قبل الوداع

بقلم
يسري بوعوينة
تحية إلى إمرأة عظيمة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة
 يحتفل العالم يوم 8 مارس القادم  باليوم العالمي للمرأة...مناسبة قد لا يوليها العديد من النّاس أهمّية تذكر في زحمة الحياة العادية رغم أن الواجب يفرض علينا أن نقف إحتراما وإجلالا لكل سيدات هذا الكون وآنساته..أن نقف تحيّة إلى أخواتنا وأمهاتنا وبناتنا وعمّاتنا وخالتنا وصديقاتنا اللاّتي منحن هذا الكون طعما ولونا.....أي عالم كان يمكن أن يوجد بدون المرأة؟؟ أكيد أنه عالم موحش ومظلم ليس به إشراق ولا أمل ولا حتى ذرّة حياة...لقد أردت أن أستغل هذه المناسبة  لأسبق الناس أجمعين وأوجه التحية إلى إمرأة بعينها...إنّي لأرفع كلماتي إلى مقامك السّامي سيدتي الفاضلة لأتمنّى لك الصحة والأمل والسعادة.....كل عام وأنت مناضلة وكل عام وأنت ملهمة وكل عام وأنت سعيدة..وسعيدة هو أيضا إسمك كأنّه كان في سابق علم والديك الأكرمين أنّ وجودك سيكون مصدر سعادة للكثيرين فإختاروا لك هذا الإسم.
الأستاذة «سعيدة شطير» مدرّسة بالمعاهد التونسيّة في مادة العلوم الطبيعية ومن يقول التدريس يقول رفع الجهل وتنوير عقول الناشئة وما أنبلها من مهنة بل هي رسالة كلّفت بها هذه السيدة فأدّتها بإقتدار وأمانة وشرف...في وقت ينحدر فيه التعليم إلى الأسفل تبقى قلّة من رجال ونساء التّعليم كالشّمعة التي تنير هذا الظلام الدامس وتقاوم نيابة عنا (وقد لذنا بالصمت) هذا الخطر المحدق بنا...أكثر من 25 سنة قضتها هذه السّيدة في نشر العلم وتحبيب المادّة إلى نفوس الصّغار دون كلل أو ملل، يضاف إلى ذلك دماثة الأخلاق وإبتسامة رقيقة مع عزيمة صارمة لا تلين...قاعة الدّرس معها ليست سجنا وليست أيضا قاعة ألعاب و لكّنها فضاء للرّقي الرّوحي والتّحصيل المعرفي وقليل من يستطيع التوفيق والوصول إلى هذا المستوى الرّفيع...حينما قابلت هذه السيدة لأول مرّة لا أنكر أنّني شعرت بالرّهبة...سمعت عنها كثيرا فلما إقتربت من لقائها تسارعت دقّات قلبي حتى إذا ما وقفت أمامها تصاغرت...بدت لي كالجبل ينتصب شامخا وكالنهر يفيض عذوبة وكالسماء تحتوي الأرض ومن عليها...حاولت أن أبدو طبيعيا ولكني عجزت حتى أن أنظر إلى عينيها...إرتبكت وخفت ومن منا لا يرتبك وهو يقف أمام إنسان عظيم؟ والعظمة التي أقصد ليست بالضرورة المناصب والنفوذ...العظمة ليست في المظاهر..العظمة محلّها القلوب فأن تفرض على الناس إحترامك وتقديرك فينظروا إليك بمهابة فتلك هي العظمة الحقيقية وليست العظمة الزائفة التي يسارع إليها الكثيرون فتصفّق لهم الأيادي وتلعنهم القلوب.. لا أدري حقيقة ماذا قلت لها بالضبط  يومها أو كيف كانت إجاباتي رغم أن عفويتها تجعلك تحسّ بالراحة فتسترسل في الكلام معها كأنك تعرفها منذ زمن بعيد..
    ربما لن تسمح لي الظروف مرة أخرى لأقابل هذه الأستاذة العظيمة في مدرسة المعرفة وأيضا في مدرسة الحياة، فأردت أن أوجّه لها من هنا تحية وإمتنانا..لقد تعلّمت من خلالك سيدتي أشياء لولاك ما كنت أدريها...أدين لك بالكثير وليست هذه الرسالة القصيرة هي التي ستوفي بديني تجاهك...لقد تعلمنا منك الصبر والكفاح والتضحية والنظر إلى الأمام...المستقبل نصنعه بأيدينا ونبدأ في كتابته منذ اليوم بل منذ هذه اللحظة..النجاح ليس مستحيلا طالما حاولنا ولم نيأس...النجاح هو طريق وعر ولكنه ليس مستحيلا وضريبته التعب والتضحية ولا ينال نعيم بنعيم...الأخلاق ليست شعارات بل هي ترجمة لأفعالنا مع المحسن والمسيء وما أكثر الإساءات والجحود في زماننا ورغم ذلك نتجاوز ونواصل طريقنا...
سيدتي وأمي ومعلّمتي وهن الثلاث أنت...إليك تنحني كلماتي إحتراما وإجلالا...إليك أهدي أجمل العبارات في أجمل الأعياد..وإنما تسعد النفس وتشرق الروح ويطيب الخاطر بلقاء أمثالك، فأدام الله لك الصحة والعافية ودمت ذخرا لأولادك وإن شاء الله أحفاد أحفادك وحفظك الله من كل مكروه...إليك سيدتي السلام ومنك سيدتي السلام وعليك سيدتي السلام.
تلميذك السابق وابنك يسري