب الاسرائيلي المعروف «يسرائيل شامير» في هآرتس: «ان اجرامنا تجاوز اجرام روسيـــا في الشيشان، وافغانستان، واجرام امريكا في فيتنام، واجرام صربيا في البوسنة، وان عنصريتنا -ضد الفلسطينيين - ليست أقل انتشاراً من عنصرية الألمان».
إن التقرير الذي أصـــدره المرصد المغربـــي لمناهضة التطبيـــع يثبت أن النقاش اللّغوي ليس إلا المظهر الذي تختبئ وراءه أصــوات التشظّــي الهوياتي من أجل تمرير المشروع الصهيوني القائم على تفتيت السيادة الوطنية ومقوماتها المعلومة من الانتماء بالضرورة. لذا فالحروب المعلنة على العربية والإسلام والانتماء الحضاري ونشر القيم البديلة هي صناعة صهيونية وجدت لها وكلاء في الوطن. لذا فالعمل المستقبلي هو تخليص المسألة الأمازيغية والنقاش اللغــوي عمومــــا من أيــــدي هــــؤلاء بالحـــرص على وطنيته. 
-----------
-  عالم لسانيات مغربي
رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية
coalitionarabe@gmail.com