في الصميم

بقلم
شكري سلطاني
إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ
 « إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» صدق الله العظيم.
طالما قرأنا وطرقت أسماعنا هاته العبارة ذات الإشارة العظيمة من آية (12) من سورة الرّعد بوقعها العميق، التي تحفّز النّفوس بألفاظ الحقيقة وتخاطب الأرواح المتيقّظة بحقيقة البيان وسرّ التغيير . إنّها الحركة والسّكون لكل شعور سعي وبيان ولكن هل من مدّكر؟؟؟ فهل من تحقيق وتغيير؟؟؟ لقد خيّم العجب الجهل مع الوهم وساد سوء الفهم فانطفأت أنوار وانطمست بصائر وقويت دائرة الحسّ وعشق الصّور بتمادي مجال الكثائف وانحسار مدار اللطائف، نامت الفكرة وخرست الحكمة فجانبنا الصّواب وما أصبنا كبد الحقيقة وما عملنا لصالح العمل وخالص الفعل للتّمكين، فبلغنا أقصى الانحطاط كغثاء سيل وكالزّبد يذهب جفاء لرحيل بدون عدّة ومغامرة بدون حسن تدبير وتمشّي بدون حسن سير وسير بدون رويّة حتى أضحى واقعنا كابوسا وعلمنا وهمنا ووهمنا عمل.
إذا كان المولود يولد على الفطرة لا معقّدا متشنّجا متجرّئا ولا متأدلجا متعصّبا متجنّيا، بل سليما معافى روحا ومعنى، فمن إذن المتسبّب في منعرجات السّلوك ومنعطفات القيّم وإنحرفات النّفس وتشوّهات الرّوح؟؟؟ فلقد ضاعت المعاني وزالت المقاصد وغابت الأهـداف. ليس بلون يعكّر المزاج ولا بفكر معقّد يرهق النّفوس ولا بمنهج ينفّر الأرواح غير مطابق للفطرة ولا بزمن يسجن فيه العقل وينمّط فيه السلوك وتنسخ فيه الأشباح نرتقى ونتغيّر ونغيّر ونتحرّر ونحرّر. إذن لنعيد قراءة ما قرأنا بتدبّر وبفكر متجرّد وعقل متحرّر وبذوق سليم لنستحق كرامة وجودنا وعزّة مقامنا.
قد ثبت أنّ الهدم سهل ويسير فعله، أمّا البناء فشاقّ وعسير سياقه، فهو يتطلب جهد صبر ومكابدة، فما بالنا ببناء الإنسان وهو «الجرم الصغير فيه انطوى العالم الأكبر». إنّ البعد المادّي ظاهر وجليّ والبعد الرّوحي باطن وخفيّ، فعلينا بالغوص في أعماق بواطننا لكشف أغوار ذواتنا وإصلاح دسائسها ودفائنها ومعالجة ما فسد منها والارتقاء بما صلح فيها، ففي صلاح الفرد صلاح المجتمع. الحجب كثيفة قائمة سالبة للمعاني . أملا في حصول النقلة النوعيّة لحالة استهلاك الواقع والزمن إلى مقام إنتاج الواقع والزمن، فكما يصيغنا الواقع والزمن بالأحداث والوقائع والمفاهيم والتراكمات الكميّة للمعارف والسلوكيات نعيد صياغته من جديد إذا كان في الروح وثبة الأحياء وفي النفس عزيمة الأحرار. فالفعل يتأتّى من الإدراك والممارسة من عزيمة الإنجاز والعزيمة من همّة الشّخص وأمله في التّحقيق. لنشمّر على ساعد الجدّ، نتجاوز كل مظاهر السلبيّة ومعاني الاسترخاء والجهل . بالروح العمليّة والجهد المستمر والكدح تتراءى لنا الحقائق ونميّز المعارف ونسلك سبيل الرشاد والفلاح بإذنه وحوله وقوته سبحانه العليّ العظيم. بالطريقة والكدح نتوفّق للحقيقة، فيا حبّذا وعي مطابق لتحدّي قائم مواجه ورهان مقابل وإلمام بظروف المرحلة وحلول لمعادلاتها وفقه منازلاتها دون غلاف الأنا وحجاب الواقع. ألا اخلعوا ثياب الاستعباد جذر الاستبداد بتحرير الذوات من سجنها وسجّانيها. بثقافة التّحرير والتنوير وبالقيّم والمبادئ نتجاوز سوء الحال من خصاصة ماديّة ومعنويّة من ذلّ وفاقة. فهل لنا من آمل في فكر ووعي يصهر اختلافاتنا المذهبيّة ثقافة عمليّة تبطل كل اختلاف مهلك وتذهب وتذيب التّنافر الإيديولوجي المقيت وتنظّم الأفكار، تسدّد تقارب، تعالج الواقع بكل موضوعيّة ورصانة وحكمة وتعمل لتنجز وتحقّق، حتّى يندمل جرحنا وتنسجم أواصر عرانا فتتشبّع علاقاتنا بحرارة دفئها الإنساني فيشعّ بريقنا وتقوى شوكتنا فيهابنا عدوّنا. التغيير في البنى الذهنيّة والمفاهيم والتمثّّلات والأفكار التي لم نحسن استيعابها ولم نتقن تحويلها إلى سلوكيات عمليّة وحلول إجرائيّة، فلنبني من جديد لنخلّد فكرا وممارسة علم وثقافة عمل تتوارثها الأجيال معاني حق وخير وصلاح وفلاح . فإمّا ننتصر لثقافة تبني الإنسان، تحرّره وتحفّز مواهبه وتشحذ همّته، ثقافة تتجنّب التربيّة العاطفيّة فقط دون إثارة العقل وتحفيزه وتنمية الحسّ النقدي ويقظته، وإمّا نستسلم لثقافة العدم والهمج الرّعاع مشحذة الغرائز، مستغلّة المواهب، مستهلكة للإنسان، سالبة لإرادته، ناقضة لمعانيه، صفتها الوعي المقلوب والفكر المشحون والعمل المفقود. 
إنّ نور الفهم وصدق البيان وحكمة الفعل وفائدة العمل كلها تجدي نفعا لمجتمع يبتغي التغيير والتجاوز والرقي. بالعزم الثّابت واليقين المستبصر نبني ونشيّد معالم وطننا ببناء الإنسان واكتساب ثقافة العمل التي سوف تمحو الإستكانة والخضوع والتواكل وتؤسس للإرادة الإنسانيّة الحرّة الكادحة نحو الله، التي تأخذ بالأسباب وتتوكّل على ربّ الأرض والسماء. لا بدّ من روح وضمير عقل وتدبير لأمّة تتحسّس طريقها للنهوض أو هل يستقرّ الحال على ما هو عليه، فنبكي واقعنا الأليم بفؤاد حزين ؟