مقلات في التنمية

بقلم
نجم الدّين غربال
حدود التمويل الأصغر بتونس وآفاقه
 يعتبر تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة في بلدنا مشكلة رئيسية بالرغم من توفر عدد كبير من البنوك ومن المؤسسات المالية المتخصصة. وتعود هذه المشكلة إلى عدم معرفة أصحاب هذا النوع من المشاريع بمسؤولي البنوك وعدم قدرتهم على تقديم الضمانات والبيانات التي تشترطها الجهات المقرضة.
وقد تزايد الطلب على التمويل الأصغر في ظل المساهمة المحدودة والمتواضعة للقطاع المالي الرّسمي في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وتشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطـــة 80 % من المصانع والمؤسسات الخدمية التونسيّة لكنها تعاني شحّا في السيولة وصعوبة في الحصول على قروض من البنوك. ونظرا لما يمكن أن يقدّمه التمويل الأصغر في هذا السياق نرى ضرورة الإلمام بمستواه في تونس للوقوف عند حدوده قبل الحدث التاريخي لـ 14 جانفي 2011 وآفاقه بعده خاصة وأن الحاجة إلى ضخّ أموال إضافيّة في الدّورة الاقتصادية بات أكثر من ملحّ لمواجهة الفقر الذي وقفنا على حقيقته في مقال سابق ( الإصلاح عدد 37  ).
(1) حدود التمويل الأصغر قبل 14 جانفي
تعتبر الشبكة البنكية والبريدية في بلادنا ذات انتشار واسع نسبيا وحسب بعض التقديرات فان لكل 10.000 ساكن تونسي 1.3 فرع بنكي وفرع واحد بريدي. وبالمقارنة مع الجزائر والمغرب نجد أن تونس متقدمة على مستوى عدد الفروع حسب عدد السكان إذ أن 0.5 فرع بنكي فقط يوجد في الجزائر و 0.3 فرع في المغرب لكل 10.000 ساكن. ولأن عرفت تونس بعض التجارب قبل أن يوضع إطارا تشريعيا للتمويل الأصغر إلا أن هذه التجارب لم تكن كافية من حيث التغطية كما كانت مدتها محدودة. ومن بين هذه التجارب نذكر :
* «صناديق الادخار والاقتراض» في ستّينات القرن الماضــي (CEC / Caisse d’Epargne et de Crédit) والتي أنشأت أساسا لتطوير تمويل التعاضديات الفلاحية.
* «شركــــــــــــــــــــــات الودائــــــــع المتبــــــادلـــــــة»    sociétés de cautionnements mutuel  في السبعينيــــات والتي تمثّل ضمانات لمنخرطيها لدى مؤسسات الإقراض.
* وفي التسعينات أنشأت بعض الجمعيات التنموية المحلية كأسد(ASAD) الذي يعتبر مكون القرض الصغير.
وفي سنة 1995 أدخلت «أندا انترآراب» (Enda Inter-Arabe) القرض الصغير في أنشطتها ثم بدأت تتخصص فيه شيئا فشيئا رغم غياب نصّ تشريعي لذلك، إلا أن صفتها الرياديّة في ذلك ومنحاها الاجتماعي قد أعفاها من المساءلة على ما يبدو.
ولقد اعترفت السّلط التونسيّة بهذا القطاع سنة 1999 ووضعت له إطارا تشريعيا وأنشأت بنكا عاما أطلقت عليه اسم «البنك التونسي للتضامن»(B T S).
و منذ ذلك الحين أصبح لقطاع القرض الصغير في تونس عناوين أبرزها :
* جمعية أندا (ANDA) للقروض الصغرى التي تعمل بشروط السوق حسب المعايير الدولية و باستثناءات محدودة. 
*البنك التونسي للتضامن (B T S) ضمن سياسة وطنية تشجّع على خلق المدخول وذلك من خلال تقديم قروض بإعانة عالية مباشرة أو غير مباشرة عبر أكثر من 280 جمعية محليّة مرتبطة شديد الارتباط بالدولة وبالحزب المهيمن على دواليبها سواء على مستوى التمويل أو على مستوى الحوكمة.
* ثم وقع احداث بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة سنة 2005.
وتفيد بيانات أصدرها كل من البنكين أنهما موّلا 138.682 مشروعا أي بنسبة لا تتجاوز 40 % من مجموع المشاريع المدروسة وأن نسبة التمويل الفعلي للمشاريع لا تتجاوز 74 % من المشاريع المصادق عليها.
والملاحظ أن قطاع التمويل الأصغر يعاني من محدودية الموارد وسوء التصرف فيما هو متوفر مما يؤكد الحاجة إلى التمويل الإسلامي عموما والتمويل الإسلامي الأصغر على وجه الخصوص نظرا لما يتوفر عليه من موارد إضافية تؤمنها الزكاة وثقافة الإنفاق والصدقة التي يحث القرآن الكريم عليهما وكذلك ما تلتزم به من أخلاق حميدة كالأمانة والصدق مما يحول دون سوء التصرف أو الفساد ليوضع حد للتلاعب بهبات المانحين و كذلك ليمنع استغلال قوت الضعفاء و المحرومين.
فندرة التمويل يمكن تجاوزها في التمويل الاسلامي وسوء الأخلاق يمكن محاصرته بنشر القيم الاسلامية واستحضار الحس الجمعي وتقوية الحرص على البقاء كمجموعة بشرية متضامنة متوحدة لنحول دون أي كوارث تحل بنا جميعا. 
وما تجدر الإشارة إليه أن مؤسسات التمويل الصغير في تونس قد ركّزت سابقا ضمن إطار تشريعي ضيق على القرض الصغير بشكل شبه كلّي دون أن ينفي ذلك ما عرفته بلادنا من تجارب لخدمات مالية صغيرة أخرى كالادّخار والتأمين وخدمات حديثة أخرى لكن دون أن ترتقي تلك الخدمات إلى مستويات متقدمة.
و قد مثّل قطاع البريد ولا يزال مفتاحا للاندماج المالي لاعتبارات عديدة نذكر منها :
- ضخامة عدد حرفائه الذي بلغ 4.5 مليون متعامل من مجموع 10.7 مليون ساكن عدد منهم يدّخرون في اتجاه تكوين رأس مال..
- تنوع منتجات الادّخار شجّع عدد من  هؤلاء الحرفاء على الادّخار في مكاتب البريد.
- هذه المكاتب بلغ عددها 1103 مكتبا.
- أسعار تحويلات ودفعات مغرية نسبيّا ساهمت في تزايد عدد الحرفاء.
إلا أن نوعية الخدمات تختلف من فرع إلى آخر كما بقي مستواها ضعيفا في الأرياف.
  (2)  آفاق التمويل الأصغر بعد 14 جانفي                                             
بعد الأحــــداث التي عرفتهــــا تونــــس (17ديسمبر2010/14 جانفي2011) و حالة الفقر التي استفاق الشعب على حقيقتها بمجرد أن تحرّر الإعلام، ظهر جليّا محدودية التّمويل الأصغر في معالجة الفقر بمفهومه المختزل في القروض الصغرى والصيغ التي سبق ذكرها.
وقد سجل في نهاية عام 2011 أن 30 % من التونسيين لهم حساب جاري و 10 % لهم قرض بنكي و 24 % من المؤسسات الرسميّة لها قرض من القطاع البنكي التجاري.
أما المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس فلا تزال محدودة كما ذكرت مريم التايب «مقارنة بالدول والأقاليم الأخرى بحيث لا يتجاوز إحداث هذه المؤسسات في المعدل العام للسنوات الأخيرة 0.64 مؤسسة لكل 1000 نسمة مقابل 19 في أمريكا اللاتينية و29 في أوروبا الوسطى و45 في منطقة التعاون والتنمية الاقتصادية» (2013) ص 02 : « صعوبات وإشكاليات بعث المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس» 
و حسب دراسة أعدتها وزارة التكوين المهني والتشغيل (2012) حول واقع التشغيل في تونس فإن من الأسباب الداخلية لتفاقم الظاهرة «عدم ترسيخ ثقافة المبادرة لدى الشباب وافتقار أغلب الباعثين لمميزات الباعث وعدم تدرّبه على إدارة المشروع وقلّة توفّر المؤهّلات والتجربة الفنية والإدارية والتسويقية».
كما تمّ رصد العديد من الإشكاليات على مستوى الإطار القانوني المنظم لقطاع القروض الصغرى ونقص هيكلة الجمعيات التنموية وطرق التصرف في الأموال المسندة وتنظيم قدراتها الذاتية وصغر حجمها وتشتتها وضعف الموارد المرصودة لها من قبل البنك التونسي للتضامن إلى جانب نقص في تقديم خدمات التكوين والمرافقة والاستشارة.
وأكدت الدراسة على أهمية تطوير قطاع التمويل الأصغر خاصة بوجود إمكانات هامة في هذا المجال في قطاعات الفلاحة والصيد البحري وتربية الماشية والصناعات التقليدية وهي قطاعات قادرة على توفير موارد رزق ومواطن شغل هامّة إلى جانب وجود طلب هام للتمويل الأصغر ودعم السلط العمومية لتطوير القطاع.
وقد بقي اللجوء إلى الخدمات المالية مقتصرا على جزء محدود من السكان. وقدرت وثيقة «النظرة التشاركية» لسنة 2011 عدد الأفراد الذين لا يحضون بخدمات كافية أو جيدة من الجهات المالية القائمــــة ما بين 2.5 و 3 ملايين من بينهم ما بين 1.2 إلى 1.4 مليون تلـــك التي في شكل قروض صغرى.
و إذا تمعّنا في هذه القروض، فإننا نلمس تفاوتا كبيرا بين الجهات وكذلك بين فئات السكان، فهذه القــــروض لا تتوفر إلا للأشخـــــاص أو المؤسســـات التي تملك ضمانــــات حقيقيـــة ومداخيــــل منتظمــــة وإذا أردنا إمعان النظر في مستوى عرض الخدمات المالية الصغرى بما يعين على رؤية آفـــــاق القطــــاع لا بد من تشخيص للعـــرض الموجود.
(أ)   تشخيص العرض الموجود
* تمكّن الشبكة البنكية وخاصة البريدية في تونس، والتي وقفنا عند امتدادها، أصحاب الدخل الضعيف من التمتّع بخدمات الادخار لتكوين رأس مال إلا أن هؤلاء يتّجهون نحو الإبقاء على ادخارهم بين أيديهم مع المخاطر المصاحبة وذلك لتأمين الحاجات الطارئة. ولا يزال القطاع ككل بوضعه الحالي في تونس بعيدا عن الاستجابة لطلبات التمويل.
* تعتبر التغطية الاجتماعية أفضل مما هي عليه في مجموع الدول التي هي في طريق النمو ولكنها أبعد ما تكون عن المعايير العالمية ولا تعوّض شركات التأمين هذا النقص.
* لا يزال عرض خدمات التمويل الأصغر يراوح مكانه بسبب البنية التحتية والغير ملائمة للسوق.
*   الجهد الوطني المبذول
  وقد دفع هذا الواقع الحكومات المتعاقبة ومختلف الفاعلين وكذلك المانحين إلى إعادة النظر في القرض الصغير الذي كان محكوما بمنطق «الإحاطة الوطنية» القاصر و المراقبة الهشة والمرتبطة كليّا بمعونات الدولة مما جعل الخدمات المقدمة جدّ محدودة باستثناء تلك المقدمة من طرف أندا (ENDA).
ولقد أثمر تعاونهم إطارا تنظيميا جديدا موفى أكتوبر 2011 مكّن مؤسسات التمويل الأصغر بتونس على مستوى خدمات التأمين من أن تعمل كفروع شركات تأمين إلا أننا لم نر إلى اليوم خدمات موجهة إلى الشركات الصغرى أو الأسر الفقيرة والتي لم تعرف سوى التأمين الصحّي المقدّم لها من طرف التغطية الاجتماعية العامة.
وعرف تاريخ التمويل الأصغر في تونس تحوّلا عبر تركيز الإطار التشريعي الجديد سنة 2012 مع بعث سلطة مراقبة وسلوك منحى الشفافية في قبول المنتفعين. وإذا أردنا أن نجمل ما أفرزه جهد كل الأطراف فيمكن ذكر ما يلي :
* رؤية تشاورية لتنمية التمويل الأصغر(اكتوبر 2011): 
وهـــي وثيقــــة وطنيــــة تغطـــي ثلاث سنوات (2011/2014) ومحاورها أربع :
(أ) المحور الأول : وضع إطار تنظيمي و نظرة إستشرافية مشجعة لنمو القطاع . فتمّ إصلاح أول سنة 2011 (إطار تنظيمي أكتوبر 2011) تحقيقا للأهداف التالية :
-  تشجيع تطور القرض الصغير لصالح الفئة الاجتماعية الغير مستفيدة من خدمات التمويل الصغير(الأجراء محدودي الدخل- المؤسسات الصغرى..)
-   تنويع الفاعلين و تطوير مؤسسات التمويل الأصغر القائمة.
-   وضع نظرة استشرافية مستقلة.
-   تحديث القطاع بما ينسجم مع المعايير المطلوبة على مستوى نوعية الخدمات و التصرف و الحوكمة.   
ثمّ سيحدث إصلاح ثان يتم بموجبه الانتقال من القرض الصغير إلـــــى التمويـــــل الأصغــــر عبر إعادة توحيد الإشراف   «unification des supervisions» للبنوك وللتمويل الأصغر والانفتاح على منتجات أخرى ( الادخار – أدوات دفع – تأمين ...).
(ب)المحور الثاني : مساهمة التمويل الأصغر في تنميــة الجهــــات و المناطق ذات الأولوية
ويتطلب ذلك دراسة السوق ووضع إطار يشجع مؤسسات التمويل الأصغر على الوصول إلى المناطق النائية وكذلك التنسيق بين الفاعلين في القطاع.
(ج)المحور الثالث :هيكلة القطاع
 ويستمدّ ذلك قيمته من خلال ما يضمنه من استمرار لأثر القطاع عبر الزمن كما يستوجب ذلك :
* إعادة هيكلة AMC وإعادة تعريف دور البنك التونسي للتضامن BTS  و FNG.
* دراسة دور البريد في الاندماج المالي.
* تشجيع القطاع المالي الخاص على إعادة التمويل.
(ح)المحور الرابع :تحقيق نمو مسؤول للقطاع
وذلك عبر إقامة مركز معلومات وهيكل يعنى بمعاينة درجة الاندماج المالي وضمان حماية الحرفاء.
وقد تكفّلت وزارة المالية لوضع هذه الإستراتيجية موضع تنفيذ بالتعاون مع وزارة الاستثمار والتعاون الدولي التي ستؤمّن التنسيق مع مختلف المانحين.
فحسب هذه الوثيقة التي أصدرتها الأمانة العامة للعمل الخيري والتطوعي بتونس تتطلع «الإستراتيجية الوطنية» الجديدة إلى إصلاح تشريعي جديد سنة 2014 ليتم المرور من القرض الصغير إلى التمويل الأصغر في تونس بمفهومه الشامل الذي يسع العديد من الخدمات المالية كالادخار والتأمين وتحويل الأموال والدفوعات وغيرها.
* دليل اعتماد التمويل الذاتي لإحداث مؤسسات صغرى
وهــــي وثيقـــة أصدرتها الأمانة العامــــة للعمــــل الخيــــــري والتطوعي تضمنت إطارا قانونيا لبرنامــــج «يهدف إلى تمكين الشباب من بعث مشاريعهم الخاصــــة ذات الجــــدوى الاقتصاديــــة والتي من شانها توفير الشغل اللائق للعاطلين عن العمــــل والحــــدّ من ظاهـــرة البطالة» كما احتوت تفاصيل تمويل حسب برامج ثلاث مع تفصيل تمويل المشاريع والوثائق المطلوبة مشفوعة بذكر امتيازات البرنامج.
وقد تم إحداث هذا البرنامج كما نصت على ذلك الوثيقة «في إطار مساعدة الشبان الذين ليست لهم إمكانيات مادية لتمويل مشاريعهم وانجازها حيث يتكفل البرنامج بتقديم منحة للباعثين الشبان حسب قيمة الاستثمار» بهدف «مساعدتهم على بعث مشاريع صغرى» كما اعتبر «معيار جدوى المشروع وإمكانيات نجاحه واستمراره من أهم شروط قبول ملف الدعم».
وفي الفصل 20 ضمن الإطار القانوني الذي وضعته الوثيقة «يمكن للصندوق الوطني للتشغيل أن يسند منحة بعنوان تمويل إحداث مؤسسات صغرى بمختلف قطاعات النشاط الاقتصادي بما في ذلك التمويل الذاتي على ألا يتجاوز مقدارها خمسة آلاف (5000) دينار على أقصى تقدير بعنوان كل باعث».
ونجد ضمن تفاصيل التمويل أن البرنامـــــج الثانــــي «يخص كافّـــــة شرائــــح المجتمــــع بــــدون أي شـــروط لا في السّـــــن ولا في التخصّص ولا في المستوى التعليمي ولا في نوعية المشروع. الشرط الوحيد هي أن لا يكون للباعث وظيفة أخرى وأن تكون دراسة الجدوى مقنعة».
*   الجهد الخارجي المبذول
أظهر كثير من الفاعلين الأجانب اهتماما ورغبة في الإقامة بتونس وذلك بغرض تقديم خدمات القرض الصغير.
ففي ديسمبر من سنة 2012 أطلق قسم التنمية البشرية داخل البنك الإفريقي للتنمية برنامج لسنتي 2013 و 2014 يهدف إلى خلق حركة كلية للأعمال الاجتماعية (Mouvement Holistique de Business Social / HSBM) بالاستعانة بخبرة أعمال محمد يونس (YSB).
وفي إطـار هذا البرنامج ستقام مشاريــــع نموذجيــــة بكل من تونس والطوغو وأوغندا تركّــــز على خلـــــق مواطن شغل للشبان وفي المناطق الريفية والاعتناء بالنساء وكذلك مشاريع الطاقة كما سيهتم برنامج (HSBM) بتقوية القدرات في مجال الأعمال الاجتماعية.
ولتحقيق ذلك تجد كل الأطراف المتدخلة نفسها معنية كالمنظمات العمومية والقطاع الخاص ومؤسسات التمويل الأصغر المحلية والمنظمات الغير حكومية والباعثين الشبان رؤساء المؤسسات الاجتماعية وممثلي الجماعات لذلك على كل هؤلاء الاستفادة من دورات التكوين.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا البرنامج يبقى مكملا لمبادرة «سوق التنمية»( سوق من ابتكارات البنك العالمي لديه هيئة تنمية ويهدف إلى توفير التمويل في شكل منح لدعم المشاريع المبتكرة) وكلاهما يعملان من أجل استقلالية الشّباب عبر إعانتهم بمنح مالية على بعث مشاريعهم الذاتية و كذلك إشاعة فكرة المؤسسات.
وإن كان سوق التنمية يقدم هبات من 10000 إلى 30000 د ت للمشروع الواحد فإن برنامج (HSBM) معني بالمشاريع التي في حاجة لاستثمارات تتراوح ما بين 50 و350 دولار والتي لها أثر إيجابي على الصعيد الاجتماعي والبيئي مع استعمال مقاربة تشاركيه جماعية و يكون كل من الشباب والفقراء والضعفاء هم المعنيون بها.
وبالنسبة للكيفية التي سيطبق بها هذا البرنامج في تونس فإنه سيتم على مرحلتين :
المرحلة الأولى : يفترض أنها تمت في الفترة ما بين جانفي وجوان 2013  ويتم فيها تقوية قدرات الجهات التونسية المعنية من فاعلين من القطاع الخاص والمجتمع المدني ووكالات التنمية وممثلي الحكومة عبر إطلاق عرض للمستثمرين المهتمين بصناديق الاستثمار للأعمال الاجتماعية في تونس.
المرحلة الثانية : من جويلية 2013 إلى جوان 2014 ويتم خلالها إقامة صندوق حضانة للأعمال الاجتماعية والمشاريع النموذجية في تونس (Fonds d’Incubation de Social Business et des projets pilotes en Tunisie ) ومنتظر أن ترى الاستثمارات الأولى النور آخر سنة 2013 وبداية سنة 2014.
ويعتمد بنك التنمية الأفريقي(BAD) كثيرا وشركائه خاصة «الأعمال الاجتماعية ليونس»(YSB) على الأطراف التونسية لإنجاح برنامج (HSBM) في تونس التي هي في أمس الحاجة إلى نمو مندمج حقيقي حتى يساهم في التخفيف من وطأة الفقر التي تعاني منه فئات عريضة من المجتمع التونسي.
*   تجربة تستحق الذكر
قامت السيدة لمياء بن عمار (وهي مساعدة فنية في الفلاحة خريجة المعهد الفلاحي للفتيات بسكرة ومكونة ومؤطرة للنساء الريفيات في مجال بعث المشاريع الصغرى في اختصاص تربية الأرانب والدواجن) ببعث مشاريع صغرى في تربية الأرانب والدواجن لفائدة 79 فتاة وامرأة في المناطق الريفية النائية بولايتي سليانة والكاف وهي مناطق تفتقر في أغلبها إلى أبسط المرافق الأساسية، حيث شملت تدخلاتها مناطق بمعتمديات بوعرادة وكسرى ومكثر وسليانة  الشمالية  وسليانة الجنوبية بولاية سليانة وتل الغزلان والشتاتلة وبوعرقوب بولاية الكاف مما ساهم في إيجاد حركية تنموية في هذه المناطق المعزولة.
وبالاعتماد على علاقة تشاركية مع مؤسسات التكوين والتشغيل وبالتنسيق مع هياكل تمويل المشاريع الصغرى من جمعيات تنموية والبنك التونسي للتضامن، قامت بالإحاطة بالمنتفعات بالمشاريع الصغرى وذلك بتكوينهن على عين المكان في تربية الأرانب والدواجن وفي تسيير المشاريع.
وتولت السيدة لمياء بن عمار تأطير ومتابعة مشاريع المنتفعات فنّيا في مختلف المراحل بدءا بدراسة المشروع مرورا بالتكوين والتزويد بوسائل الإنتاج من معدات وأرانب ودواجن في إطار قروض صغرى وصولا إلى ترويج المنتوج والقيام بعمليات استخلاص الديون تجاه الهياكل الممولة وهو ما مكّن من حلّ اشكاليات التزود والتسويق وتسديد القروض ومن تخفيف الأعباء على المنتفعات.
هذا وقد بلغت القيمة الجملية للمشاريع المؤطرة والتي تم تمويلها عبر الشراكة بين السيدة لمياء والجمعيات التنموية ومختلف آليات تمويل المشاريع الصغرى :
* 98.350  ألف دينار انتفعت بها 55 فتاة و 09 رجال بولاية سليانة.
* 64.000 ألف دينار انتفعت بها 24 فتاة و 08 رجال بولاية الكاف.
ألا يدل هذا مرة أخرى على قابلية مشاريع التمويل الأصغر في تونس للتطبيق وقدرتها على المساهمة في معالجة الفقر لدى فئات عريضة من الفقراء و المحرومين و ما الذي يمنع مثل هاته السيدة من الحصول على جائزة نوبل على غرار محمد يونس!