وجهة نظر

بقلم
يحي بن عبدالله
إيران النووية ... أمريكا المتغيرات الجديدة
 لا يخفي على كل العارفين في الحقل السياسي أن السياسات الأمريكية كانت و لا زالت ترتكز دائما على قاعدة إنطلاق (دولة ما) تكون مركزا إستخباراتيا و سياسيّا للسيطرة وضمان مصالحها بالكامل. وبالرجوع إلى التاريخ نلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية قسّمت العالم وحددت مصالحها واتخذت لنفسها مراكز حسب القارات الخمس، ففي إفريقيا اختارت مصر وفي أسيا اليابان وكوريا الجنوبية  وفي أمريكا المكسيك واختارت تركيا بين آسيا وأوروبا (في مقابل الإتحاد السفياتي سابقا) وإيران في الشرق الأوسط والسعودية في الخليج .
  و بالنظر إلى المتغيرات التي حدثت بعد الثورة الإيرانية و العداء التاريخي مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، كانت السياسة لهذه الأخيرة في وضع مرتعش رغم السيطرة على النفط في الخليج واحتوائها للصراع العربي الصهيوني وحماية الدولة اليهودية وتأييدها في عدوانها المتكرر على الدول العربية رغم مسايرتهم لها والدوران في فلكها. احتلت العراق وزعزعت استقرار لبنان وحاصرت دول أخرى، إلا أنها لم تستطع ضمان مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني خاصّة والغرب عامّة عندما أصبح الدعم التركي غير متاح لها منذ تعاظم دورهذه الأخيرة كدولة لها قرارها السيادي ونظامها الديمقراطي وقوتها الإقتصادية الصاعدة، كل ذلك يضاف إلى صمود الحركات الإسلامية داخل فلسطسن ( حماس ) وحزب الله بجنوب لبنان مما أضغف المرتكزات الأساسيّة التي مكّنت الأمريكان من مسك خيوط اللعبة في الشرق الأوسط وسمحت بتحرّكها كما تشاء ضمانا لمصالحها .
ومما أفقد السّياسة الأمريكية توازنها، اندلاع الثورات العربية انطلاقا من تونس، حيث بدأت الخارطة السياسية العالمية تتغيّر، وأصبح سريان هذا المدّ التحرري للشعوب ينبئ بمسك قرارها السيادي مستقبلا .
كل هذا جعل الأمريكان يبحثون عن إعادة تمركزهم  في الخارطة الجغراسياسية  بالشرق الأوسط  دفاعا عن مصالحهم الحيوية وحفاظا على أمن ما يسمى « دولة إسرائيل» وهنا كان دور الولايات المتحدة الأمريكية  وخاصة مراكز دراساتها الإستراتيجية في العمل بكل جهد ممكن لتدارك أمرها قبل فوات الأوان حيث برز هذا التوجه في العلن خاصة في دعم عودة الإستبداد في مصر من خلال إرجاع الجيش للسلطة عبر الإنقلاب الدموي وبمساعدة دول عربية تخشى لحسابات خاصة بها إمتداد المدّ الديمقراطي والحرياتي لحدودها لتلتقي مصالح هؤلاء جميعا في نقطة واحدة . 
ورغم تأرجح الحل مع إيران لمدّة سنوات إلا أنه وبقدرة قادر أصبح الحلّ ممكنا في وقت قياسي، الشيئ الذي يدفعنا للقول أن الهدف الأساسي من هذا الإتفاق هو بحث الأمريكان عن موقع قدم ومركز جديد لهم يمكّنهم من إعادة السيطرة على مقدرات المنطقة العربية ( في ظلّ تعاظم الدور الإقتصادي والسياسي لكل من الصين وروسيا ) ولن يكون ذلك إلا بالتعاون الإستراتيجي مستقبلا مع إيران واللعب على أوتار الصراعات المذهبية ( شيعة وسنة ) تحافظ من خلالها كل دولة على مصالحها. إلا أن نظرة معمقة للوضع العام في الشرق الأوسط تجعلنا ندرك تمام الإدراك أن الأمريكان أيقنوا أخيرا وبعد فوات الأوان أن العقل العربي أصبح عقلا واعيا بأهمية الحرية وإمتلاكه لقراره والدخول في حركة التاريخ ولن يكون ذلك إلا ببناء ديمقراطية متكاملة الأطراف والجوانب. كما أصبحوا على يقين أن الشعب المصري يسير في هذا الإتجاه وهو قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى هدفه وهو اسقاط الإنقلاب وبالتالي فإن مراهنتهم على حكم العسكر مراهنة خاسرة لذلك كان الإسراع في البحث عن حلّ مع إيران مسألة جدّ حيوية وإستراتيجية واعتراف تحت الإكراه بالقوة الإيرانية المتصاعدة.
  يبقى أن نشير إلى أن المعارك التي تخوضها الدول الكبرى من أجل التمدّد والحفاظ على مصالح  شعوبها هو شيئ بديهي وطبيعي، ولذلك علينا أن ندرك جيّدا أن الرّابح والخاسر من ذلك لا يحسب بالعاطفة وإنما لما تقدمه الشعوب من فعل الواقع داخل حركة التاريخ وليس خارجه، ليتأكد مرّة أخرى بالملموس أن الخاسر هو من يقف وراء الإنقلابات وضد حرية الشّعوب وحقّها في تقرير مصيرها. وعلينا أن ندرك أيضا أن فعل الإنسان الحرّ لا يوقفه الرّصاص ولا توقفه المخطّطات المخابراتية ولا قوى الرّدة إذا كان لديه عزم قويّ نحو البناء .
إن الشعوب العربية إذا أرادت فعلا أن تتموقع في الخارطة السياسية العالميّة، عليها أن تحسّن وتحمي أوطانها بإرساء أنظمة ديمقراطية توقف من خلالها عملية النهب والسلب والقمع والإرهاب التي عاشتها لعقود وتسير في إتجاه تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في توحيد الأمّة العربية في مرحلة أولى ثمّ الإسلاميّة في مرحلة ثانية .