الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد الحادي عشر

 بسم الله قاسم الجبارين وناصر المستضعفين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين..

 

عيد بأية حال عدت يا عيد .... بما مضى أم لأمر فيك تجديد“

نستحضر هذه الأبيات الشعرية ونحن نستقبل عيد الفطر المبارك بعد شهر من التعبّد والتقرب إلى الله عزّ وجل وهي أبيات قالها المتنبي بمناسبة أحد أعياد سنة 350 هجري في هجائه لكافور الإخشيدي.  

عيد بأية حال عدّت يا عيد ؟ سؤال نطرحه بعد ما عشناه وعاشته البلاد خلال شهر رمضان المنقضي من أحداث انطلاقا من صدامات قضية مستشفى الهادي شاكر بصفاقس واحتدام الصراع بين الحكومة والإتحاد ومرورا بما يسمّى بقضية ”عمّال الحظائر“ في سيدي بوزيد ووصولا إلى الظهور الاستعراضي للسلفيين في آخر أيام الشهر من خلال تحكمهم في الساحة الثقافية ومنعهم لعروض وأنشطة مبرمجة مسبقا ومؤشر عليها من طرف الوزارة المعنيّة وافسادهم لتظاهرة "الأقصى" بنزرت والتي حضرها عميد الأسرى اللبنانيّين ”سمير القنطار“، وتعنيفهم الهمجي لبعض المنظمين لتلك التظاهرة.

عيد بأية حال عدّت يا عيد؟ سؤال نطرحه بعدما أصبح المسار الديمقراطي في خطر نتيجة استفحال ظاهرة العنف الجسدي واللفظي وغياب لغة الحوار بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية بالبلاد، ونتيجة التشكيك المتواصل بحجة وبدون حجة في برامج الحكومة من طرف المعارضة والذي زادته وسائل الإعلام تضخيما و ترسيخا وبعد أن تمّ إقصاء المواطن و إلهائه بقضايا هامشية فأصبح خائفا يترقّب

ولأن نجاح المسار الديمقراطي حلم كل التونسيين الصادقين، وخوفا من انحراف الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي الذي أنتجته الثورة، بما يؤدي لا قدّر الله إلى تعميق حالة الوهن والتفكك والصراعات الداخلية، فقد ارتأينا أن نخصص الجزء الكبير من العدد الحادي عشر من مجلة الإصلاح إلى موضوع ”مستقبل الديمقراطية والمسار الديمقراطي بعد الثورة“.

الأستاذ محمد القوماني طرح سؤال ”هل تؤسس الثورات العربية ديمقراطية ما بعد العَلمنة والأَسلمــــة؟ “ وحاول من خلال مقاله أن يصل الحاضر بالماضي. فعاد بنا إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ليستقرئ التاريخ، رغبة في تعميق الفهم وإضاءة دروب المستقبــــــل و ”لتفهّم ثورات الربيـــــع العربــــي في سياقها ومسارها فلا نراها حدثا منقطعا، نتّخذ من عنصر المفاجأة فيه وغياب القيادة الثورية والبرنامج الثوري ذريعة لتمييع هذه الثورات أو الانقلاب عليها“، ليستخلص أن نجاح المسار الانتقالي وتعزيز الديمقراطية يتطلب تضافـــر الجهـــود من أجل تكريس عدّة مسارات أهمها اعتبار الإسلام مقوم أساسي لثقافتنا وحضارتنا وتجاوز ثنائية العلمنة والأسلمة بين النخب المطالبة والاتفاق على خيار وطني، يحسن قراءة المعطيات الدولية والإقليمية ويحرص على قطع الطريق على أي تدخل أجنبي مهما كان في الشؤون الداخلية.

وتساءل الأستاذ محرز الدريسي في مقاله ”انهيار الاستبداد: انتصار للحرية أم انتصار للدولة؟ “ عن المآلات الممكنة للتجربة الديمقراطية التونسية والاستعـــداد لتجاوز المـــآزق والمطبّات التي يمكن أن تقع فيها ليستعرض إحدى خمس مفارقات رئيسيّة بدون تجاوزها تبقى التجربة في نظره في خطر دائم تتهددها العواصف والمؤامرات، على أمل عرض تحليله للمفارقات الأربع الباقية في العدد القادم ان شاء الله.

ومن الجزائر الشقيقة كتب الأستاذ غزالي بلعيد عن "إشكالية التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي"  مستعرضا أهم شروط نجاح هذا التحول التي يراها بالأساس اقتصادية واجتماعية وإيديولوجية  ثم تتطرق إلى أبعاده الوطنية والدولية والسلوكية ليستنتج وجوب تسوية الصراعات السياسية عبر أسلوب تنافسي سلمي، تكون الانتخابات الحرة الأداة الديمقراطية الكفيلة بتحقيق التوازن السياسي واستقرار الدولة مذكرا أن عملية التحول الديمقراطي لاتكون وليدة ضغوطات دولية مفروضة أو نتيجة احتجاجات داخلية واضطرارية ساخطة على النظام القائم، وإنما عملية مهيأ لها يستوعبها الشعب ويرضى بها.

وفي مقاله ”فن المغالطات في الخطاب السياسي للحكومات العربية الانتقالية:الخصائص والنتائج (مثال تونس)“ عمل الدكتور مصباح الشيباني على التنبيه إلى الأخطار التي تهدد الانتقال الديمقراطي في تونس(مثال تونس)“ في ضلّ تغاضي الحكومات المؤقتة على الحسم مع النظام القديم واعتبار أن نتائج الانتخابات كفيلة لوحدها لبناء الديمقراطية وفي غياب سلطة حقيقية للشعب مؤكدا أن النجاح في تحقيق التحول الديمقراطي سيكون صعب المنال وأن التجربــة السياسيـــة الحاليـــة ، سرعان ما ستتحول إلى لعبة "إقصائية" بلبوس ديمقراطي إذا لم تنجح القوى السياسية في الانتقــــال مـــن إطارهـــا الضيـــق النخبـــوي إلى الإطار الجماهيري الواسع عبر مختلف المؤسسات السياسية والمدنية الممكنة متخلّصة بذلك من التشوهات السياسية والثقافية التي طبعت المشهد السياسي العربي علــى مـــدى ستـــة عقـــود . منبّها في مقاله إلى أن غياب السلطة المضادة لأي حكومة، سوف يؤدي إلى تواصل هيمنة الرؤية السياسية الواحدة واستئثارها بحق تقرير مصيــر الشعــب والوطـــن، لأن الجيـــل الـــذي تربــى في منظومة الأحادية الحزبية المهيمنة على مفاصل مؤسسات الدولة والمجتمع لا يمكن أن يكون فــــي يوم وليلـــة ديمقراطيا وعلى استعداد لإنجاح التجربة الديمقراطية.

نرجو أن نكون ، بهذا العدد،  قد فتحنا بابا للنقاش حول قضية الديمقراطية ومعوقات الانتقال الديمقراطي ببلادنا وبقية بلدان الربيع العربي، عسانا نساهم بما نقدر في تحريك الساحة نحو حوار بنّاء بين مختلف الفرقاء من أجل تحقيـــق حلم التونسييـــن وما رفعوه من شعارات خـــــلال ثورتهم فـــي وجـــه الطاغيـــة، حتى تتوجه اهتمامات جميع شرائح الشعب وعلى رأسهم المثقفين نحو المواضيع الحقيقية التي تهمّهم وتساعدهم على النجاح.