نقاط على الحروف

بقلم
عادل دمّق
للأنثى مثل حظ الذكر!
 بسم الله الرحمان الرحيم:« يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » (1) 
هذا العنوان ليس دعوة لتغيير أحكام الميراث- كما يرغب في ذلك المتجملون بالعقلانية  (2) – و إنما دعوة لتعقّل هذه الاحكام !...كيف ؟
إنّ دراسة أحكام الميراث تبيّن أنّ هناك حالات عديدة تتعلـق بالإرث:
* حالات نصيب الذكر ضعف نصيب الانثى (أربع حالات) 
* حالات يتساوى فيها نصيب الذكر والانثى (ثماني حالات )
* أكثر من عشر حالات يفو ق فيها نصيب الانثى نصيب الذكر!
السؤال
لم قدّم التنزيل ذكر حالات «للذكر مثل حظ الانثيين»على غيرها من الحالات ؟ (3)
وراء ذلك ســـرّ نفســـي عميق وتربوي بليغ ينبأ عن علــــم وحكمـــة!(أقدر أن صاحبة التداعيات قد تكون قادرة- وهي المطلعة على  التحليل النفسي - على استيعاب الدرس لو أحصت أن تنعتق من الإهواء) 
مقدمة تحليل نفسية
أوضح التحليل النفسي بناء على دراســـات نفسيــــة واجتماعيــــة وخبرات سريرية أنّ هناك عقدة نفسية تنشأ في نفس الأنثى عند اكتشافها الاختلاف الجسدي – تتوهّم أن الإختلاف نقص!
يؤكد فرويد : «يترتّب  على ادراك المرأة الاختلاف نتائج هامّة في مجرى حياتها وفي تطـّبع أخلاقها ...يتولد عندها تمنّي المساواة ...إنّ هذا التمنّي هو محور كـلّ طلب وهو المحرك للعديد من الميولات والمواقف ومن دونه يصعب فهمها»(4).
والتنزيل في - وجه من وجوهه هو شفاء : «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» (5) - عالج هذه العقدة بطريقة فذة، فبعد آيات الميراث وما يمكن أن توهمه من تمييز يصرّح العليــم الحكيــم: « وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» (6)
يتعلق الأمر بموضوع الإرث ولكنّه أتى بصيغة عامّة تشمل كلّ تمنّ ! إنـه منهج تطبيقي  للهداية : « وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا» (7)! وفي هذه السورة تعدّدت الأحكام العامّة الواردة بمناسبة مخصوصة، السلام،الصلاة ...
ومن الملاحظات الدقيقة أن اقتران اسمين من  أسماء الله الحسنى (العليم و الحكيم)  كان في عشر مناسبات في القرآن سبع منها في سورة النساء !
الهوامش
(1)  سورة النساء الآية 26
(2) من أمثال الاستاذة رجاء بن سلامة أستاذة التعليم العالي بكلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات، منّوبة، تونس. وهي محلّلة نفسانيّة، عضو فضاء التّحليل النفسيّ : جمعيّة التّكوين التحليلي والأبحاث الفرويدية بفرنسا.التي كتبت : « للذكر مثل حظ الانثيين ,جرح  التّفضيل الإلهيّ….كيف يمكن الدّفاع على ما لا يحتمل، وكيف يمكن احتمال ما لا يحتمل؟” هذا ما قاله رجل كان حاضرا في جلسة نقاش دارت مؤخّرا حول المساواة في الميراث. ما لا يحتمل أو ما لم يعد بالإمكان احتماله هو مبدأ التّنصيف في حقوق المرأة، ومبدأ أفضليّة الرّجال على النّساء في صيغته الصّريحة أو الإنكاريّة. إنّ ما يجعل “ما لا يحتمل” محتملا، بل يجعله مصدرا للذّة من نوع خاصّ هو المازوشيّة وقرينتها السّاديّة. المازوشيّة التي تجعل ضحايا اللاّمساواة يتحمّلون هذه المظلمة، والسّاديّة التي تجعل المحظوظين يستمتعون بسلطتهم على ضحايا اللاّمساواة المستمتعين بخضوعهم. فأيّ مجتمع ديمقراطيّ يمكن أن يقوم على السّاديّة المازوشيّة بدل قيامه على علاقات المشاركة والمساواة؟ وأيّ رسائل متناقضة وباعثة على الجنون يمكن أن نوجّهها إلى أبنائنا، عندما نقول لهم إنّ المرأة مساوية للرّجل إلاّ أنّ الرّجل أفضل منها في بعض الأمور؟»
(3)  في آخر السورة –وقد تــم اللإيحاء العلاجي – ورد ذكر الحالة في آخر الآيــة!!!
الآيــة  176 :  «يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم».
الآيـتان  11 :  «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ››.
(4) عدنان حب الله : «التحليل النفسي من فرويد إلى لاكــــن» – ص 174.
(5)  سورة الإسراء الآية 82
(6)  سورة النساء الآية 32
(7)  سورة النساء الآية 63